كيف نعيش قيامة الرب يسوع في حياتنا؟
كيف نعيشها بالروح القدس مع أنّ الآباء القدّيسين تكلّموا عن القيامة في حياتهم؟
ونعرف أن الكنيسة الأرثوذكسية هي كنيسة قيامه لأنها تشدّد أولاً على حدث القيامة وتؤكد على نتائج القيامة في حياتنا، أي اثر هذا الحدث لكل من يؤمن به ، استناداً إلى الكتاب المقدّس وتقليد الكنيسة وحياة الآباء وكتاباتهم بالخبرة
التحية معروفة وهي تحية سلام عميق " المسيح قام " والرد معروف ومشهور ومريح للقلب جداً ومعزي لكل حزين متضايق : " بالحقيقة قام " في زمن القيامة وبعده حتّى اليوم وإلى الأبد هو ملخّص البشارة [ المسيح قام وداس الموت بالموت ووهب الحياة للذين في القبور ] وهذا القول الشهير يختصر معنى القيامة. الربّ يسوع نفسه يؤكد لنا في الكتاب “ثقوا أنا غلبت العالم” (يو 33:16).
ومع كلّ ذلك، تبقى هذه الكلمات وهذه التعبيرات كلمات، على رجاء أن تتحوّل فينا إلى حياة. الإنجيل والكتاب المقدّس كلّه والمؤلّفات الروحيّة الأخرى المقدّسة الملهمة بالروح القدس والتي لآباء الكنيسة العظام أمثال القديس أثناسيوس الكبير الرسولي وكيرلس الكبير عامود الدين وباسليوس الكبير ... الخ ، كلّها تعبيرات عن خبرة القديسين والأنبياء والرسل والآباء . هذا شيء أساسي في اللاهوت، إذ أن الكتابات المقدّسة ليست مُنْزَلة حرفيّاً من الله نتمسك بها بتعصب وانحياز لنظهر أننا غيورين على أرثوذكسيتنا ، بل هي تعبيرات كُتبت بلغة عصرٍ معيّن بالروح القدس وكثمرة لعمل المسيح بل وتعبيراً عن خبرة مقدّسة إلهيّة-إنسانية عشها القدّيسون والآباء مع الله. كُتبت لكي نسعى بدورنا ونجاهد لنعيش مثل هذه الخبرة عينها وبقوة وبعمق واتساع مع الله. من هذه الناحية نقول إنّ هذه الكتابات هي ملهمة من الله كُتبت بالروح القدس بخبرة حقيقية باتحاد حقيقي تم منذ تجسد الكلمة .
هدف الموضوع أن نستعرض بعض ما جاء في الكتاب المقدّس وعند بعض الآباء القديسين، وفي الليتورجيا عن موضوع القيامة وعلاقتها بحياتنا الشخصيّة كخبرة وليست مجرد كلام للبحث واثبات إننا على حق أو صواب .
القيامة زمن التجديد
القيامة زمن التجديد، زمن الاستنارة، الربيع الروحي، غلبة النور على الظلمة ، النهوض من كبوة الموت . بل هي ربيع حياتنا بعد خريف طويل عشناه على مر تاريخ طويل من الموت والعزلة عن الله . الطبيعة في الربيع تتجدّد وتكتسي الأشجار أوراقها من جديد والأزهار تتفتح ، النهار يطول على حساب الليل. ليس لأنّ الطبيعة تتجدّد فحسب، بل لأنّها تتحوّل إلى الأفضل وهكذا الإنسان أيضاً أصبحت القيامة ربيع حياته وأصبحت للتجديد الداخليّ للإنسان. وهي علامة بأنّنا قادرون بقوّة المسيح القائم من بين الأموات أن نتحوّل نحن بدورنا إلى نوره ومجده. بمعنى أنّه كما أنّ الرب يسوع تألم ومات وقام من الموت وغلبه وحطّم أبواب الجحيم وكسر شوكة الخطيئة والشرّ والألم ، كذلك نحن قادرون بقوّة المسيح القائم أن نغلب نحن بدورنا أيضاً كلّ فكر شرّير والألم ونرتفع بالمرض لأعلى درجات القيامة. لم يعد للموت سلطان كما قال الرب عن لعازر المريض. هناك جانب إيجابّي للألم (مصائب الإنسان وتجاربه). المسيحي المؤمن يتطلّع إلى كلّ الأمور من الناحية الإيجابية، إذ قد قُضي على الموت والشر. لقد “قيّد القوي” (مت29:12) أي الشيطان، وحُرّر الإنسان.
كيف تتمّ هذه الغلبة فينا ؟
بالإيمان أوّلاً إذا كنّا نملك الحسّ الكافي لذلك والقلب الطاهر. وبولس الرسول يدعونا له: “نقّوا منكم الخميرة العتيقة لكي تكونوا عجيناً جديداً كما أنتم فطير لأنّ فصحنا أيضاً المسيح قد ذُبح لأجلنا. إذاً لنعيّد ليس بخميرة عتيقة ولا بخميرة الشرّ والخُبث بل بفطير الإخلاص والحق” (1كور5: 7-
.
“إذاً إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة. الأشياء العتيقة قد مضت، هوذا الكل قد صار جديداً” (2كور 5: 17).
بأعين الإيمان إذاً ننظر، إلى آلامنا كما إلى آلام المسيح إذ أنها صارت معبراً للحياة وللفرح، وعلى الأقل فهي تعلّمنا الصبر، تعطي لنا فرصة للتواضع وعمل المحبة، تمحّصنا، تطهّرنا، تنقّينا تميت كل ما هو فينا حسب الإنسان العتيق أو إنساننا القديم بكل أهوائه وشهواته ورغباته حتى لو كانت حسنة
ولنعلم أنه بدون تنقية، بدون تطهر، بدون جهاد، لا نحصل على طعم القيامة ، لا بدّ من التطهّر من الأهواء لكي نقترب من المسيح القائم لكي نعاين مجده. “طوبى لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله” (مت 8:5).