الفتور الروحى
++++++++++++
حينما خاطب السيد المسيح تلاميذه المكرمين عن الروح القدس قال "واما المعزي الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمي فهو يعلّمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم" ( يو 14 : 26 )، فالتعليم و التذكير من وظائف الروح القدس داخلنا. و لذلك فهو كالمنخاس داخل كل واحد منا و يبكتنا حينما نخطئ، و يرشدنا دائماً للطريق الصحيح. و فى ذلك يقول رب المجد عن الروح القدس "ومتى جاء ذاك يبكت العالم على خطية وعلى بر وعلى دينونة" ( يو 16 : 8 ). و الروح القدس الذى يحل على كل إنسان مسيحى فى سر اليرون يعمل داخله دائماً. و لذلك فوظائف الروح القدس تشتعل داخلنا و نستطيع أن نجملها فى التعزية، و التذكير، و التبكيت، و التعليم. و نحن قد صرنا أولاداً لله بحلول الروح القدس فينا "لان محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا" ( رو 5 : 5 ).
و لكن المشكلة تكمن فينا حينما نخطئ لأننا بهذا نقاوم عمل الروح القدس فينا الذى يرشدنا للصلاح بينما نذهب نحن لنخطئ، فيخاطبنا لنا سفر الأعمال قائلاً "يا قساة الرقاب وغير المختونين بالقلوب والآذان انتم دائما تقاومون الروح القدس" ( أع 7 : 51 ). و الخطية هى إهانة لهيكل الله و روحه القدوس الساكن فينا كقول الوحى الإلهى "ام لستم تعلمون ان جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم الذي لكم من الله وانكم لستم لانفسكم" ( 1 كو 6 : 19 ). و الروح القدس لا يفتر أن يرشدنا و يبكتنا و يعملنا و يذكرنا بكل تعاليم الكتاب المقدس و لكن نحن الذين نقسى قلوبنا و نصم آذاننا عن سماع صوته، و لذلك يقول الكتاب "لذلك كما يقول الروح القدس اليوم ان سمعتم صوته فلا تقسّوا قلوبكم" ( عب 3 : 7 ، 8 ).
و كثرة صم آذاننا يخلق داخلنا قساوة قلب تجاه عمل الروح القدس، فالانسان قد يستصعب أول مرة يخرج لفظاً شريراً من فمه، و لكنه حينما يبدأ فى ترديد هذا الكلام الشرير يصبح فى فمه كالماء. و كذلك فاللص حينما يسرق لأول مرة تكون أصهب سرقة و يكون تبكيت ضميره له شديداً و لكن مع التكرار تصبح السرقة مثل الأكل فى سهولته. و خطية الزنا فى أول مرة تكون صعبة و مرة على النفس جداً، و لكن بالتكرار تصبح كالهواء الذى لا يتنفسه الانسان بلا أى صعوبة. و قد يصل الحال ببعض الناس أنهم يتباهون بخطاياهم أيضاً دون أن يشعروا بأى تبكيت من الروح القدس داخلهم. و هؤلاء الناس قد أطفأوا عمل الروح القدس داخلهم و لذلك يقول الكتاب "لا تطفئوا الروح" ( 1 تس 5 : 19 ). و ما بين إشتعال الروح القدس يوم حلوله فى سر الميرون، و إنطفاؤه داخلنا يمر الانسان بمرحلة الفتور الروحى.
فما هو الفتور الروحى؟!
يقول يوحنا كاسيان "الفاتر هو المتردد بين الفضيلة والرذيلة، يريد الفضيلة لكن يجبن عن الجهاد، ويكره التعب من أجلها"، و يقول الأسقف فيكتورينوس عن الفاتر روحياً "إنه ليس بغير مؤمن ولا مؤمن، بل هو كل شيء لكل أحد". و أيضاً يقول القديس أغسطينوس "أنني أتجاسر فأقول أنه خير للمتكبرين أن يسقطوا في عصيان واضح مشهور حتى يحزنوا في نفوسهم لأن سقوطهم هو بسبب فرحهم بذواتهم. فبطرس كان في حال أفضل حين بكى وهو غير مكتفٍ بذاته عما كان عليه حين كان متجاسرًا معتدًا بذاته". و كمثال تطبيقى فى الكتاب المقدس عن الفتور الروحى يذكر لنا سفر الرؤيا ملاك كنيسة لاودوكية و الذى خاطبه الله قائلاً "أنا عارف أعمالك، أنك لست باردًا ولا حارًا. ليتك كنت باردًا أو حارٌا. هكذا لأنك فاتر ولست باردًا ولا حارًا أنا مزمع أن أتقيأك من فمي" ( رؤ 3 : 15 ، 16 ). و هنا العقاب الإلهى شديداً إذ إنه سيتقيأ الفاتر روحياً من فمه - أى سيطرده من أمامه و يرفضه. فالله لا يقبل هذا الوضع الفاتر الذى لا هو بالحار روحياً و لا البارد المبتعد صراحة عن الله. إن مثل الفاتر روحيا يمكن أن يكون يعيش كإنسان مسيحى و لكن فى مظهره فقط الذين يقول عنهم بولس الرسول "لهم صورة التقوى ولكنهم منكرون قوّتها" ( 2 تى 3 : 5 ). فقد يكون الفاتر روحياً واعظاً فى الكنيسة مشهود له بالحكمة، و قد يكون كاتب هذه السطور، و لكنه كما قال عنه الكتاب "نحاسا يطن او صنجا يرن " ( 1 كو 13 : 1 ). و المصيبة الكبرى فى الفتور الروحى أن علاجه صعب و هو أقرب لحالة البرود الروحى - الذى يقود لإنطفاء الروح - منه لحراراة التوبة، و يقول فى هذا يوحنا كاسيان "رأينا كثيرين من الباردين رهبانًا وعلمانيين تحولوا إلى حرارة روحية، لكننا لم نرى فاترين صاروا حارين". و من خطورة الفتور الروحى يقول القديس أيرونيموس "بينما لا يشاء الله موت الخاطئ بل أن يتوب ويحيا فإنه يبغض الفاترين ويسببون له قيئًا سريعًا".
و علاج الفتور الروحى يتم بعدة خطوات:
1- الوقوف مع النفس وقفة صريحة لمعرفة أين أنا من الله فعلياً و ليس ظاهرياً.
2- محاسبة النفس بتدقيق.
3- الاتضاع فلا يقنع الانسان نفسه بأنه أقرب ما يكون من القديسين حينما يقارن نفسه بالخطاة، بل أن يقتنع بأنه خاطئ و لا يستحق أن يكون إبناً لله حينما يقارن نفسه بالقديسين.
4- إشعال الروح القدس داخلنا و ذلك بالسماع إلى صوته حينما يذكرنا و يعلمنا أقوال الكتاب المقدس، و يبكتنا على كل خطية.
5- الاعتراف الذى نفضح و ندين فيه أنفسنا أمام أب الاعتراف فلا يدخلنا ذلك الفكر المتكبر الذى يقنعنا بما نحن فيه.
6- السعى دائماً لما هو قدام و عد الاكتفاء بالحالة الروحية التى نحن فيها. فالنار إن لم نزدها إشتعالاً لن تبق على ما هى عليه، بل ستخبو حتى تنطفئ.
7- ممارسة كل ما هو نافع لإشعال الروح من وسائط النعمة كالتناول و الاعتراف و التوبة و الأعمال الصالحة و قراءة الكتاب المقدس.
8- قراءة سير القديسين كثيراً حتى نعرف أين نقف نحن الآن.
9- اليقظة الروحية.
منقووووول