صلوا بعضكم لأجل بعض
في خلال اليومين الماضيين فقط، أثناء كتابة هذه المقالة، اتصل بي تليفونيًا أحد الإخوة من السودان، يطلب الصلاة من أجل زوجته لأنها في المستشفى وتحتاج إلى عملية جراحية، واتصل بي أب وهو يبكي بحرقة ويطلب الصلاة بلجاجة من أجل ابنه الذي يجتاز في محنة شديدة، واتصلت بي إحدى الأخوات تطلب الصلاة حتى يعطيها الرب قوة ومعونة لأنها تشتاق لحضور الاجتماعات ولكن المرض يعيقها، وعندما كنت في زيارة لأخت رقد زوجها في الرب أجدها تقول: صلوا لأجلنا لكي يعطينا الرب تعزية ومعونة لاحتمال التجربة.
ولقد شعرتُ بأهمية شديدةَ بأن نصلي بعضنا لأجل بعض. ولأننا أعضاء في الجسد الواحد، فإننا نشعر بالآم بعضنا البعض، لذلك يجب أن نساعد وندعم بعضنا البعض عن طريق الصلاة؛ كما قال بولس لمؤمني كورنثوس:
« وَأَنْتُمْ أَيْضًا مُسَاعِدُونَ بِالصَّلاَةِ لأَجْلِنَا،»
(2كورنثوس1: 11)،
وأيضًا نجد هذا التحريض الهام لنا في كلمة الله
«وَصَلُّوا بَعْضُكُمْ لأَجْلِ بَعْضٍ، »
(يعقوب5: 16).
والرب يسوع المسيح هو المثال الكامل لنا في كل شيء، وفي الصلاة أيضً. فلقد صلى من أجل أحباءه، وصلى أيضًا من أجل أعداءه. ففي
يوحنا 17
نجد صلاته من أجل التلاميذ لكي يحفظهم الآب في وحدة واحدة وأن يحفظهم أيضًا من الشرير، وفي
لوقا 23: 34
نجد صلاته من أجل أعدائه قائلاً للآب:
«يَاأَبَتَاهُ، اغْفِرْ لَهُمْ، لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ».
ليعطنا الرب أن نتعلم أن لا نضع احتياجاتنا الشخصية فقط أمام الله، لكن يجب أن نضع إخوتنا بظروفهم واحتياجاتهم وآلامهم. وعندما نصلي من أجل إخوتنا فإننا نكون في شركة معهم.
إن الصلاة من أجل بعضنا البعض خدمة عظيمة تتم في الخفاء ولها ثمرها الواضح والعظيم، وأي مؤمن يستطيع أن يقوم بهذه الخدمة: الشاب والشيخ، الشابة والعجوز. وكثير من الأتقياء الذين بسبب مرضهم لا يخرجون للخدمة الجهارية، يخدمون الرب في بيوتهم عن طريق الصلاة من أجل الآخرين، وهم يُعتبَرون ثروة عظيمة للكنيسة، وسوف يُعلَن ويُكشف أمام كرسي المسيح كم من البركة التي اختبرها القديسون علانية كانت ترجع إلى أولئك الذين كانوا يصلّون في الخفاء.
وفي كلمة الله توجد أمثلة كثيرة لأشخاص أتقياء صلوا من أجل الآخرين والرب استجاب لهم: -
لقد طلب إبراهيم من أجل لوط، ولقد استجاب الرب وأنقذه
(تكوين18، 19).
كما صلى أيضًا من أجل أبيمالك ملك جرار
(تكوين20: 17).
وصلى إسحاق إلى الرب لأجل امرأته رفقة لأنها كانت عاقرًا فاستجاب له الرب فحبلت
(تكوين25: 21).
وصلى موسى كثيرًا من أجل شعب الله. فمثلاً عندما كان يشوع يحارب عماليق في الوادي، كان موسى على رأس التلة وعصا الله في يده، فعندما كان يرفع موسى يده نجد الشعب يغلب وإذا خفض يده أن عماليق يغلب
(خروج17)؛
ومن هذا نتعلم درسًا هامًا وهو أنه عندما نصلي من أجل شعب الله ونستمر في هذا العمل فلا بد أن تكون هناك نصرة. ولقد صلى موسى من أجل الشعب مرات أخرى كثيرة
(عدد11: 2؛ 14: 19؛ 16: 20-22؛ 21: 7، تثنية9: 26).
كما صلّى من أجل هـارون
(تثنية9: 20)،
ومن أجل مريم
(عدد12: 13).
ولقد اعتبر صموئيل الصلاة من أجل شعب الله من أول واجباته نحوهم والواسطة العظمى لأجل خلاصهم من الأعداء وثباتهم في عبادة الرب قائلاً:
«وَأَمَّا أَنَا فَحَاشَا لِي أَنْ أُخْطِئَ إِلَى الرَّبِّ فَأَكُفَّ عَنِ الصَّلاَةِ مِنْ أَجْلِكُمْ، بَلْ أُعَلِّمُكُمُ الطَّرِيقَ الصَّالِحَ الْمُسْتَقِيمَ.»
(1صموئيل12: 23).
وصلى أليشع إلى الرب حتى يقيم ابن المرأة الشونمية واستجاب الرب وأقامه
(2ملوك4: 32-36).
وصلى أيضًا ليفتح الرب عيني غلامه
(2ملوك6: 17).
وصلى بطرس من أجل طابيثا فأقامها الرب من الموت
(أعمال9: 40).
وعندما قبض هيرودس على بطرس ووضعه في السجن ناويًا أن يقتله، نجد أن الكنيسة في أورشليم كانت تصير منها صلاة بلجاجة إلى الله من أجله وقد استجاب الرب وأخرجه من السجن وأنفذه من الموت
(أعمال12)
فكانت قوة الصلاة أعظم من قوة هيرودس.
وكان الرسول بولس رجل صلاة، وكانت الصلاة تشكِّل جزءًا كبيرًا في حياته. كان يصرف أوقاتًا طويلة في الصلاة وكانت هي سرّ قوَّته. لقد كان يصلي من أجل المؤمنين الذين يعرفهم والذين لا يعرفهم. وكان يصلي من أجل الاجتماعات التي زارها والتي لم يزرها، كان يصلي من أجل جميع القديسين ومن أجل جميع الناس
(1تيموثاوس2: 1).
وحرّض المؤمنين في الكنائس على الصلاة والمواظبة والسهر في هذا الأمر
(أفسس6: 18؛ كولوسي4: 2).
وكان أيضًا يطلب من المؤمنين أن يصلوا من أجله فكان يحتاج - وهو رسول عظيم - إلى صلوات المؤمنين
(أفسس6: 19؛ كولوسي4: 3؛ 1تسالونيكي5: 25؛ 2تسالونيكي3: 1 ، 2).
فالخادم يحتاج لصلوات المؤمنين كما يحتاجون هم إلى صلاته، والأبدية سترينا كم كانت لهذه الصلوات وتلك ثمار مباركة.
وكان أبفراس ليس فقط مصلّيًا بل مجاهدًا في الصلاة كل حين لأجل مؤمني كولوسي؛ وبالتأكيد كان لديه قائمة طويلة بأسماء الذين يصلي من أجلهم
(كولوسي4: 12).
ولا بد أن الرب سيكافئ كل من يجاهد في الصلاة من أجل إخوته.
ويذكر التاريخ امرأة فاضلة تقية هي مونيكا أُم أغسطينوس التي كانت تصلي، يوميًا، بدموع من أجل ابنها - أغسطينوس - الذي في البداية تمثَّل بأبيه الشرير، لكن بفضل صلوات ودموع أمه استجاب الله صلاتها وآمن بالرب يسوع، وصار خادمًا ناجحًا مشهورًا ومن أعظم المعلمين والوعاظ في ذلك الوقت، وكما قال لها أحد الأساقفة الذي وجدها تبكي فشجعها قائلاً:
يستحيل أن ابن هذه الدموع يهلك.
أخي.. أختي..
ليعطنا الرب أن نصلي بعضنا لأجل بعض؛ أفرادًا وجماعات، نصلي من أجل الذين نعرفهم والذين لا نعرفهم، نصلي من أجل الأحباء ومن يسيء إلين. وبقدر ما تتسع دائرة الصلاة بقدر ما يزيد تمتعنا بالرب الذي نسكب قلوبنا أمامه. لتكن صلواتنا من قلب صادق وبحرارة وبمحبة قلبية لمن نصلي من أجلهم، ولنجاهد في الصلاة حتى ولو تطلب هذا وقتًا وجهدًا، فإن الصلاة من أجل إخوتنا أمر يُسرّ قلب الله، وهو إعلان عن محبتنا بعضنا لبعض.
أشكرك أحبك كثيراً
الرب يسوع المسيح يحبكم
جميعاً فتعال...هو ينتظرك
* * * *
والمجد لربنا القدوس يسوع المسيح
دائماً .. وأبداً .. آمين
منقول وكتب بواسطة ( الكرمة الصغيرة )