لماذا نقول الله الآب؟
يعتبر الله في الديانة المسيحية أبا فنصلي قائلين: " أبانا الذي في السموات ". كما علمنا السيد المسيح، وإن قوة العلاقة وغنى المحبة والنعمة المتضمنة في هذا التعبير العميق والخاصة بإنجيل المسيح تبدو واضحة، وتظهر أبوته في ترأفه " كما يترأف الآب على البنين يترأف الرب على خائفيه ". ولكن أبوة الله هذه أعلنت بأنها نفس جوهرالذات الإلهية وبأنها وثيقة الصلة بالإنسان في إنجيل المسيح فقط. فإننا نستخلص من كلمات وحياة يسوع أنه دعا الله " أبا " ليس لأنه الخالق أو الحاكم أو.. ولكن لأنه يحبنا.
وأبوة الله تسير في إتجاهين الإتجاه الأول: أبوته للبشر بالخلق والثاني: أبوته للمؤمنين بالنعمة. فقد خلق الله الإنسان مشابها طبيعته، حتى تتحقق بنوته لله ولكن الخطية وقفت حائلا دون تحقيق هذه الغاية التي لا يمكن تحقيقها الآن إلا بالفداء.
وقد أخطأ الإنسان كان لا بد من أن ينال العقاب وهوالموت. ولكن الله، نظرا لمحبته للإنسان، قدم من يموت عنه، أي من ينوب عنه في الموت وهو ما يسميه الكتاب المقدس بالفداء. وهذا المبدأ عرفته الديانات الوثنية، وعرفته اليهودية، وعرفه الإسلام وليس بغريب عن المفاهيم. وهكذا أخذ الله جسدا وحلا بيننا، وعاش مدة ثلاث وثلاثين سنة ومات نيابة وفداء للإنسان، ثم قام من الموت بعد ثلاث أيام. إنه الإله الكلي القدرة، أي القادر على كل شيء، فهل يعجز أن يتخذ جسد ويأتي إلى كوكبنا ويعيش معنا؟ إذا قلنا بإستحالة ذلك حددنا قدرته وإرادته وسجناه في مكان واحد هو السماء. والواقع بأن الله يعيش معنا وفي المؤمنين بروحه القدوس. فهو إذن روح في السماء، وهو جسد عاش على الأرض، إنه آب وإبن وروح قدس. ولننتبه أن كلمة إبن هذه لا تعني الولادة الجسدية بل تعني الذات. إبن الله هو ذات الله. هو نور من تعالى وجوهر منه.
فالله في المسيحية واحد لا شريك له. وهذا الواحد هو في ثلاثة أقانيم آب وإبن وروح قدس وكل منها هو ذات الله، وهم واحد في الصفات والخصائص ولا إنفصال لاحدا عي الاخرعلى الإطلاق والمشكلة التي يواجهها القارىء في هذا الموضوع هي أن فكره ينطلق فورا إلى تصور آب وإبن، وإبن، وزوج وزوجة.. إلخ. من العبث أن ينصرف ذهنك إلى والدك أو إلى أبنائك الذين ولدوا بعد علاقات جسدية بين رجل وإمرأة. حاشا لله أن تكون له زوجة وأولاد. ونرجوك يا صديقي بأن لا تأخذ عبارة آب وإبن بمعناها الحرفي ولا بمعناها المجازي أيضا بل خذها بالمعنى الروحي الالهي الذي يتوافق مع وحدانية الله.
وبكلمات أخرى يؤمن المسيحيون بأن الله هو الروح وهو الحكمة أو العقل، وهو الذات الإلهية، فلذلك فإن المسيحيين يؤمنون بالوهية الآب والإبن والروح القدس، والكل واحد لا فرق بينهم. فلم يكن الله أبدا ثلاثة، ولم يكن الله أبا للمسيح بتوالد جسدي.
وهنا يجدر بنا أيها القارىء العزيز الإشارة إلى أنه لا توجد حقيقة بسيطة ولا سهلة. إن الحجر يبدو قطعة واحدة، ولكن الواقع أنه مركب من عدد لا يحصى من الذرات وقد تبدو قطعة خشب أمامنا ساكنة على حين أن الأمر الواقع أن بداخلها حركة دائبة لا تهدأ. إضافة أن جسم الإنسان الحي مركب من نفس وروح وجسد، وهذه الثلاثة تكون الإنسان الناطق. وهناك الشمس المركبة من نار ونور ومادة وكل من هذه تعمل وحدة التي هي الشمس. وهناك أمثلة عديدة التي تبسط لنا فكرة الثالوث والوحدة.
أما وقد رأينا هذا في العالم المادي، فكم يكون في العالم الروحي؟