| الباب الخامس تعاليم السيد المسيح في الموعظة على الجبل | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
النهيسى عضو مميز
المساهمات : 412 نقاط : 620 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 08/06/2014
| |
| |
النهيسى عضو مميز
المساهمات : 412 نقاط : 620 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 08/06/2014
| موضوع: رد: الباب الخامس تعاليم السيد المسيح في الموعظة على الجبل الإثنين يونيو 16, 2014 10:19 pm | |
| التطوبيات في الموعظة على الجبل
بدأ السيد المسيح تعليمه المقدس بمجموعة رائعة من التطويبات يغبط فيها الذين يسلكون بحسب قيادة الروح القدس ويتمتعون بعطاياه الغنية. وشرح السيد المسيح في هذه التطويبات كيف يسلك الإنسان في طريق الله حتى يصل إلى سعادة الملكوت بالرغم مما قد يعترض طريقه من صعوبات وآلام وأحزان.
كان جميلًا أن يبدأ السيد المسيح تعاليمه وتقديم شرائع الكمال التي للعهد الجديد بتطويب أولئك الذين سوف يقبلون شرائعه بفرح ومسرة ويسلكون فيها بشغف وطاعة ومحبة.
لم يذكر السيد المسيح في بداية حديثه الويلات واللعنات التي تصيب الأشرار والخطاة إنما بدأه بالتطويبات. لأن الأصل في علاقة الإنسان بالله هو أن الإنسان قد خلق على صورة الله ومثاله.. خلقه الرب ليحيا ويتمتع بحلاوة الشركة معه.. خلقه سعيدًا طوباويًا ليحيا في الفردوس ويتنعم بخيراته ويحيا في عشرة مقدسة مع الخالق العظيم. | |
|
| |
النهيسى عضو مميز
المساهمات : 412 نقاط : 620 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 08/06/2014
| موضوع: رد: الباب الخامس تعاليم السيد المسيح في الموعظة على الجبل الإثنين يونيو 16, 2014 10:20 pm | |
| طوبى للمساكين بالروح لأن لهم ملكوت السماوات
وكما يبدأ المزمور الكبير الذي يتحدث كله عن وصايا الرب وأحكامه بالتطويب بعبارة "طوباهم الذين بلا عيب في الطريق.. طوباهم الذين يفحصون عن شهاداته ومن كل قلوبهم يطلبونه" (مز118: 1، 2)، هكذا أيضًا بدأ السيد المسيح وصاياه بالتطويبات وقال: "طوبى للمساكين بالروح لأن لهم ملكوت السماوات" (مت5: 3). وكأن الموعظة على الجبل هي السجل العملي لما سبق أن أنبأ عنه المزمور الكبير بقوله "طوباهم الذين يفحصون عن شهاداته ومن كل قلوبهم يطلبونه".
وقد اختار السيد المسيح أن يبدأ تطويباته الإلهية بتطويب المساكين بالروح.. لأن أساس كل فضيلة مقبولة عند الله هو الاتضاع والمسكنة بالروح. أو بمعنى آخر إن أي فضيلة تخلو من الاتضاع؛ لا تحسب فضيلة على الإطلاق.
أراد السيد المسيح أن يحارب الكبرياء التي كانت سببًا في سقوط الإنسان ومعصيته، لهذا طوّب المسكنة بالروح قبل أن يطوّب باقي الفضائل مثل فضيلة الصبر على الأحزان أو فضيلة الشوق إلى البر أو فضيلة الرحمة.. إلخ.
المسكنة بالروح
المسكنة بالروح؛ مقصود بها الاتضاع الحقيقي النابع من الروح. أي ليس الاتضاع الظاهري في الجسد، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. لأن هناك من يتواضعون بأجسادهم -مثل أن يلبسوا الثياب الرثة أو المهلهلة- ولكنهم يستكبرون في قلوبهم. الاتضاع الحقيقي هو الذي ينبع من القلب حيث ينسحق الإنسان أمام الله شاعرًا بضعفه واحتياجه.
السيد المسيح ينطوي كلامه على تحذير من المسكنة التي ليست بالروح لأنها تضر أكثر مما تفيد. أي أن المسكنة تبدأ بالروح، ثم تؤثر على سلوك الإنسان فيتواضع أيضًا جسده مع روحه. وبهذا يزهد في الأمور العالمية والمظاهر الخارجية بطريقة نابعة من القلب وليست تظاهرًا أو تمثيلًا أو طلبًا لمديح الناس.
المسكنة بالروح معناها أن يشعر الإنسان بفقره الشديد واحتياجه إلى الله. يشعر بالبؤس والعوز مثل أي مسكين يطلب صدقة. وهو بهذا يطلب إحسانًا إلى روحه من قِبل الله القادر أن يعطى بسخاء ولا يعيّر.
لو عاش الإنسان كمسكين طوال حياته، فسيشعر بالاحتياج ولا يستغنى عن إنعامات الله وإحساناته.
وقد حذّر الرب في سفر الرؤيا من الإحساس بالاكتفاء والاستغناء فقال لملاك كنيسة اللاودكيين: "هكذا لأنك فاتر ولست باردًا ولا حارًا، أنا مزمع أن أتقيأك من فمي. لأنك تقول إني أنا غنى وقد استغنيت ولا حاجة لي إلى شيء، ولست تعلم أنك أنت الشقي والبَئِس وفقير وأعمى وعريان" (رؤ3: 16، 17).
من يشعر أنه بائس يكون غنيًا بالنعمة في نظر الله، ومن يشعر أنه غنى هو بائس في نظر الله.
إن الله يقاوم المستكبرين ويرفع المتضعين كقول السيدة العذراء في تسبحتها: "أنزل الأعزاء عن الكراسي ورفع المتضعين، أشبع الجياع خيرات وصرف الأغنياء فارغين" (لو1: 52، 53).
ليتنا نسلك في طريق المسكنة بالروح، لأنه هو الطريق الآمن المؤدى إلى ملكوت السماوات. | |
|
| |
النهيسى عضو مميز
المساهمات : 412 نقاط : 620 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 08/06/2014
| موضوع: رد: الباب الخامس تعاليم السيد المسيح في الموعظة على الجبل الإثنين يونيو 16, 2014 10:22 pm | |
| طوبى للحزانى لأنهم يتعزون
"طوبى للحزانى لأنهم يتعزون. طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض.." (مت5: 4، 5) في هذا التطويب كشف السيد المسيح بُعدًا عميقًا من أبعاد الحياة المسيحية. وهو أن الصليب هو طريق المجد.
الحزن المقصود في هذا التطويب هو نوع من التعبير عن المحبة نحو الله أو نحو الآخرين.
فمن يحزن على خطاياه مثلًا فقد بدأ طريق التوبة والرجوع إلى الله. لأن "الحزن الذي بحسب مشيئة الله ينشئ توبة لخلاص بلا ندامة" (2كو7: 10).
ومن يحتمل الأحزان، يشارك السيد المسيح في أحزانه بدلًا من أن يقول له الرب: "انتظرت من يحزن معي فلم أجد" (انظر مز69: 20).
ربما تقترن الأحزان بالآلام وعن هذا يقول معلمنا بولس الرسول "إن كنا نتألم معه لكي نتمجد معه أيضًا" (رو8: 17).
الحزن واحتمال الآلام من أجل الرب هي من الوسائل الفعّالة للامتلاء من الروح القدس.
لهذا يقول معلمنا بطرس الرسول: "إن عُيرتم باسم المسيح فطوبى لكم لأن روح المجد والله يحل عليكم" (1بط4: 14). والامتلاء بالروح القدس يمنح التعزية في الحزن.
الحزن مع المسيح هو أحد وسائل الالتقاء بالمسيح، لهذا فهو يؤدى إلى تعزيات روحية جزيلة.
مع المسيح يكتشف الإنسان الكثير من أسرار الحياة الروحية والحياة الإلهية.. أي يعرف الله ومقاصده الإلهية بصورة أعمق بكثير.
لاشك أن إبراهيم أب الآباء قد عرف الكثير عن الله وتدابيره ومقاصده حينما وضع إسحق على المذبح ليذبحه كمحرقة للرب حسب أمر الله له. هناك فهم إبراهيم حب ومقاصد الله الآب في بذل ابنه الوحيد الجنس من أجل خلاص البشرية. لهذا قال السيد المسيح: "أبوكم إبراهيم تهلل بأن يرى يومي فرأى وفرح" (يو8: 56).
وكيف رأى إبراهيم يوم السيد المسيح إلا عندما شارك بمشاعره المقاصد الإلهية في تقديم ذبيحة الابن الوحيد.
إن الحزن الذي طوّبه السيد المسيح هو حزن المحبة التي تبذل نفسها وبلا حدود. والتي لا تستطيع أن تتجاهل الآخر، لأن الصليب هو منهجها المؤدى إلى مجد القيامة.
الحزن الذي طوّبه السيد المسيح هو التخلي عن أفراح العالم الباطلة والزائلة لكي يفرح الإنسان بالرب. لهذا قال الكتاب إن "الذهاب إلى بيت النوح خير من الذهاب إلى بيت الوليمة" (جا7: 2).
والحزن الذي طوّبه هو التعب من أجل ملكوت الله. مثل التعب في الخدمة والتعب في الجهاد الروحي واحتمال كل أنواع المعاناة من أجل الرب.
ألم يقل الكتاب إن "الذين يزرعون بالدموع يحصدون بالابتهاج" (مز125: 5).
إن التعب هو علامة الجدية والالتزام وتقدير المسئولية سواء في الزراعة أو في الجهاد الروحي أو في خدمة ملكوت الله.
لهذا وضع قداسة البابا شنودة الثالث منهجًا للرعاة في الخدمة هو شعاره المشهور [إذا تعبنا في الخدمة يستريح الشعب، وإذا استرحنا نحن يتعب الشعب]. الأحزان تفيد الإنسان
قال الآباء القديسون [إن كنا خطاة فبالأحزان نؤدّب. وإن كنا قديسين فبالأحزان نُختبر].
لا ينبغي أن يتذمر الإنسان لسبب ما يصيبه من أحزان، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. بل ينبغي أن يشكر الرب عليها لأنها لفائدته ومنفعته.
إن الحزن هو الطريق إلى التعزية ولهذا فمن يرفض الحزن يرفض ما تجلبه الأحزان من تعزيات [والذي يهرب من الضيقة يهرب من الله] كما قال الآباء.
التعزية التي يجلبها الحزن هي راحة حقيقية ومتعة غير زائلة كقول المرنم للرب في المزمور "عند كثرة همومي في داخلي؛ تعزياتك تلذذ نفسي" (مز94: 19).
إن الإنسان الحزين هو موضع اهتمام الرب وانشغاله "كإنسان تعزّيه أمه" (إش66: 13).
هكذا يعمل الرب في تعزية كل إنسان حزين متكل على الله وملتصق بالرب المصلوب. حزنكم يتحول إلى فرح
ليست المسيحية دعوة إلى الكآبة ولكنها دعوة إلى الفرح الذي لا يستطيع العالم أن ينزعه.
وقد أكدّ السيد المسيح هذه الحقيقة بقوله للتلاميذ قبيل الصليب: "إنكم ستبكون وتنوحون والعالم يفرح، أنتم ستحزنون ولكن حزنكم يتحول إلى فرح" (يو16: 20).
وقال لهم أيضًا: "المرأة وهى تلِد تحزن لأن ساعتها قد جاءت، ولكنها متى ولدت الطفل لا تعود تذكر الشدة لسبب الفرح لأنه قد وُلد إنسان في العالم" (يو16: 21).
وكان السيد المسيح بكلامه هذا يقصد ما سوف يصيبهم من أحزان بصفة عامة، وما سوف يحزنون به لسبب صلبه بصفة خاصة، ولهذا استطرد قائلًا: "أنتم كذلك عندكم الآن حزن. ولكنى سأراكم أيضًا فتفرح قلوبكم ولا ينزع أحد فرحكم منكم" (يو16: 22).
وكان يقصد أنهم بعد أحزان الصليب سوف يرون الرب بعد قيامته ويفرحون فرحًا لا يستطيع العالم أن ينزعه.
إن أفراح القيامة تعقب دائمًا أحزان الصليب. ومن يحزن مع المسيح لابد أن يفرح ويتعزى، ويفرح في الأبدية حيث لا حزن ولا دموع حيث "يمسح كل دمعة من عيونهم" (رؤ21: 4).
هناك أفراح من يد الرب ينالها الإنسان في حياته على الأرض ويتعزى بها. وهناك أفراح أخرى مجيدة ينتظرها الإنسان في الحياة الأبدية. ولهذا يقول الكتاب "فرحين في الرجاء" (رو12: 12).
إن الروح القدس يمنح رجاءً للإنسان المؤمن، وهذا الرجاء يعزيه في وسط أحزانه. لهذا يقول الكتاب "لا تحزنوا كالباقين الذين لا رجاء لهم" (1تس4: 13).
"أما الآن فيثبت الإيمان والرجاء والمحبة هذه الثلاثة، ولكن أعظمهن المحبة" (1كو13: 13). | |
|
| |
النهيسى عضو مميز
المساهمات : 412 نقاط : 620 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 08/06/2014
| |
| |
النهيسى عضو مميز
المساهمات : 412 نقاط : 620 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 08/06/2014
| موضوع: رد: الباب الخامس تعاليم السيد المسيح في الموعظة على الجبل الإثنين يونيو 16, 2014 10:25 pm | |
| طوبى للجياع والعطاش إلى البر، فإنهم يشبعون
بعد أن طوب السيد المسيح الودعاء قال: "طوبى للجياع والعطاش إلى البر، فإنهم يُشبعون" (مت5: 6).
ونريد أن نشرح معنى الجوع والعطش المقصود ومعنى البر الذي قصده السيد المسيح بكلامه. الجوع والعطش
الإنسان الجسداني، الذي يهتم باحتياجات جسده فقط، يشعر بالجوع والعطش الجسداني ويسعى باستمرار لإشباع هذا الجسد بكل الوسائل. ولكنه لا يشعر بأن روحه هي أيضًا تحتاج إلى الغذاء والشراب الروحي. ولهذا فهو يترك روحه بلا غذاء ولا شراب، وتضعف الروح ويضعف تأثيرها على الجسد وتفقد قدرتها على قيادته.
فالسيد المسيح بقوله: "طوبى للجياع والعطاش إلى البر"، فإنه يمدح ويغبط ويطوّب أولئك الذين يشعرون بأهمية الجانب الروحي في حياتهم، فلا ينشغلون باحتياجات الجسد عن احتياجات الروح. ولذلك فهم يمارسون الصوم مع الصلاة لكي تأخذ الروح فرصتها وغذاءها.
الروح تغتذي بكلام الله، وترتوي من مياه النعمة، أي من سكيب الروح القدس. وتشتاق دائمًا أن تنال نصيبها لتحيا وتنمو في معرفة الله وفي محبته. وهذا هو معنى الجوع والعطش إلى البر الذي في المسيح. معنى البر
البر المقصود في كلام السيد المسيح، هو بر الله في المسيح يسوع.. فليس هناك بر حقيقي بدون المسيح.
ويتضح ذلك من كلام القديس بولس الرسول "بر الله بالإيمان بيسوع المسيح إلى كل وعلى كل الذين يؤمنون" (رو3: 22)، "الفداء الذي بيسوع المسيح الذي قدمه الله كفارة.. ليكون بارًا ويبرر من هو من الإيمان بيسوع" (رو3: 24-26).
فلا يوجد بر إلا بالإيمان بالمسيح.. أما أي بر آخر فيه اتكال على الذات فهو يعطل البر الذي في الإيمان. مثلما قيل على اليهود الذين إذ أرادوا أن يثبتوا بر أنفسهم لم يدركوا البر الحقيقي. وهذا شرحه أيضًا القديس بولس الرسول بقوله: "إن الأمم الذين لم يسعوا في أثر ناموس البر أدركوا البر. البر الذي بالإيمان. ولكن إسرائيل وهو يسعى في أثر ناموس البر، لم يدرك ناموس البر. لماذا؟ لأنه فعل ذلك ليس بالإيمان، بل كأنه بأعمال الناموس" (رو9: 30-32). جوهرات، ، جواهر، أحجار كريمة
صورة في موقع الأنبا تكلا: الكنز، كنز، حليات، الحلى، المجوهرات، مجوهرات، ، جواهر، أحجار كريمة
فالإنسان الذي يسعى لإثبات بر نفسه -بعيدًا عن الإيمان بالمسيح- يفقد فرصة التمتع ببر المسيح.
وقد لقب السيد المسيح بلقب "البار"، مثلما قال بطرس الرسول عنه لليهود بعد معجزة شفاء الأعرج عند باب الهيكل: "أنتم أنكرتم القدوس البار وطلبتم أن يوهب لكم رجل قاتل. ورئيس الحياة قتلتموه، الذي أقامه الله من الأموات ونحن شهود لذلك" (أع3: 14، 15)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وكذلك القديس اسطفانوس رئيس الشمامسة وأول الشهداء قال نفس اللقب عن السيد المسيح أمام مجمع اليهود: "أي الأنبياء لم يضطهده آباؤكم وقد قتلوا الذين سبقوا فأنبأوا بمجيء البار الذي أنتم الآن صرتم مسلميه وقاتليه" (أع7: 52).
كذلك حنانيا أسقف دمشق الذي عمّد بولس الرسول قال له وقت عماده: "إله آبائنا انتخبك لتعلم مشيئته وتبصر البار وتسمع صوتًا من فمه" (أع22: 14)، وكان السيد المسيح قد ظهر لشاول الطرسوسي الذي هو بولس الرسول وتكلم معه وهو في طريقه إلى دمشق.
وقد ورد هذا اللقب عن السيد المسيح أيضًا في كتب العهد القديم وذلك في نبوة إرميا النبي في قوله: "ها أيام تأتى يقول الرب وأقيم لداود غصن بر فيملك ملك وينجح ويُجرى حقًا وعدلًا في الأرض في أيامه يخلص يهوذا ويسكن إسرائيل آمنًا. وهذا هو اسمه الذي يدعونه به الرب برنا" (أر23: 5، 6). ومن الواضح أن هذا اللقب هو من ألقاب الله "الرب برنا"وذلك لأن السيد المسيح هو الله الظاهر في الجسد، أي الله الكلمة المتجسد.
فإذا كان السيد المسيح هو "الرب برنا"، فإن من يشتاق إلى البر - يشتاق إلى السيد المسيح.
فالإنسان الذي يجوع ويعطش إلى البر، هو يجوع ويعطش إلى المسيح "البار"وإلى النعمة التي يمنحها للمؤمنين باسمه القدوس.. ومن يجوع إلى المسيح هو من يسعى ليغتذي بجسده المقدس حسبما قال "أنا هو الخبز الحي الذي نزل من السماء.. فمن يأكلني فهو يحيا بي" (يو6: 51، 57).
من يجوع ويعطش إلى البر، هو من يسعى للامتلاء بالروح القدس من خلال وسائط النعمة التي رتبها السيد المسيح في كنيسته المجيدة. فالامتلاء بالروح القدس هو ما قال عنه السيد المسيح: "من آمن بي كما قال الكتاب تجرى من بطنه أنهار ماء حي. قال هذا عن الروح الذي كان المؤمنون به مزمعين أن يقبلوه" (يو7: 38، 39). فإنهم يشبعون
إن عطايا الله تنتظر من يريدها.. مثلما قال الآباء: [الفضيلة تريدك أن تريدها]. الجوع إلى البر يؤدى إلى الشبع.
والعطش إلى البر يؤدى إلى الارتواء كقول الرب للمرأة السامرية عن الماء المادي "من يشرب من هذا الماء يعطش أيضًا ولكن من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا فلن يعطش إلى الأبد" (يو4: 13، 14).
الله يمنح عطاياه لمن يرغب فيها.. لمن يشعر بقيمتها فيضحى للحصول عليها.. لمن يعرف أن كنوز العالم كله لا تساويها.. لأنها هي العطية الفائقة والعظمى.. | |
|
| |
النهيسى عضو مميز
المساهمات : 412 نقاط : 620 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 08/06/2014
| |
| |
النهيسى عضو مميز
المساهمات : 412 نقاط : 620 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 08/06/2014
| |
| |
النهيسى عضو مميز
المساهمات : 412 نقاط : 620 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 08/06/2014
| موضوع: رد: الباب الخامس تعاليم السيد المسيح في الموعظة على الجبل الإثنين يونيو 16, 2014 10:29 pm | |
| طوبى لصانعي السلام
بعد أن طوّب السيد المسيح أنقياء القلب قال التطويب السابع: "طوبى لصانعي السلام، لأنهم أبناء الله يدعون" (مت5: 9).
دُعي السيد المسيح "رئيس السلام" (إش9: 6)، و"ملك السلام" (عب7: 2). وقيل عنه: "لنمو رياسته وللسلام لا نهاية" (إش9: 7).
وسبب هذه التسمية أن السيد المسيح قد صالحنا مع الله أبيه بدم صليبه مثلما كتب معلمنا بولس الرسول للأمم "أنتم الذين كنتم قبلًا بعيدين، صرتم قريبين بدم المسيح. لأنه هو سلامنا الذي جعل الاثنين واحدًا، ونقض حائط السياج المتوسط أي العداوة. مبطلًا بجسده ناموس الوصايا في فرائض. لكي يخلق الاثنين في نفسه إنسانًا واحداً جديدًا صانعًا سلامًا. ويصالح الاثنين في جسد واحد مع الله بالصليب قاتلًا العداوة به" (أف2: 13-16).
فكما صالح السيد المسيح الإنسان مع الله، صالح الإنسان مع أخيه الإنسان. وأعطى تلاميذه من الرسل القديسين خدمة المصالحة بحسب قصد الآب السماوي وتدبيره. وقد أشار القديس بولس الرسول إلى ذلك فقال: "ولكن الكل من الله الذي صالحنا لنفسه بيسوع المسيح، وأعطانا خدمة المصالحة. أي أن الله كان في المسيح مصالحًا العالم لنفسه غير حاسب لهم خطاياهم، وواضعًا فينا كلمة المصالحة. إذًا نسعى كسفراء عن المسيح كأن الله يعظ بنا. نطلب عن المسيح تصالحوا مع الله" (2كو5: 18-20).
فبعدما قدّم السيد المسيح ذبيحة الفداء على الصليب، وقام من الأموات وظهر للأحد عشر وهم مجتمعون في عشية يوم أحد القيامة قال لهم: "سلام لكم. ولما قال هذا أراهم يديه وجنبه. ففرح التلاميذ إذ رأوا الرب. فقال لهم يسوع أيضًا سلام لكم. كما أرسلني الآب أرسلكم أنا. ولما قال هذا نفخ وقال لهم: اقبلوا الروح القدس، من غفرتم خطاياه تغفر له، ومن أمسكتم خطاياه أمسكت" (يو20: 19-23). لقد بشرهم بالسلام، وأعطاهم السلطان أن ينشروه لكل من يرغب.
وبهذا حقق السيد المسيح وعده لتلاميذه بأن يمنحهم عطية السلام الفائقة للطبيعة إذ قال: "سلامًا أترك لكم. سلامي أعطيكم" (يو14: 27). عطية السلام
عطية السلام التي منحها "رئيس السلام" لتلاميذه هي عطية فائقة للعقل.. لهذا قال معلمنا بولس الرسول لأهل فيليبي: "وسلام الله الذي يفوق كل عقل، يحفظ قلوبكم وأفكاركم في المسيح يسوع" (فى4: 7).
إن عطية السلام هي عطية إلهية يمنحها الآب السماوي باستحقاقات دم ابنه الوحيد بواسطة الروح القدس.
لهذا فإن السلام هو من ثمار الروح القدس في حياة المؤمنين كقول الكتاب: "وأما ثمر الروح، فهو محبة فرح سلام.." (غل5: 22).
من يمتلئ من الروح القدس يمتلئ من السلام، ويستطيع أن يصنع السلام ويستحق أن يُدعى ضمن أبناء الله، ويستحق التطويب.
كانت إرسالية السيد المسيح إلى العالم هي إرسالية صلح وسلام، ومن أراد أن يتشبه بابن الله ينبغي أن يكون من صنّاع السلام.. السلام المبنى على الحق كقول المزمور "العدل والسلام تلاثما" (مز84: 10).
وقد أوصى بولس الرسول باتباع السلام فقال: "اتبعوا السلام مع الجميع، والقداسة التي بدونها لن يرى أحد الرب" (عب12: 14).
كما أوضح يعقوب الرسول أهمية السلام كعلامة للحكمة الممنوحة من الله "أما الحكمة التي من فوق فهى أولًا طاهرة، ثم مسالمة، مترفقة، مذعنة، مملوءة رحمة وأثمارًا صالحة، عديمة الريب والرياء. وثمر البر يزرع في السلام من الذين يفعلون السلام" (يع3: 17، 18).
الذي يزرع الخصومات بين الإخوة المتحابين يصير مكروهًا من الله، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. كقول الكتاب "هذه الستة يبغضها الرب. وسبعة هي مكرهة نفسه. عيون متعالية، لسان كاذب، أيدٍ سافكة دمًا بريئًا، قلب ينشئ أفكارًا رديئة، أرجل سريعة الجريان إلى السوء، شاهد زور يفوه بالأكاذيب، وزارع خصومات بين إخوة" (أم6: 16-19).
ولكي يتحاشى الإنسان تهييج الخصام يحتاج إلى اقتناء الاتضاع والبعد عن الغضب لأن الكتاب يقول "المنتفخ النفس يهيج الخصام" (أم28: 25) وأيضا "الغضوب يهيج الخصام" (أم29: 22).
كان الرسل صانعي سلام وكانوا دائمًا يطلبون السلام للتلاميذ "لتكثر لكم النعمة والسلام" (1بط1: 2، 2بط1: 2). لقد نشروا سلام المسيح على الأرض.. | |
|
| |
النهيسى عضو مميز
المساهمات : 412 نقاط : 620 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 08/06/2014
| |
| |
النهيسى عضو مميز
المساهمات : 412 نقاط : 620 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 08/06/2014
| موضوع: رد: الباب الخامس تعاليم السيد المسيح في الموعظة على الجبل الإثنين يونيو 16, 2014 10:34 pm | |
| أنتم ملح الأرض
بعد انتهاء التطوبيات قال السيد المسيح لتلاميذه: "أنتم ملح الأرض، ولكن إن فسد الملح فبماذا يملّح؟! لا يصلح بعد لشيء إلا لأن يُطرح خارجًا ويُداس من الناس" (مت5: 13).
الملح هو الذي يعطى للطعام مذاقه.. كما أنه يستخدم في حفظ الأطعمة من الفساد. وبعض أنواع الأملاح تستخدم لتسميد الأراضي الزراعية.
حينما يقول السيد المسيح: "أنتم ملح الأرض" يقصد أن المسيحي الحقيقي هو الذي يعطى لحياة البشر مذاقتها. فبالرغم من أن كميته تكون قليلة إلا أنه يملح طعامًا كثيرًا. هكذا يستطيع تلميذ الرب بقدوته الصالحة أن يؤثر في حياة الكثيرين ويجتذبهم إلى الحياة مع الله. كما أنه يمنع الفساد الروحي عن كثير من البشر، كقول الكتاب "من رد خاطئًا عن ضلال طريقه، يخلص نفسًا من الموت ويستر كثرة من الخطايا" (يع5: 20).
ولعلنا نذكر قصة سدوم وعمورة حينما قال الله لإبراهيم أنه لو وُجد في المدينة عشرة من الأبرار، لما أهلك من أجل العشرة (انظر تك18: 32).
إن مجرد وجود إنسان قديس في وسط أناس كثيرين، يمنع بلايا ومصائب كثيرة، ويمنع غضب الله من أن يحل على المكان بسبب شرور بعض الموجودين فيه.
إن وُجد مثل هذا القديس يعطى أملًا أن ينصلح شأن ذلك المكان، وأن يعود الأشرار عن خطاياهم بالتوبة لسبب سيرة هذا القديس التي تهز مشاعرهم وتوبّخ خطاياهم.
ومن خصائص الملح الذي يوضع في الطعام، أنه يذوب ويتلاشى ويختفي، ولكنه يؤثر تأثيرًا قويًا في هذا الطعام.
هكذا أولاد الله في هذا العالم؛ يخفون ذواتهم ويبذلون أنفسهم من أجل مجد الله وخلاص الناس. ولكن بالرغم من إخفائهم لذواتهم إلا أن تأثيرهم يكون قويًا.. وبالرغم من بذل أنفسهم إلا أنهم لا يضيعون، بل على العكس كما قال السيد المسيح "من وجد حياته يضيعها، ومن أضاع حياته من أجلى يجدها" (مت10: 39).
إن الذات هي أكبر معطل لعمل الله في حياة الإنسان تعطّل خلاص الإنسان وتعطّل عمل الله فيه. بينما يتمجد الله كثيرًا من خلال النفس المبذولة، كما تمجد من خلال ذبيحة ابنه الوحيد على الصليب الذي تألم من أجل خلاصنا، وبعدما قام من الأموات قال لتلاميذه: "كان ينبغي أن المسيح يتألم بهذا ويدخل إلى مجده" (لو24: 26).
الإنسان المسيحي الحقيقي عليه مسئولية كبيرة تجاه خلاص الآخرين والمحافظة عليهم من الفساد الموجود في العالم. لهذا قال السيد المسيح لتلاميذه: "أنتم ملح الأرض، ولكن إن فسد الملح فبماذا يملح؟!" (مت5: 13). فساد الملح
المفروض أن يكون الملح هو الحافظ للطعام من الفساد.
المفروض أن يكون الخدام هم الحافظين للمخدومين من الفساد.
المفروض أن يكون الوعّاظ هم أنفسهم قدوة للآخرين في أفعالهم قبل أقوالهم.
المفروض في الكهنة أن يمارسوا حياة التوبة والقداسة، وأن يقودوا غيرهم في هذا الطريق.
المفروض في الإنسان المسيحي عمومًا أن يكون سبب بركة وخلاص وحفظ للعالم من الشرور والفساد.
فإذا فسد الملح فكيف يحفظ غيره من فساد الخطية؟
إن شجرة ردية لا تقدر أن تصنع أثمارًا طيبة كما قال السيد المسيح: "هل يجتنون من الشوك عنبًا، أو من الحسك تينًا؟!" (مت7: 16).
قبل أن نسعى لخلاص الآخرين، علينا أن نعتني بخلاص أنفسنا، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وقبل أن ندعو الآخرين للتوبة، علينا أن نقود أنفسنا في حياة التوبة، كقول معلمنا بولس الرسول: "أقمع جسدي وأستعبده حتى بعدما كرزت للآخرين لا أصير أنا نفسي مرفوضًا" (1كو9: 27).
يُطرح خارجًا ويُداس من الناس
"إن فسد الملح فبماذا يُملّح؟ لا يصلُح بعد لشيء إلا لأن يُطرح خارجًا ويُداس من الناس" (مت5: 13).
إنه موقف خطير، وموقف مهين أن يفسد الملح الذي كان المفترض فيه أن يحفظ غيره من الفساد.
الذي يقول للناس لا تكذبوا، أيكذب؟!
والذي يقول للناس لا تسرقوا، أيسرق؟!
والذي يقول للناس عيشوا بالقداسة، أيدنّس هو المقدسات؟!
إن من يتبع السيد المسيح فكما سلك ذاك، ينبغي أن يسلك هو أيضًا وإلا صار موضع هزء وسخرية وازدراء من الآخرين. لأنه فيما هو يدّعى أنه يخدم المسيح، فإن الاسم الحسن يجدف عليه بسببه. علينا أن نلاحظ أنفسنا باستمرار لكي نكون ملحًا جيدًا في هذه الأرض.
أنتم نور العالم
بعد أن قال السيد المسيح لتلاميذه "أنتم ملح الأرض.. "أكمل قائلًا: "أنتم نور العالم. لا يمكن أن تخفى مدينة موضوعة على جبل. ولا يوقدون سراجًا ويضعونه تحت المكيال، بل على المنارة، فيضئ لجميع الذين في البيت. فليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السماوات" (مت5: 14-16).
العالم يحتاج إلى النور. وحينما كان السيد المسيح في حياته على الأرض قال: "ما دمت في العالم فأنا نور العالم" (يو9: 5).
ولأن السيد المسيح كان سوف يصعد إلى السماء من حيث أتى، قال لتلاميذه: "أنتم نور العالم" أي أنهم سوف يعكسون نور السيد المسيح بحياتهم المقدسة.
السيد المسيح هو النور الحقيقي كما كُتب في الإنجيل "كان النور الحقيقي الذي ينير كل إنسان آتيًا إلى العالم" (يو1: 9). أي أن الرب يسوع المسيح باعتباره الله الكلمة الظاهر في الجسد يملك شخصيًا هذا النور - إذ هو والآب بنفس الجوهر الإلهي الواحد- لذلك فهو النور الحقيقي.
كما قال قداسة البابا شنودة الثالث - أطال الرب حياته- إن الفرق بين السيد المسيح وبين تلاميذه من حيث أنه هو نور العالم، والتلاميذ هم نور العالم، أن التلاميذ يعكسون نور المسيح. أما المسيح فهو نور في ذاته ولا يعكس نورًا خارجيًا.. لهذا دعى بلقب "النور الحقيقي". وقيل عن الله أنه نور "الله نور وليس فيه ظلمة" (1يو1: 5). فحينما يُقال عن السيد المسيح أنه هو النور الحقيقي فذلك لأنه هو الله الكلمة وهو الحق. وكتب معلمنا بولس الرسول عن السيد المسيح أنه هو "بهاء مجد الله الآب" (انظرعب1: 3).
كذلك قال القديس يوحنا في إنجيله عن الرب يسوع المسيح: "رأينا مجده مجدًا كما لوحيد من الآب مملوءًا نعمةً وحقًا" (يو1: 14). بين النور والظلمة
منذ بداية خلق العالم "فصل الله بين النور والظلمة. ودعا الله النور نهارًا، والظلمة دعاها ليلًا" (تك1: 4، 5).
قبل خلق النور المادي "كانت الأرض خرِبة وخالية وعلى وجه الغمر ظلمة، وروح الله يرف على وجه المياه" (تك1: 2).
"وقال الله: ليكن نور فكان نور. ورأى الله النور أنه حسن. وفصل الله بين النور والظلمة.." (تك1: 3، 4).
باستمرار الله يريد أن يفصل بين النور والظلمة، وبالأكثر في الأمور الروحية. لهذا قال الرب بفم إشعياء النبي: "ويل للقائلين للشر خيرًا، وللخير شرًا. الجاعلين الظلام نورًا، والنور ظلامًا. الجاعلين المر حلوًا، والحلو مرًا" (إش5: 20).
وقال معلمنا بولس الرسول: "لا تكونوا تحت نير مع غير المؤمنين.. لأنه أية شركة للنور مع الظلمة" (2كو6: 14).
النور يشير إلى معرفة الحق، والظلمة تشير إلى الجهل به.
لهذا قال السيد المسيح: "من يتبعني فلا يمشى في الظلمة، بل يكون له نور الحياة" (يو8: 12).
وقيل في سفر الحكمة "أما الجاهل فيسلك في الظلام" (جا2: 14).
النور يشير إلى الحياة، والظلمة تشير إلى الموت.
لهذا قيل عن السيد المسيح: "أبطل الموت وأنار الحياة" (2تى1: 10).
النور يشير إلى سلطان الله، والظلمة تشير إلى سلطان إبليس.
مثلما كلّم السيد المسيح شاول الطرسوسى (أي بولس الرسول) عندما ظهر له في نور من السماء أفضل من لمعان الشمس قائلًا: "قم وقف على رجليك لأني لهذا ظهرت لك لأنتخبك خادمًا وشاهدًا بما رأيت وبما سأظهر لك به. منقذًا إياك من الشعب ومن الأمم الذين أنا الآن أرسلك إليهم، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. لتفتح عيونهم كي يرجعوا من ظلمات إلى نور، ومن سلطان الشيطان إلى الله. حتى ينالوا بالإيمان بي غفران الخطايا ونصيبًا مع المقدسين" (أع26: 16-18).
النور يشير إلى ملكوت السماوات، والظلمة تشير إلى موضع الهلاك الأبدي.
مثلما قيل عن أورشليم السمائية: "والمدينة لا تحتاج إلى الشمس ولا إلى القمر ليضيئا فيها. لأن مجد الله قد أنارها والخروف سراجها" (رؤ21: 23). وقيل عن الهلاك الأبدي: "والعبد البطال اطرحوه إلى الظلمة الخارجية. هناك يكون البكاء وصرير الأسنان" (مت25: 30).
النور يشير إلى حياة القداسة، والظلمة تشير إلى حياة الخطية. مثلما قال السيد المسيح: "وهذه هي الدينونة أن النور قد جاء إلى العالم وأحب الناس الظلمة أكثر من النور لأن أعمالهم كانت شريرة. لأن كل من يعمل السيآت يبغض النور، ولا يأتي إلى النور لئلا توبخ أعماله. وأما من يفعل الحق، فيُقبل إلى النور لكي تظهر أعماله أنها بالله معمولة" (يو3: 19-21).
النور يشير إلى الفرح والرجاء، والظلمة تشير إلى الخوف والحزن واليأس وقطع الرجاء.. لذلك يقول المرنم: "نور أشرق للصديقين، وفرح للمستقيمي القلوب. افرحوا أيها الصديقون بالرب" (مز96: 11، 12). فالنور والفرح متلازمان. أما عن الأشرار وطريقهم فيقول النبي: "لأن الأنبياء والكهنة تنجسوا جميعًا، بل في بيتي وجدت شرهم يقول الرب. لذلك يكون طريقهم لهم كمزالق في ظلام دامس، فيطردون ويسقطون فيها. لأني أجلب عليهم شرًا سنة عقابهم يقول الرب" (أر23: 11، 12). لا يمكن إخفاء النور
العالم يحتاج إلى النور. وأولاد الله مطلوب منهم أن يكونوا نورًا للعالم، هذه هي رسالتهم التي طلبها منهم السيد المسيح. والنور يضئ في الظلمة، كلما زادت الحاجة إلى النور. لذلك فكلما زادت خطايا البشر في جيل من الأجيال، كلما ازدادت الحاجة إلى قديسين ينيرون في وسط هذا الجيل. كقول القديس بولس الرسول: "لكي تكونوا بلا لوم وبسطاء، أولادًا لله بلا عيب، في وسط جيل معوج وملتوٍ، تضيئون بينهم كأنوار في العالم" (فى2: 15).
إن مصباحًا واحدًا يستطيع أن يضئ حجرة بأكملها.. هكذا يستطيع قديس واحد أن ينير مدينة بأكملها، ومهما حاول القديس أن يخفى قداسته، فإنه لا يستطيع كقول المزمور عن عمل الرب أنه "يُخرج مثل النور برك" (مز37: 6).
لهذا قال السيد المسيح: "لا يمكن أن تخفى مدينة موضوعة على جبل. ولا يوقدون سراجًا ويضعونه تحت المكيال، بل على المنارة فيضئ لجميع الذين في البيت. فليضئ نوركم هكذا قدام الناس" (مت5: 14-16). إن النور إذا وضع داخل مصباح من الزجاج فإنه لا يحتجب، هكذا مهما حاول القديس إخفاء فضائله فإنها تنكشف بزيادة إذ يشتد نور المسيح في حياته من خلال فضيلة الاتضاع، وتزداد شفافيته مثل الزجاج الشفاف، لسبب البساطة التي في المسيح.
| |
|
| |
النهيسى عضو مميز
المساهمات : 412 نقاط : 620 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 08/06/2014
| موضوع: رد: الباب الخامس تعاليم السيد المسيح في الموعظة على الجبل الإثنين يونيو 16, 2014 10:37 pm | |
| ما جئت لأنقض بل لأكمل
بعد أن عدّد السيد المسيح التطويبات الرائعة ودعوته لتلاميذه أن يكونوا ملحًا للأرض ونورًا للعالم، انتقل في موعظته الخالدة إلى مجال آخر من التعليم: وهو شرح علاقة وصايا العهد الجديد بوصايا العهد القديم، وعلاقة ما كتبه الأنبياء في العهد القديم بما سوف يُكتب في الأناجيل المقدسة وباقي أسفار العهد الجديد فقال: "لا تظنوا أنى جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء. ما جئت لأنقض بل لأكمل" (مت5: 17).
الله هو هو نفسه الذي أعطى شريعة العهد القديم وشريعة العهد الجديد.. الذي تكلم مع موسى على جبل سيناء هو نفسه الذي تكلم مع التلاميذ في الموعظة على الجبل.. الله لم يتغيّر على الإطلاق، ولكن حال الإنسان هو الذي تغيّر بمجيء المخلص. كقول إشعياء النبي "الشعب السالك في الظلمة أبصر نورًا عظيمًا" (إش9: 2).
لم يقصد السيد المسيح أن ينقض شريعة العهد القديم، بل احتفظ بكل جوهرها.. لهذا قال بفمه الإلهي: "ما جئت لأنقض بل لأكمّل" (مت5: 17).
ففي وصية "لا تزن" (خر20: 14، تث5: 18) التي قيلت للقدماء، لم يكتف السيد المسيح بعدم الزنى الفعلي بل قال: "كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه" (مت5: 28).
أي أن الإنسان ينبغي أن يتحرر من الخطية من الداخل، وليس من الخارج فقط. لأن السيد المسيح قد جاء ليحرر الإنسان من سبى الخطية، ومن عبودية الشيطان وتأثيراته. وقال للجميع: "إن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحرارًا" (يو8: 36).
الحرية الكاملة من الخطية داخليًا وخارجيًا يلزمها عطية النعمة التي منحها الله لأولاده في العهد الجديد.
شريعة الكمال
وصايا العهد الجديد هي كمال الوصية، ولذلك تطلق الكنيسة على السيد المسيح (مشرع شريعة الكمال وواضع ناموس الأفضال).
* إن وصية عدم الزنى الفعلي؛ تطوّرت إلى عدم الزنا لا بالفعل ولا بالفكر.
* ووصية عدم القتل؛ تطوّرت إلى وصية عدم الغضب وعدم الكراهية في القلب.
* ووصية عدم الحنث بالقسم؛ تطوّرت إلى وصية عدم القسم على الإطلاق.
* ووصية محبة القريب وبغض العدو؛ تطوّرت إلى وصية محبة الأعداء، والإحسان إليهم، والصلاة من أجل خلاصهم من الهلاك الأبدي وعبودية الشيطان. واتسع مفهوم القريب إلى كل إنسان في البشرية، وانحصر مفهوم بغضة العدو في بغضة الشيطان والشر بصفة عامة.
* ووصية من طلق امرأته (لأي سبب) فليعطها كتاب طلاق؛ تطوّرت إلى عدم السماح بالطلاق بين زوجين مسيحيين إلا لعلة الزنا.. ولا زواج للمطلقين لخطئهم.
لقد عاشت البشرية في ظل شريعة الناموس وهى شريعة الجسد أو شريعة العبودية زمنًا طويلًا حتى جاء السيد المسيح وأعطى شريعة البنوة التي هي شريعة الكمال. وإلا فما فائدة تجسد ابن الله الوحيد ومجيئه إلى العالم وصلبه وموته وقيامته وإرساله الروح القدس لتولد الكنيسة في يوم الخمسين؟!
البعض ينتقدون شريعة العهد القديم. ولكن هذا النقد غير لائق. لأن الإنسان لم يكن يحتمل أن يحيا حسب شريعة الكمال بدون الفداء، والميلاد الفوقاني، ومعونة الروح القدس وعمله في أسرار الكنيسة السبعة.
الوصية مقدسة؛ ولكن الإنسان لم يكن بإمكانه أن ينفذ أكثر مما ورد في شريعة موسى قبل إتمام الفداء.
ربما توجد لمحات أو تجليات في ظروف خاصة أشارت إلى حياة العهد الجديد مثل امتناع داود الملك الممسوح عن قتل شاول الملك المرفوض، الذي كان يطارده بغية قتله؛ لأنه قال: "حاشا لي من قِبل الرب أن أمد يدي إلى مسيح الرب" (1صم26: 11). ولكن داود النبي في موقف آخر قتل قائدًا مخلِصًا من قواده في الجيش هو "أوريا الحثي" في محاولة منه لإخفاء خطيته مع بتشبع زوجة أوريا (انظر 2صم 11).
لم يكن من الممكن أن يُطالب الله البشر من أبنائه بحياة الكمال وبوصايا الكمال إلا في عهد النعمة والمصالحة والخلاص والتجديد.
كيف يطالب الله الإنسان بمحبة الأعداء، قبل أن يمنحه قلبًا جديدًا نقيًا مؤيدًا بقوة الروح القدس الذي يمنح الإنسان المتمتع بالخليقة الجديدة ثمرة المحبة. لأن "ثمر الروح فهو محبة فرح سلام طول أناة لطف صلاح إيمان" (غل5: 22).
إن ثمرة المحبة التي يمنحها الروح القدس للإنسان هي ثمرة فائقة للطبيعة بقدرات فائقة لا يقوى عليها البشر العاديون. ولكن ينالها المؤمنون الذين يقبلون الروح القدس بعد التجديد بحميم الميلاد الجديد.
تجديد الروح القدس
تكلّم معلمنا بولس الرسول عن حالة الإنسان في العهد الجديد الذي يؤمن إيمانًا حقيقيًا بالمسيح وينال العماد المقدس بواسطة الكنيسة وينقاد بالروح القدس، متحررًا من الإنسان العتيق الذي ولد به بحسب الجسد من أبويه؛ فقال في رسالته إلى تلميذه الأسقف تيطس: "ولكن حين ظهر لطف مخلصنا الله وإحسانه لا بأعمال في بر عملناها نحن بل بمقتضى رحمته خلصنا بغُسْل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس الذي سكبه بغنى علينا بيسوع المسيح مخلصنا" (تى3: 4-6).
هذا هو السر في وصايا العهد الجديد: إن الإنسان بنيله البنوة لله والتجديد بالميلاد الفوقاني، وبثباته في المسيح بوسائط النعمة، يستطيع أن يسلك في شريعة الكمال المسيحي. ويتحقق فيه قول السيد المسيح: "كونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذي في السماوات هو كامل" (مت5: 48)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وكذلك قول معلمنا بطرس الرسول: "نظير القدوس الذي دعاكم كونوا أنتم أيضًا قديسين في كل سيرة" (1بط1: 15).
إن الرب لم يتغيّر بين العهد القديم والعهد الجديد. ولكن الإنسان هو الذي تغيّر وهكذا كان يلزم أن تأتى الوصية في كمالها بعد حدوث التغيير لأن "المولود من الجسد جسد هو والمولود من الروح هو روح" (يو3: 6).
في العهد القديم كان الناموس والكهنوت اللاوي والذبائح الحيوانية، وفي العهد الجديد جاءت وصايا الكمال والكهنوت المسيحي والذبيحة الكاملة لابن الله الوحيد "فإن الناموس يقيم أناسًا بهم ضعف رؤساء كهنة. وأما كلمة القسم التي بعد الناموس فتقيم ابناً مكملًا إلى الأبد" (عب7: 28).
إله العهدين
البعض يتصورون أن إله العهد القديم يختلف عن إله العهد الجديد. ولكن الله لم يتغيّر، وهذا هو السبب في الوصول بالإنسان إلى وصايا الكمال التي للعهد الجديد.
الفرق بين شريعة العهد القديم وشريعة العهد الجديد يجعلنا نشعر بقيمة الفداء والتجديد الذي أجراه السيد المسيح بموته المحيى، وبإرساله للروح القدس حسب وعد الآب لخلاص المؤمنين.
لم يكن من الممكن أن يطالب الله الإنسان بأكثر مما طلبه منه في شريعة العهد القديم مثل وصية "تحب قريبك وتبغض عدوك" (مت5: 43). لأن محبة القريب في حد ذاتها لم تكن سهلة على الإنسان الذي عاش في العداوة مع الله ومع نفسه ومع أخيه الإنسان.
هذه العداوة القديمة التي سببتها الخطية قد هدمها السيد المسيح بصليبه المحيى مثل قول الكتاب "ويصالح الاثنين في جسد واحد مع الله بالصليب قاتلًا العداوة به" (أف2: 16).
لم يكن الإنسان أيضًا في العهد القديم يملك سيف الروح الذي قال عنه السيد المسيح "أُعطيكم فمًا وحكمة لا يقدر جميع معانديكم أن يقاوموها أو يناقضوها" (لو21: 15) وقال أيضًا: "لستم أنتم المتكلمين بل روح أبيكم الذي يتكلم فيكم" (مت10: 20). ولذلك كان أسلوب الإنسان المتعبد لله في مقاومته لحروب الوثنيين يختلف في العهد القديم عنه في العهد الجديد.
الله لم يتغيّر، ولكن حال الإنسان هو الذي تغيّر بمصالحته مع الله وبتجديده "بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس" (تى3: 5).
الناموس والأنبياء
قال السيد المسيح لتلاميذه بعد الصلب والقيامة: "لابد أن يتم جميع ما هو مكتوب عنى في ناموس موسى والأنبياء والمزامير" (لو24: 44)
وبهذا أوضح الرب أهمية أسفار العهد القديم، وأنها موحى بها من الله، وأنها كلام إلهي، كل ما فيه صدق ولابد أن يتحقق.
وعندما ظهر لتلاميذه بعد القيامة "حينئذ فتح ذهنهم ليفهموا الكتب" (لو24: 45).
إن كتب العهد القديم في شهادتها للسيد المسيح وكل ما يخص رسالته الخلاصية هي من أعظم الأدلة على صدق الديانة المسيحية.. لأن الله قد سبق فأنبأ بفم أنبيائه القديسين عن "الخلاص الذي فتش وبحث عنه أنبياء الذين تنبأوا عن النعمة التي لأجلكم باحثين أي وقت أو ما الوقت الذي كان يدل عليه روح المسيح الذي فيهم إذ سبق فشهد بالآلام التي للمسيح والأمجاد التي بعدها. الذين أُعلن لهم أنهم ليس لأنفسهم بل لنا كانوا يخدمون بهذه الأمور التي أُخبرتم بها أنتم الآن بواسطة الذين بشّروكم في الروح القدس المرسل من السماء" (1بط1: 10-12).
لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة
بعد أن أوضح السيد المسيح أنه لم يأت لينقض الناموس أو الأنبياء، وأنه ما جاء لينقض بل ليكمل. أكد هذه الحقيقة بقوله:
"فإني الحق أقول لكم إلى أن تزول السماء والأرض، لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل" (مت5: 18).
ورد في إنجيل القديس يوحنا قوله أن "الناموس بموسى أعطى وأما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا" (يو1: 17).
استلم موسى النبي الوصايا العشر المكتوبة بأصبع الله على لوحين من حجارة.
وأعطاه الرب تعاليم أخرى كثيرة تظهر قداسة الله ومقاصده وتدابيره من نحو البشر. وكانت الوصايا والتعاليم المعبّرة عن المقاصد الإلهية هي بإلهام من الروح القدس. وهذا الإلهام هو أمر فائق للطبيعة يتجاوز قدرات الإنسان الطبيعية، ويتجاوز اعتبارات الزمان والمكان "لم تأتِ نبوة قط بمشيئة إنسان بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس" (2بط1: 21). وكانت الكلمات الموحى بها من الله تحمل في طياتها مسائل غاية في الدقة والإتقان. وبالرغم من أن كتبة الأسفار المقدسة قد استخدموا اللغة التي يفهمونها، والمعرفة التي تلقونها.. إلا أن الروح القدس قد أوحى بما سجلوه من كلمات في اللغات الأصلية للكتب المقدسة لكي تعبر تعبيرًا دقيقًا عن مقاصد الله.
لذلك فكل كلمة، وكل حرف، وكل نقطة لها مغزاها ومعناها الكبير. خاصة عند كتابة أسفار بلغة يتغير فيها المعنى بتغيير النقاط التي فوق أو تحت الحروف. وهذا معروف في اللغة العبرية، كما هو معروف في اللغة العربية.
ومن أمثلة أهمية دقة التعبير في الكتاب المقدس، ما أشار إليه القديس بولس الرسول في قوله: "وأما المواعيد فقيلت في إبراهيم وفي نسله. لا يقول وفي الأنسال كأنه عن كثيرين بل كأنه عن واحد. وفي نسلك الذي هو المسيح" (غل3: 16). هنا يشير معلمنا بولس الرسول إلى وعد الله لإبراهيم المدون في سفر التكوين "ويتبارك في نسلك جميع أمم الأرض" (تك22: 18). ومن الواضح أن الكلمة كما وردت في النص الأصلي بصيغة المفرد "نسلك" وليس في صيغة الجمع "الأنسال". ويؤكد القديس بولس أن المقصود هو شخص السيد المسيح على وجه التحديد وليس كل نسل إبراهيم.
كذلك في نبوة إشعياء النبي "ها العذراء تحبل وتلد ابنًا وتدعو اسمه عمانوئيل" (إش7: 14). وردت الكلمة في النص العبري لتعنى "عذراء"وليس مجرد "فتاة"أو "شابة". والكلمة مقصودة لتشير إلى الحبل البتولي بدون زرع بشر للسيدة العذراء في السيد المسيح كقول الملاك ليوسف خطيبها: "أن الذي حُبل به فيها هو من الروح القدس" (مت1: 20). وبالرغم من غرابة التعبير في وقت كتابته في زمن إشعياء النبي إلا أن الروح القدس قد قصد ذلك بصورة مؤكّدة.
لقد تحققت جميع أقوال الله في الكتب المقدسة، وكان الناموس ضروريًا للتمهيد لمجيء السيد المسيح كقول القديس بولس: "إذًا قد كان الناموس مؤدبنا إلى المسيح لكي نتبرر بالإيمان" (غل3: 24).
فعلًا لم تتحطم الأقوال التي أعلن بها الله مقاصده في الناموس ولذلك قال السيد المسيح: "إلى أن تزول السماء والأرض، لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل" (مت5: 18).
أي سوف تتحقق كل أقوال الناموس ولن تزول حتى تتحقق، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. فعبارة "حتى يكون الكل" تُعنى حتى يتحقق كل ما قيل في الناموس، وكل ما أشار إليه الناموس من رموز تشير إلى مجيء السيد المسيح وعمله في خلاص البشرية حتى نهاية الدهر.
لم يكن عبثًا على الإطلاق ما دوّنه موسى في أسفاره الخمسة وسوف تظل أقوال الله مصدرًا للإلهام على مدى الأجيال.
وها نحن نقف في انبهار أمام كلمات داود النبي والملك "اكشف عن عيني فأرى عجائب من شريعتك.. طريق وصاياك فهمني فأناجى بعجائبك.. دربني في سبيل وصاياك لأني به سررت.. أتلذذ بوصاياك التي أحببت. وأرفع يدي إلى وصاياك التي وددت وأناجى بفرائضك.. شريعة فمك خير لي من ألوف ذهب وفضة.. لكل كمال رأيت حدًا. أما وصيتك فواسعة جدًا" (مز118).
| |
|
| |
metoo عضو مميز
المساهمات : 244 نقاط : 265 السٌّمعَة : 9 تاريخ التسجيل : 13/06/2014
| موضوع: رد: الباب الخامس تعاليم السيد المسيح في الموعظة على الجبل الإثنين يونيو 16, 2014 11:39 pm | |
| هذه الموعظة تستحق أن تُدرّس في المدارس عوض (التخابيص) يالي بدروسنا إياها. هي إن صح التعبير قد نعتبرها (دستور المسيحية)
شكراً يا أستاذ ... | |
|
| |
النهيسى عضو مميز
المساهمات : 412 نقاط : 620 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 08/06/2014
| موضوع: رد: الباب الخامس تعاليم السيد المسيح في الموعظة على الجبل الثلاثاء يونيو 17, 2014 2:01 am | |
| وصايا الكمال لشريعة العهد الجديد
بعد أن تكلّم السيد المسيح عن أهمية الناموس والأنبياء في التمهيد للعهد الجديد، بحيث يكمل كل شيء ورد في العهد القديم بالعهد الجديد. وعن أهمية حفظ جميع الوصايا بالفعل والقول. وتخطى بر الكتبة والفريسيين بقبول بر الله في المسيح يسوع.. بدأ -له المجد- ينطق بوصايا الكمال التي لشريعة العهد الجديد.
جاءت الموعظة على الجبل مثل خطاب العرش، من صاحب كرسي التعليم الأعظم المذخّر فيه كل كنوز الحكمة والمعرفة والعلم.
وجاءت الموعظة على الجبل لتشهد لروعة وسمو صاحب الرسالة وواضع شريعة الكمال. ولا يفوتنا أن نلاحظ قوله المتكرر "وأما أنا فأقول لكم". لأنه هو صاحب الشريعة ومعطيها. | |
|
| |
النهيسى عضو مميز
المساهمات : 412 نقاط : 620 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 08/06/2014
| موضوع: رد: الباب الخامس تعاليم السيد المسيح في الموعظة على الجبل الثلاثاء يونيو 17, 2014 2:03 am | |
| لا تقتل
قال السيد المسيح: "قد سمعتم أنه قيل للقدماء لا تقتل. ومن قتل يكون مستوجب الحكم. وأما أنا فأقول لكم إن كل من يغضب على أخيه باطلًا يكون مستوجب الحكم. ومن قال لأخيه رقا يكون مستوجب المجمع. ومن قال يا أحمق يكون مستوجب نار جهنم" (مت5: 21، 22).
لم يعد القتل في شريعة الكمال هو القتل المادي المحسوس فقط، بل امتد إلى القتل الأدبي والمعنوي. وكذلك القتل الجزئي. وقد شرح قداسة البابا شنودة الثالث -أطال الرب حياة قداسته- ذلك بالتفصيل حينما تكلم عن وصية لا تقتل في تفسيره للوصايا العشر. وجاء شرح قداسة البابا بصورة عميقة جدًا في مفهوم الوصايا وأبعادها كقول المرنم: "لكل تمام رأيت منتهى أما وصاياك فواسعة جدًا" (مز118: 96).
يقول الكتاب في العهد الجديد "كل من يبغض أخاه فهو قاتل نفس" (1يو3: 15).
البغضة والكراهية لا تتفق مع نقاوة القلب "والقداسة التي بدونها لن يرى أحد الرب" (عب12: 14).
والبغضة تقود إلى الغضب، أما المحبة فتقود إلى الوئام. لذلك قال السيد المسيح: "من يغضب على أخيه باطلًا يكون مستوجب الحكم".
هناك غضب مقدس لازم وضروري في مواجهة الشرور داخل الكنيسة. له وقته ولا ينبغي أن يستخدم لغير ضرورة حقيقية وبالدرجة التي تتناسب مع ذنب المخطئ. لكي يشعر بخطئه إن لم ينفع معه النصح الهادئ.
وهذا النوع من الغضب قد يكون بالتوبيخ الممتزج بالمحبة، أو بالتأديب المباشر أو غير المباشر. وله أساليبه التي تتوشح بالحكمة والوداعة والتصرف الحسن.
ليس عن الغضب المقدس تكلّم السيد المسيح، بل عن الغضب الباطل أي الذي ليس من صاحب سلطان، أو ليس له ما يبرره، وليس بهدف وأسلوب صالح مقدس.
الغضب الباطل بأساليبه المتنوعة، هو نوع من القتل الجزئي أو الأدبي أو المعنوي.
ويزداد الأمر سوءًا إن اقترن هذا الغضب بالتجريح أو الشتيمة، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. لأن القتل الأدبي والمعنوي في هذه الحالة يكون أشد تأثيرًا في نفسية المغضوب عليه.
قد يستغل الإنسان سلطته أو قدرته أو سطوته، ويهاجم الآخرين موجهًا إليهم الإهانات. وهو بهذا يكون مستوجبًا للحكم أو المجمع أو قد يصل الأمر إلى نار جهنم التي يكون مستحقًا لها إذا قال لأخيه "يا أحمق".
لم يسمح السيد المسيح بأن يهان الإنسان المخلوق على صورة الله ومثاله. وارتفع بقيمة الإنسان جدًا. وأوضح أن كل ما هو ضد المحبة فهو ضد الله لأن "الله محبة"، ولذلك فإن مجرد كلمة "رقا"التي تدل على عدم الاحترام ولم ترقَ إلى مستوى الشتيمة فقد نهى عنها السيد المسيح وقال: "من قال لأخيه رقا يكون مستوجب المجمع" (مت5: 22).
العلاج من الجذور
جاء السيد المسيح ليعالج الخطية من جذورها. من الداخل. فالقتل هو النتيجة النهائية للغضب والسخط والمشاحنات والكراهية.
لذلك لا يكفى أن يمتنع الإنسان عن القتل المنظور، ولكن ينبغي أن يسلك في المحبة، ويبتعد عن القتل غير المنظور.
لا يكفى حتى أن يبتعد عن العنف الخارجي، بل ينبغي أن يبتعد عن العنف الداخلى مثل الغيظ المكتوم والحقد والرغبة في الانتقام أو التشفي.
إن الوصية الأولى والعظمى عند الله هي محبة الله من كل القلب، والوصية الثانية مثلها محبة القريب كالنفس. وقال السيد المسيح بهذا يكمل الناموس والأنبياء.
كانت وصايا اللوح الأول من لوحيّ الوصايا العشر هي وصايا محبة الله.
وكانت وصايا اللوح الثاني هي وصايا محبة القريب.
المجموعة الأولى عددها أربعة لأنها تشير إلى عرش الله يحمله الأربعة أحياء غير المتجسدين. وتشير إلى الصليب بأذرعه الأربعة باعتباره العرش.
والمجموعة الثانية عددها ستة لأنها تشير إلى كمال العمل، وإلى أن السيد المسيح قد صلب في اليوم السادس وفي الساعة السادسة ليظهر لنا كيف تكون المحبة.
وحينما نسلك في محبة الله الذي افتدانا، ونتشبه به ونحب القريب، بهذا تكمل المحبة.
فبإجماع الوصايا الأربع مع الوصايا الست يكمل العدد عشرة، أي نصل إلى الكمال العددي الذي يشير إلى كمال الوصية. | |
|
| |
النهيسى عضو مميز
المساهمات : 412 نقاط : 620 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 08/06/2014
| |
| |
النهيسى عضو مميز
المساهمات : 412 نقاط : 620 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 08/06/2014
| موضوع: رد: الباب الخامس تعاليم السيد المسيح في الموعظة على الجبل الثلاثاء يونيو 17, 2014 2:12 am | |
| قيل للقدماء لا تزن، وأما أنا أقول لكم..
أوضح السيد المسيح أنه جاء ليصل بالوصية إلى كمالها فقال: "قد سمعتم أنه قيل للقدماء لا تزن، وأما أنا أقول لكم إن كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه" (مت5: 27، 28).
التحرر من الخطية
عالج السيد المسيح الخطية من جذورها. لأن خطية الزنا لا تبدأ بممارسة فعل الزنا، بل تبدأ بنظرة الاشتهاء أو بقبول أي حاسة من حواس الإنسان لما يثير الشهوة مثل حاسة اللمس أو الشم أو السمع.. وهكذا.
لذلك قال القديس يعقوب الرسول: "كل واحد يجرب إذا انجذب وانخدع من شهوته. ثم الشهوة إذا حبلت تلد خطية، والخطية إذا كملت تنتج موتًا" (يع1: 14، 15).
فالمرحلة الأولى هي انجذاب الإنسان نحو الشهوة، والمرحلة الثانية هي استقرار الشهوة ونموها في فكر وقلب الإنسان، والمرحلة الثالثة هي ممارسة الخطية بالفعل بكل ما يمكن أن ينتج عنها من نتائج مدمرة قد يصعب إصلاحها.
اعتبر السيد المسيح أن قبول الشهوة الجنسية في داخل القلب هو نوع من أنواع الزنا وكسر للوصية..
فالإنسان لكي يصل إلى حياة القداسة، لا يكفيه أن يمتنع عن فعل الخطية، بل ينبغي أن يكره الخطية من عمق قلبه لسبب محبته القوية لله، وشدة التصاقه به.
وقال السيد المسيح: "سراج الجسد هو العين. فإن كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيرًا. وإن كانت عينك شريرة فجسدك كله يكون مظلمًا" (مت6: 22، 23)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. الحواس هي الأبواب التي تدخل منها الشهوات إلى القلب. لذلك حذّر السيد المسيح من عدم الاحتراس في حفظ الحواس طاهرة ونقية. كما أن القلب من الداخل ينبغي أن يقاوم كل تأثير قادم من خارج الحواس، مما قد يؤثر في كيان الإنسان إن تجاوب مع هذا التأثير.
خطورة خطية الزنا
حذّر الكتاب المقدس من خطية الزنا في مواضع كثيرة موضحًا أنها تدخل إلى الكيان الجسدي للإنسان وتدمّره.
فقال معلمنا بولس الرسول: "اهربوا من الزنا. كل خطية يفعلها الإنسان هي خارجة عن الجسد، لكن الذي يزنى يخطئ إلى جسده. أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم الذي لكم من الله وأنكم لستم لأنفسكم" (1كو6: 18، 19).
والقديس بولس بهذا يضع كل الخطايا في جانب، وخطية الزنا في جانب آخر باعتبار أن الخطايا الأخرى التي يفعلها الإنسان هي خارجة عن الجسد. أما الذي يزنى يخطئ إلى جسده، ويهين الأعضاء التي تقدست بدم المسيح وصارت ملكًا له. ولهذا قال: "ألستم تعلمون أن أجسادكم هي أعضاء المسيح. أفآخذ أعضاء المسيح وأجعلها أعضاء زانية. حاشا. أم لستم تعلمون أن من التصق بزانية هو جسد واحد. لأنه يقول يكون الاثنان جسدًا واحدًا. وأما من التصق بالرب فهو روح واحد" (1كو6: 15-17).
ولعل كلام معلمنا بولس الرسول يوضح الفرق بين الزنا في الفكر والزنا بالفعل. فلا ينبغي أن يقول شاب أنني طالما نظرت بشهوة نحو امرأة فيمكنني أن أفعل الشر معها لأن الخطية واحدة في كلتا الحالتين..!! ولكن ليس الأمر هكذا.
الشهوة في القلب نحو امرأة هي خطية زنا كما قال السيد المسيح. أما الذي يمارس الفعل فيقع في متاعب كثيرة وقد يصعب عليه الخروج منها. فخطية الفعل لها نتائجها الخطيرة داخل كيان الإنسان. وتحتاج إلى جهادات كثيرة للتخلص من آثارها. كذلك قد تنتج عنها أمور أخرى تؤثر على سمعة الإنسان وأوضاعه الاجتماعية. مثل الطلاق بالنسبة للمتزوجين واحتمالات الإنجاب لغير المتزوجين.. وهكذا. هذا إلى جوار ما يمكن أن يصيب جسد الإنسان من أمراض فتاكة أو قاتلة.. فيا لها من خطية مدمِّرة لحياة الإنسان.
ومقاومة هذه الخطية يحتاج إلى سهر واتضاع وانسحاق قلب. فالكتاب يقول عن هذه الخطية المريعة أنها "طرحت كثيرين جرحى وكل قتلاها أقوياء. طرق الهاوية بيتها، هابطة إلى خدور الموت" (أم7: 26، 27).
لهذا يحذّر قداسة البابا شنودة الثالث كل إنسان لكي يتضع في قلبه ويحترس من هذه الخطية بأن يردد في قلبه هذه العبارة قائلًا لنفسه [أنا لست أقوى من شمشون، ولا أطهر من داود، ولا أحكم من سليمان] فكل هؤلاء أسقطتهم خطية الزنا أو أغوتهم الشهوة نحو النساء بالرغم من قوة شمشون وطهارة داود وحكمة سليمان.
وقد ورد في سفر الأمثال تحذيرات قوية من خطية الزنا نورد منها ما يلي:
"يا ابني أصغ إلى حكمتي. أمل أذنك إلى فهمي. لحفظ التدابير ولتحفظ شفتاك معرفة. لأن شفتي المرأة الأجنبية تقطران عسلًا وحنكها أنعم من الزيت. لكن عاقبتها مُرة كالأسفنتين. حادة كسيف ذي حدين. قدماها تنحدران إلى الموت، خطواتها تتمسك بالهاوية. لئلا تتأمل طريق الحياة. تمايلت خطواتها ولا تشعر" (أم5: 1-6).
"رأيت بين الجهال لاحظت بين البنين غلامًا عديم الفهم. عابرًا في الشارع عند زاويتها وصاعدًا في طريق بيتها.. وإذا بامرأة استقبلته في زى زانية وخبيثة القلب.. فأمسكته وقبلته. أوقحت وجهها وقالت له.. بالديباج فرشت سريري.. عطرت فراشي بمر وعود وقرفة. هلم نرتو وداً إلى الصباح، نتلذذ بالحب.. أغوته بكثرة فنونها بملث شفتيها طوحته. ذهب وراءها لوقته كثور يذهب إلى الذبح أو كالغبي إلى قيد القصاص. حتى يشق سهم كبده. كطير يسرع إلى الفخ ولا يدرى أنه لنفسه" (أم7: 7-23).
الهروب من الخطية
كما هرب يوسف الصديق من امرأة سيده فوطيفار. هكذا قال معلمنا بولس الرسول: "اهربوا من الزنا" (1كو6: 18). وقال لتلميذه تيموثاوس: "أما الشهوات الشبابية فاهرب منها" (2تى2: 22).
هذه الخطية أفضل وسيلة لمحاربتها هو الهروب منها بدءًا من إغلاق جفون العين بسرعة عن أي منظر يقود إلى الشهوة. مع صلاة القلب السرية (يا ربى يسوع المسيح خلّصني) التي يرددها الإنسان فيجد النجاة..
| |
|
| |
Coptic girl Admin
المساهمات : 3464 نقاط : 8143 السٌّمعَة : 3 تاريخ التسجيل : 06/08/2012
| موضوع: رد: الباب الخامس تعاليم السيد المسيح في الموعظة على الجبل الثلاثاء يونيو 17, 2014 8:37 am | |
| | |
|
| |
| الباب الخامس تعاليم السيد المسيح في الموعظة على الجبل | |
|