قيمة الوقت فى حياتنا 12-4-2009
الوقت هو جزء من حياتنا. إن ضيّعناه نضيع جزءاً من حياتنا. وإن استخدمناه حسناً نبنى به حياتنا. وكما قال الشاعر:
دقّات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائقً وثوانى
?? لذلك وأنا سائر فى طريق الحياة، رأيت اشخاصاً لا يكفيهم وقتهم لقضاء مهامهم الكثيرة. فهم يحرصون على كل دقيقة حتى لا تمضى دون عمل نافع. وكثيراً ما يقول الواحد منهم: لست أجد وقتاً...
بينما رأيت فى سوق الحياة أشخاصاً آخرين يبحثون عمن يستأجرهم، لكى يأخذ جزءاً من حياتهم ويمنحهم عنه أجراً. وقد يبالغون فيعطونه وقتاً أزيد يُسمى Over Time مقابل أجر إضافى...
وعجبت من بيع الوقت هذا، والمساومة أحياناً فى ثمنه، وكيف أن البائعين وقتهم لا يبقى منه شئ لأنفسهم وللنمو بحياتهم الروحية والثقافية وعلاقتهم مع الله...
وعجبت بالأكثر لمن يبيعون وقتهم زهيداً. فلا هم يحترمون وقتهم، ولا غيرهم يحترمه. وإن كثر هذا النوع من الناس، تنطبق عليهم القاعدة " إذا كثر العرض، قلّ الطلب ". ومن هنا تظهر البطالة. ويرى هؤلاء أن حياتهم رخيصة، بلا مواهب يحترمها الناس، ويحترمون الوقت الخاص بها..
?? وأعجب من كل هؤلاء الذين ذكرتهم، نوعية اخرى وهى أولئك الذين يضيعون وقتهم، وينفقون مالاً على إضاعته!!
مثال ذلك الذين يقضون وقتهم فى اللهو والعبث، وفى لعب القمار (الميسر)، وفى صالات الرقص حيث يغرسون فى أذهانهم مناظر قد تتعبهم فيما بعد، ومشاعر تشوّه نقاوة قلوبهم. ويدفعون ثمن كل ذلك مالاً، وقد يستدينون..
?? نوع آخر من الناس يقضون وقتهم فى التافهات، التى حتى إن لم تكن فيها خطيئة، إلا أن الإستمرار فيها فترات أزيد من المعقول، هى مضيعة للوقت، مثل الجلوس طويلاً فى المقاهى أو فى الكازينو ... وكان يمكن إستخدام ذلك الوقت فى ما يفيد ... هؤلاء لايعرفون قيمة لوقتهم، ولا يستخدمونه فى بناء أنفسهم..
?? إننى أدهش أيضاً من الأشخاص الذين لايعرفون كيف يستغلون وقتهم فى شىء نافع، فيدركهم الملل والضجر، ويخرجون من بيوتهم بلا هدف، يبحثون عن وسيلة يتخلصون بها من ذلك الملل. ويفرحون إذ يجدون ما يستطيعون به قتل الوقت!!
بينما قتل الوقت هو قتل جزء من حياتهم. ولكن حياتهم رخيصة إلى هذا الحد! يقيناً أن هؤلاء لم يدركوا بعد طعم الحياة الحقيقية، كما لم يدركوا الهدف الذى من أجله خلقهم الله!
?? فى كل هذا وأمثاله، إسأل نفسك: هل وقتك معك أم عليك؟ أى هل تستفيد منه، أم تسخدمه للإضرار بنفسك أو بغيرك؟ أم أنت تريد أن تتخلص من وقتك بأية الطرق؟!
?? فهناك وقت يقضيه الإنسان فى الخطية: سواء فى السعى أليها أو التدبير لها أو ارتكابها... وهذا الوقت كله ضده، محسوب عليه فى الدنيا وفى الآخرة. وقد يقضى أوقاتاً ضعفه فى الندم عليه، وفى تأنيب ضميره له، أو فى محاولة معالجة نتائج الخطايا التى ارتكبها فيه. وقد تتحول بعض هذه الخطايا إلى عادات ثابتة، يعسر عليه أن يقاومها، فتستمر معه فى وقت أطول وأعمق. وربما يشترك معه غيره فى تلك الخطايا، فيضيعون معه. وتصبح خطاياه مزدوجة.
?? إذن هناك أشخاص لا يضيعون وقتهم فحسب، وإنما يضيعون وقت الآخرين معهم... من أمثلة هؤلاء من يتصل بغيره بالتليفون، ويظل يتحدث ويتحدث إلى غير إنتهاء. ولا يراعى وقت من يتحدث إليه، وهل هو متفرغ له أو لا؟ وهل هذه المكالمة تعطل عن بعض مشغولياته الخاصة؟ ولكنه ? إذ لا يقيّم أهمية لوقته ? لا يقيّم أهمية لوقت غيره...
ومن أمثلة إضاعة الوقت: الأحاديث العادية المملة، وقد تكون فى أمور تافهة لا تفيد قائلها ولا سامعها! أو كشخص يسألونه فى موضوع ما، فبدلاً من أن يجيب بكلمة، يحوّل الإجابة إلى محاضرة.
?? وربما اضاعة الوقت يأتى عن طريق الزيارات: ومنها الزيارات التى يقوم بها البعض فجأة بدون موعد مسبق، اعتماداً على الدالة وزوال الكلفة، وربما تكون فى ظروف لا تسمح.. وبخاصة لو كانت فى موسم الامتحانات، والطلبة الذين فى البيت يحتاجون إلى الهدوء للاستذكار، ويزعجهم ما فى الزيارة من ضجيج واصوات.. وربما يزيد من تعب الزيارة أنواع الحديث التي فيها بلبلة الأفكار.
?? الإنسان الحكيم يقيم توازناً فى توزيع وقته. وكما قال سليمان الحكيم " لكل شئ تحت السموات وقت: للكلام وقت، وللصمت وقت ". لذلك فلا يكون اللهو فى وقت الاستذكار، ولا قراءة الجرائد فى وقت العمل، ولا المزاح فى وقت الجدية... بل يختار الشخص العمل المناسب فى الوقت المناسب. كذلك فى الأمور السياسية، يعرفون ما هو الوقت المناسب للحرب وللسلام وللحوار! ومتى تُقطع العلاقات ومتى ترجع؟
?? وعلى كل شخص أن يراعى العدل فى توزيع الوقت على كافة واجباته ومسئولياته، بحيث لا يهمل أياً منها بسبب إنشغاله بغيرها: فمثلاً رجل أعمال ناجح فى عمله: لا يصح أن يعطى كل الوقت للعمل، بينما يهمل اسرته فلا يمنحها وقتاً! فى حين أن أولاده وباقى عائلته يحتاجون وقتاً يتمتعون فيه بحنانه واهتمامه!.. أو شخص آخر مخلص جداً لكل مسئولياته، ولكنه لا يعطى وقتاً لصحته وراحته. وربما نتيجة الإنهاك الشديد يصاب بمرض...
إن التوازن بين وقت التعب ووقت الراحة، أمر هام فى حياة كل إنسان. فلا يتمادى فى الراحة بحيث يصل إلى الكسل والخمول. ولا يتمادى فى التعب بحيث يصل إلى الإنهاك والإجهاد. فيكون له وقت للتفكير العميق، ووقت للاسترخاء من كد الذهن.
?? وفى عملية التوازن، يراعى كل ما يحتاجه عقله وروحه وجسده، هذه العناصر التى تتكون منها بشريته.. فيعطى وقتاً لبناء ذهنه وثقافته وما يلزمه من المعرفة والعلم ? كذلك يلزمه أن يعطى وقتاً لروحه، وما يلزمها من الصلة بالله، ومن فترات لمحاسبة النفس وتقويمها. ولا ينسى فى كل ذلك جسده وما يحتاجه من راحة وتقوية وعلاج...
?? كذلك ينبغى أن يكون وقتناً ثميناً عندنا، نستفيد به فى الانتاج، وفى بناء بلدنا، وفى القيام بكافة واجباتنا الإجتماعية. إن بمجرد مكالمة تليفونية أو زيارة، لكى تهنئ بها شخصاً أو تعزى فيها آخر، أو تشجع ثالثاً، أو تقوم بواجب نحو مريض،... كل ذلك يُحدث أثراً جميلاً فى علاقتك مع الآخرين...
?? من الحريصين أيضاً على وقتهم والاستفادة به، من يقدمون خدمات للمجتمع بإنتاجهم الفكرى، أو بحوثهم العلمية، أو بسائر أنواع الفنون. ولا ننسى أبداً من يستخدم وقته فى الاستعداد لحياته الأبدية. وأيضاً فى ارشاد الباقين للإهتمام بأبديتهم أيضاً.