يسوع فى قلبى
اهلا بيك فى منتديات يسوع فى قلبى
ولكن هذة الرسالة تفيد باأنك غير مسجل بالمنتدى
ان كنت تريد المشاركة فقوم بالذهاب الى التسجيل
وان أردت قراءة المواضيع فقط فاأذهب الى القسم الذى ترغبه
يسوع فى قلبى
اهلا بيك فى منتديات يسوع فى قلبى
ولكن هذة الرسالة تفيد باأنك غير مسجل بالمنتدى
ان كنت تريد المشاركة فقوم بالذهاب الى التسجيل
وان أردت قراءة المواضيع فقط فاأذهب الى القسم الذى ترغبه
يسوع فى قلبى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

يسوع فى قلبى

منتدى يسوع في قلبي يوجد فيه كل مايخص الدين المسيحي ... شبابيات مسيحية، والقسم الروحي، والكتاب المقدس، وأفلام، وسير القديسين.
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
النهيسى
عضو مميز



كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف  M3ane5
المساهمات : 412
نقاط : 620
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 08/06/2014

كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف  Empty
مُساهمةموضوع: كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف    كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف  Puce-pالأحد يونيو 15, 2014 3:48 am

كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف


البابا شنوده الثالث

 يعقوب أبو الآباء، اختاره الله وأحبه قبل أن يولد


 
نعم، أختاره الله قبل أن يولد. بل منحة أيضًا البركة والسيادة وهو بعد في بطن أمه.

وقال لأمه وهي حبلي "في بطنك أمتان، ومن أحشائك يفترق شعبان: شعب يقوي علي شعب، وكبير يستعبد لصغير" (تك 25: 23). والكبير هو عيسو والصغير هو يعقوب. ويكلمنا القديس بولس الرسول في رسالته إلي أهل رومية عن هذا الموضوع فيقول: "لأنه وهما لم يلدا بعد، ولا فعلًا خيرًا ولا شرًا، لكي يثبت قصد الله حسب الاختيار، ليس من الأعمال بل من الذي يدعو، قيل لها أن الكبير يستعبد للصغير. كما هو مكتوب: أحببت يعقوب، وأبغضت عيسو" (رو: 11- 13)

إن قصة يعقوب ترينا كيف أن الله أختار ضعفاء العالم، ليخزي بهم الأقوياء (1كو 1: 27).
 



كان ضعيفًا

نعم، كان يعقوب ضعيفًا ومسكينًا. وكان من أخيه عيسو القوي الجبار، ورجل الصيد والسهام والنبال.. ذلك الذي في لقائه فيما بعد "خاف يعقوب جدًا، وضاق به الأمر" (تك 32: 7). وصلي إلي الله قائلًا "نجني من يد أخي، من يد عيسو، لأني خائف منه أن يضربني الأم مع البنين" (تك 32: 11). يعقوب كان ضعيفًا باستمرار أما عيسو. ولم يقو عليه، إلا عندما كان عيسو متعبًا معيي، وقد قال "ها أنا ماض إلي الموت، فلماذا لي بكورية" (تك 25: 32). إن الله يقف باستمرار أمام الضعفاء المساكين. أما جبابرة البأس المعتزون بقوتهم،فيتركهم إلي قوتهم ولو إلي حين. حتى يدركوا أن قوتهم لا تنفعهم بشيء، فيصرخون في ضعف وفي التجاء إلي قوة الله..

لقد اختار الله يعقوب الضعيف. وكثيرًا ما نري أنه قد أختار ضعفاء آخرين.

فعندما جاء صموئيل النبي ليختار واحدًا من أولاد يسى ليمسحه بالدهن المقدس، وعبر أمامه كل أولاد يسى الكبار وأصحاب الوسامة، لم يخترهم الله. بل اختار الصغير الذي كان مع الغنم.. اختار داود الذي ظل يتغني بهذا الأمر قائلًا: صغيرًا كنت في بيت أبي، وحدثًا كنت بين بني أمي".. "أخوتي كبار وحسان وهم أعظم مني. ولكن الله لم يسر بهم".. كان الناس يختارون دائمًا الأقوياء. وعندما أرادوا أختيار ملك، فرحوا بشاول أطول إنسانًا في الشعب (1صم 10: 23). ولكن الله ليس كذلك.. لقد اختار يعقوب وأحبه. وأحب فيه ضعفه ومسكنته.

العجيب أن يعقوب كانت له أيضًا ضعفاته السلوكية وأخطاؤه. ولكن عمل روح الله حتى حوله إلي ذلك القديس الذي نتشفع به في صلواتنا.

كان من أخطائه الإعتماد علي الذراع البشري، وعلي الحيل العالمية في حل مشاكله.. إنه مثلًا يريد أن يأخذ البكورية من أخيه. فينتهز فرصة كان أخوه جائعًا وفي غاية التعب، يطلب منه طعامًا ليأكل، فيقول له يعقوب "بعني بكوريتك" و"احلف لي اليوم" (تك 25: 31، 33). وهكذا اشتري منه البكورية بما أعطاه من طعام. وهذا لا يدل طبعًا علي محبة خالصة، كما أن البكورية ليست متاعًا يباع ويشتري ! ولكنها طريقة بشرية وإنتهاز للفرص.

هناك طرق وحيل بشرية أخري لجأ إليها يعقوب:
 

* منها أنه خدع أباه اسحق، لكي يباركه. وألهمته ذلك الخداع أمه رفقه. نعم إنها قديسة، ولكنها في ذلك الموقف بالذات علمته الكذب والتحايل واستخدام الذكاء البشري بطريقة خاطئة. ولما خاف يعقوب من خطية الخداع هذه، لئلا تجلب له لعنة، قالت له "لعنتك علي يا ابني، اسمع لقولي.." (تك 27: 13). فسمع لها...

* وأيضًا عندما أراد يعقوب أن يعوض خسائر في الأجرة من خاله لابان، لجأ أيضًا إلي طرق وحيل بشرية (تك 30: 37-43).. حتى أن خاله سار وراءه وقال له "خدعتني". وكاد يصنع به شرًا، لولا تدخل الله لحمايته (تك 31: 27). وأمور أخري صنعها يعقوب. ولكن علي الرغم من كل ذلك، أراني أوقف متعجبًا أمام آية ذكرها الوحي إلهي وهي:

" وكان يعقوب إنسانًا كاملًا يسكن الخيام" (تك 25: 27).

أي كمال هذا تقصده يا رب؟ وما مقياسه؟ لعله بلا شك، الكمال النسبي، نسبة إلي ذلك العصر الذي عاش فيه يعقوب. علي الأقل من جهة الإيمان (عب 11: 21)، وإكرامه لوالديه علي قدر استطاعته، وعدم زواجه من بنات كنعان حسب وصية أبيه له (تك 28: 1). ولم يفعل مثل أخيه عيسو الذي اتخذ له زوجتين من بنات الحيثيين "فكانتا مرارة نفس لإسحاق ورفقة" (تك 26: 35). كذلك كان عفيفًا، ولم يكن مثل أخيه عيسو الذي قيل عنه انه كان مستبيحًا (عب 12: 16). ولم يكن قاسيًا مثله.. علي آيه الحالات، ظل الله يطهره من أخطائه التي عن ضعف، وليست عن فساد في الطبيعة، حتى صار أخيرًا أبيض كالثلج، وعمل فيه روح الله للنبوءة كما بارك افرام ومنسي (تك 48: 14- 19) وكذلك باقي أولاده (تك 49). فكما قال هكذا حدث لهم..

حسب سبق علم الله، أختار يعقوب دون عيسو..

كما قال الكتاب "الذين سبق فعرفهم، سبق فعينهم.. وهؤلاء دعاهم أيضًا.. وبررهم.. ومجدهم" (رو 8: 29، 30). قبل أن يولد يعقوب وعيسو، وقبل أن يفعلا خيرًا أو شرًا.. كانت حياتهم المستقبلة واضحة تمامًا أمام الله الذي يعرف كل شيء قبل أن يكون. كان هو وأخوه توأمين. وعجيب أنه قيل عنهما:



تزاحم الأخوين

"حبلت رفقة.. وتزاحم الولدان في بطنها" (تك 25: 22).

إن الناس يتزاحمون في موكب الحياة. وكل منهم يريد أن يكون السابق، وأن يكون الأول. وليس هذا بعجيب. ولكن العجيب أن يتزاحم جنينان توأمان!! ولقد كسب عيسو الجولة الأولي، وكان هو السابق، وخرج أولًا "خرج أحمر كفروة شعر، فدعوا أسمه عيسو" (تك 25: 285). وصار هو -حسب الميلاد- البكر والكبير.

ولكن إرادة الله في البركة كانت غير ذلك..

عيسو كان الكبير. وكانت إرادة الله هي "كبير يستعبد لصغير" (تك 25: 23)،  . كان عيسو الأول في ولادته. ولكن يحدث أحيانًا في مشيئة الله: "كثيرون أولون يكونون آخرين. والآخرون يكونون أولين" (مر 10: 31). وهذا ما حدث مع عيسو ويعقوب.

إن وضعك الله أخيرًا، ف تحزن ولا تبتأس.

لعله من حكمة الله أن تكون كذلك. بل يقول الرب "أن أراد أحد أن يكون أولًا، فليكن آخر الكل، وخادمًا للكل" (مر 9: 35) (مر 10: 44) (مت 20: 27). كان الله يستطيع أن يجعل يعقوب يخرج من بطن أمة أولًا. لكنه أراد أن يبقيه صغيرًا، لكي ينسحق قلبه ويطلب المعونة من الله. وبنفس المنطق شاء الله أن يكون يعقوب أضعف من عيسو من جهة قوة الجسد. ولم ينتفع عيسو بقوة جسده، وإن أخافت يعقوب!

كان عيسو رجل صيد، يستطيع أن يخضع حتى الوحوش.

"إنسان برية" (تك 25: 27). كان يعرف كيف يضرب بالسهام والنبال. كان شديدًا. وربما الصيد أدخل في طبعه شيئًا من القسوة، أو كثيرًا من القسوة. مما جعله يقول فيما بعد".. أقتل يعقوب أخي" (تك 27: 41). والله لا يحب القسوة ولا العنف. وكل الذين يستخدمون القسوة والعنف، يخرجون أنفسهم من دائرة الله. وكثير من الذين حاربهم الله محاربة شديدة، كانوا أشداء. والكتاب يقول "أن الله يقاوم المستكبرين، أما المتواضعون فيعطيهم نعمة" (يع 4: 6).

لقد تزاحم يعقوب في بطن أمه، ولكنه لم يستطع..

كان عيسو أقوي منه وهو جنين، فخرج أولًا.. والتزاحم لم يفد عيسو ولا يعقوب، لأن الله كان له ترتيب خاص قد أعلنه، ولا يبني علي التزاحم، إنما علي التدبير الإلهي والحكمة الإلهية التي لابد أن تنفذ أخيرًا.

والعجيب أن التزاحم استمر بين هذين الأخوين..!

ليس فقط في من يخرج أولًا من بطن أمه.. إنما أيضًا كان لهما تزاحم حول البكورية لمن تكون؟ وتزاحم آخر حول البركة. من الذي يسبق فيأخذها من أبيهما الشيخ اسحق؟.. بل صار فيما بعد تزاحم بين نسلهما. ولعل هذا ما قصده الرب لرفقة "في بطنك أمتان. ومن أحشائك يفترق شعبان: شعب يقوي علي شعب" (تك 25: 23). فأولاد يعقوب هم شعب إسرائيل. وأولاد عيسو أدوم، لأن عيسو "دعي أسمه أدوم" (تك 25: 30).. يمكن لمن يبحث التاريخ أن يتتبع الحروب بين بني إسرائيل وبني أدوم. ولعلنا هنا نشير فقط إلي قول المزمور "أذكر يا رب بني أدوم في يوم أورشليم، القائلين انقضوا انقضوا حتى الأساس منها" (مز 137: 7).

 واستمر التزاحم أيضًا بين الأختين زوجتي يعقوب:

تزاحم في إنجاب البنين: من منهما تنجب أكثر. حتى أنهما رادتا أن تحصلا علي بنين ينسب إليهما من كل من جاريتيهما. ووصل هذا التزاحم إلي لون من الصراع حتى قالت راحيل في ذلك مصارعات الله قد صارعت مع أختي" (تك 30: Cool.. بل كان بينهما صراع آخر حول محبة يعقوب لأي منهما. حتى قالت ليئة عندما ولدت روأبين "أنه الآن يحبني رجلي" (تك 29: 32). وقالت أيضًا عندما حبلت بابنها لاوي "هذه المرة يقترن بي رجلي، لأني ولدت له ثلاثة بنين" (تك 29: 34)..

يعقوب صار نسله شعبًا، وكذلك عيسو..

وهنا نتذكر مرة أخري قول الرب لرفقة "في بطنك أمتان، ومنك يفترق شعبان". حقًا، يمكن أن يصير الابن شعبًا كما صار أخوه. بل قد يصير الفرد الواحد شعوبًا كثيرة، وأبونا إبراهيم أبو الآباء هو مثال واضح لذلك. وبنفس الوضع نوح أبو البشرية كلها بعد الطوفان.. ويوضح لنا هذا الأمر واجب الأبوين في تربية أبنائهما. فكل ابن سيصير أسرة تتفرغ إلي أسرات.. وكذلك كل ابنه. كما قيل لرفقة أم يعقوب وهي ذاهبة لتتزوج أبينا اسحق: "صيري ألوف وربوات" (تك 24: 60).

غير أنه من جهة يعقوب وعيسو، اختلف الأب والأم من جهتهما.

أحب اسحق عيسو.. وأما رفقة فكانت تحب يعقوب (تك 25: 28). ماذا كان أثر ذلك في حياة كل منهما؟
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
النهيسى
عضو مميز



كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف  M3ane5
المساهمات : 412
نقاط : 620
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 08/06/2014

كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف  Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف    كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف  Puce-pالأحد يونيو 15, 2014 3:50 am

 يعقوب أبو الآباء في سعيه وراء البكورية والبركة

 

محتويات

    شهوة البكورية

    البركة

    حدود طاعة الأم

    خِداعه لأبيه

    نوعية البركة

شهوة البكورية

كانت البكورية أمرًا عظيمًا جدًا في زمن الآباء الأول، تستحق أن تكون شهوة للأبناء.

فالبكر كان هو الذي يصير كاهنًا للأسرة بعد أبيه، قبل تأسيس الكهنوت الهاروني. بل إن الرب قال لموسى النبي فيما بعد "قدس لي كل بكر، فاتح رحم.. إنه لي" (خر 13: 2). كما كان البكر في زمن آبائنا إبراهيم واسحق، هو الذي سيأتي منه المسيح حسب وعد الرب لأبينا إبراهيم "ويتبارك في نسلك جميع أمم الأرض" (تك 22: 18). ونفس هذه البركة أعطاها الرب لاسحق (تك 26: 4)

سعي يعقوب إلي البكورية كان سعيًا مقدسًا. ولكنه لم يستخدم فيه أسلوبًا روحيًا، بل أسلوبًا انتهازيًا.

استخدم يعقوب أسلوبا خاليًا تمامًا من المحبة الأخوية، وخاليًا من روح العطاء والبذل. وعجيبة هذه العلاقة بينه وبين عيسو. أنهما أخوان. وليسا فقط أخوين، بل هما شقيقان، بل هما توأمان. ولكن الموقف كانت تسوده بلا شك روح المصلحة الذاتية

واستغل الشيطان الموقف فاستخدم وسيلتين متناقضتين:

فكان أسلوبه مع عيسو، عكس أسلوبه مع يعقوب:

فبالنسبة إلي عيسو، قال له الشيطان: بماذا تنفعك البكورية أن كنت علي وشك الموت جوعًا وإعياء. وأطاع عيسو هذا الفكر فقال: أنا ماض إلي الموت، فلماذا لي بكورية؟!" (تك 25: 32). أما بالنسبة إلي يعقوب، فقال له شيطان: أحرص علي البكورية بكافة الطرق. خذها بأي ثمن، ولو بطريقة استغلالية.. وقد كان. لم يستطيع يعقوب أن يحصل علي البكورية عند الخروج من بطن أمه، إذا سبقه عيسو لم يستطيع يعقوب أن يحصل علي البكورية عند الخروج من بطن أمه، إذا سبقه عيسو فتعقب عيسو ليأخذ منه هذه البكورية بعد خروجهما من بطن أمهما بسنوات طويلة.

نلاحظ أن البكورية قد تغيرت نعمها بعد يعقوب:

لم يعد البكر هو الذي يأتي من نسله المسيح. فبكر يعقوب هو رأوبين الذي لم يأت السيد المسيح من نسله، إنما من نسل يهوذا ولم يكن هو البكر. كما أن الكهنوت الهاروني جاء من نسل لاوي هو البكر.. لم يعد هناك داع بعد يعقوب وعيسو للصراع علي البكورية. فحتى بالنسبة إلي يهوذا الذي جاء السيد المسيح من نسله: جاء السيد المسيح من نسل داود. ولم يكن داود هو البكر بين أبناء يسي، بل كان أصغرهم (1 صم 16: 11).

بقت إذن البركة التي تصارع عليها يعقوب وعيسو..



البركة

و البركة شيء مقدس. وينبغي أن يكون الحصول عليها بطريقة مقدسة، وليس بأسلوب الخداع والغش..!! ولكن لعل يعقوب يعتذر بأن هذا الغش قد دفعته إليه أمه، وطاعة الأم أمر واجب ولكننا نقول:




حدود طاعة الأم

ليس من الجائز أطاعة الأم بعصيان الله..

نعم، ليس من الجائز إطاعة الأم في الخطية.. فكل طاعة ينبغي أن تكون داخل طاعة الله.. فإن أمرته أمه بذلك اللون من الكذب والخداع، ما كان يجب عليه أن يطيع.

أما الذي جعله يطيع أمه، فهو شهوة قلبه داخله!

هو كان يشتهي أن يحصل علي بركة أبيه. فلما دفعته أمه في تلك الوسيلة من الغش والخداع، تلقف نصيحتها كمعين له علي تحقيق رغبته التي ظهرت من قبل في موضوع البكورية. فاستغلاله لجوع أخيه وشراء البكورية منه بأكلة عدس، لم يكن ذلك بسبب نصيحته من الأم، بل كان عملًا تلقائيًا لشهوته الداخلية. كذلك كيف يطيع أمه بخداع لأبيه؟!

هنا ونتعرض لمشكلة عائلية كانت قائمة: وهي اختلاف اتجاه كل من الأب والأم.

كان استحق قديسًا، وكانت رفقة قديسة. ولكن مشاعرهما تجاه الابنين كانت في طريقين عكسيين. كان اسحق يجب عيسو، ورفقة تحب يعقوب. فهل تسير البركة تبعًا لمشاعر الأب، أم مشاعر الأم. وما السبب؟ كان عيسو صيادًا، ومن صيده كان يأتي إلي فم أبيه بما يطعمه. وهنا يقول الكتاب "أحب أسحق عيسو، لأن في فمه صيدًا" (تك 25: 28). وهكذا نجد اسحق يقول لعيسو "الآن خذ عدتك، جعبتك وقوسك. وأخرج إلى البرية، وتصيدًا لي صيدًا. وأصنع لي أطعمة كما أحب، ائتني بها لآكل، حتى تباركك نفسي قبل أن أموت" (تك 27: 3، 4).
 

أما يعقوب، فكان ينطبق عليه المثل القائل إنه إبن أمه..

كانت أمه تحبه.. لم يكن صيادًا، وأنما كان "يسكن الخيام". يجلس إلي أمه، ويتعلم منها طريقة الطبخ الجيد. وهو الذي قد طبخ العدس الأحمر الذي اشتهاه عيسو، وبه باع له بكوريته (تك 25: 29-34). وكان يعقوب يحب أمه، ويسمع مشورتها، وهي التي تدبر له حياته. إن نصحته أن يخدع أباه، يخدعه. وأن قالت له أهرب إلي خالك لابان، وأقم عنده حتى يرتد سخط أخيك (تك 27: 43، 44). فإن يسمع نصيحتها ويطيعها. كما تقول له، هكذا يفعل.. ومن هنا بدأت حيلة، تدبرها رفقة، وينقذها يعقوب.

عيسو يخرج ليصيد صيدًا يأتي به إلي أبيه. ورفقة تدبر كيف تصيد البركة وتأتي بها إلي يعقوب.. وكل من رفقة واسحق، كانت له دوافعه الروحية:

بالنسبة إلي إسحق، كان من الطبيعي أن تعطي البركة لعيسو، لأنه أبنه الأكبر. وبالنسبة إلي رفقة، يجب أن تعطي البركة ليعقوب لأنه هكذا قال لها الرب "من أحشائك يفترق شعبان: شعب يقوي علي شعب، وكبير يستعد لصغير" (تك 25: 33).

إذن ينبغي أن تكون السيادة ليعقوب الصغير، حسب إرادة الله وتدبيره، وإعلانه من قبل ولادتهما، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. عيب رفقة الأساسي، أنها لم تنتظر الرب..

ظنت أن الرب قد تأخر، فلجأت إلي الطرق البشرية، لتحقق بها الإرادة الإلهية!! كان يجب أن تثق بالله وصدق مواعيده، وتنتظر الرب. ولكنها وجدت أن الساعة الحرجة قد حلت. وإسحق أرسل عيسو ليحضر الصيد ويباركه. لذلك يجب أن تتصرف بسرعة.. هل كان الحل أن تذكر إسحق بكلمات الرب، كي يؤجل مبارك بسرعة.. هل كان الحل أن تذكر إسحق بكلمات الرب، لكي يؤجل مباركته لعيسو ريثما يتضح الأمر بالأكثر؟.. إنها لم تفعل هكذا.. وبدأ ذكاؤها البشري يتصرف. فرأت أن ينتحل يعقوب شخصية عيسو، ويأخذ البركة من أبية بأسلوب الخداع.. وبخطية فيها كذب وغش!




خِداعه لأبيه

ويعقوب لم يكن رافضًا للخطية، إنما كان متخوفًا من نتائجها، ومن صعوبتها ومن انكشافها!

لم يقل "كيف أفعل هذا الشر العظيم وأخطئ؟!" كما قال أبنه يوسف بعد عشرات السنوات (تك 39: 9). إنما قال "عيسو أخي رجل أشعر، وأنا رجل أملس. ربما يجسني أبي فأكون في عينيه كمتهاون، وأجلب علي نفسي لعنه لا بركة" (تك 27: 11، 12). هنا لا يرفض الخطية. إنما يتخوف من صعوبة تنفيذها، ومن خطورة انكشافها. فلما شرحت له أمه الوسيلة التي لا تجعله التي لا تجعله ينكشف، وافق، ونفذ، وتقدم ليخدع أباه..

 ما أصعب أن تأتي حرب الخطية من الخارج، حين يكون القلب مشتاقًا إلي الخطية في الداخل!!

وكما سمعت رفقه حديث إسحق مع عيسو، وأخذت تتدبر الموقف، كذلك سمع الشيطان حديثها مع يعقوب، واقترب ليقدم لها الخطة المسكوبة.. "أخذت رفقة ثياب الأكبر التي كانت عندها في البيت، وألبستها ليعقوب. وألبست يديه وملاسة عنقه جلود جدي الماعز".. وكانت تعرف بالخبرة نوع الطعام الذي يحبه إسحق، فصنعته، وأعطته ليعقوب ليقدمه لأبيه..

وتقدم يعقوب إلي أبيه، وبدأ الموقف المخرج.

أسئلة سألها إسحق، تدل علي شك في قلبه: تعجب أولًا كيف أتي هكذا مسرعًا. وأجاب يعقوب أن الرب إلهك قد يسر لي!! وقال إسحق: تقدم لأجسك يا أبني. أأنت عيسو أم لا؟ وجسه وقال "الصوت صوت يعقوب، ولكن اليدين يدا عيسو" ولم يعرفه لأن اليدين كانتا مشعرتين. وعاد ليسأل: هل أنت هو أبني عيسو؟ فأجاب: أنا هو..

 لحظات حرجة جدًا. وخطايا كذب كثيرة وقع فيها يعقوب. ومع ذلك فإن الله ستر، ولم يكشفه..

 أعجب حنان الرب تلك اللحظات!! بينما كان يعقوب يغش ويخدع ويكذب وينتحل شخصية أخري. ولا يحترم أباه الضرير.. ومع ذلك نري ستر الرب عليه وهو في عمق الخطية، فلم ينكشف علي الرغم من كل شكوك أبيه التي تدل عليها أسئلته.. وعلي الرغم من كل حرص إسحق، في أنه يجسه ويشمه، ويبدي ملاحظته أن الصوت صوت يعقوب!! ربما ما كان يتصور ذلك البار أن ابنه يخدعه. وأخيرًا باركه..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
النهيسى
عضو مميز



كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف  M3ane5
المساهمات : 412
نقاط : 620
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 08/06/2014

كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف  Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف    كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف  Puce-pالأحد يونيو 15, 2014 3:53 am


 
نوعية البركة

"فليعطيك الله من ندي السماء ومن دسم الأرض. وكثيرة حنطة وخمر..".

إنه كلام جميل لنتأمله.. فليعطك من ندي السماء من فوق.. ومن دسم الأرض.. من الله ومن البشر.. من الروح ومن المادة أينما سرت تجد خيرًا.. تصوروا الإنسان الذي يسير في طريق الروح..

إن ندي السماء بالنسبة إليه هو عمل النعمة فيه..

ندي السماء هو صلوات الملائكة وتشفعاتهم.. ندي السماء هو مواهب الروح القدس التي يسكبها الله عليه من السماء. أنها زيارات النعمة.. عمل الله.. ومن دسم الأرض.. الأرض هي الطبيعة البشرية لأن الله خلق الإنسان من دسم الأرض.. من تراب.. يعطيك الله من دسم الأرض، أي أن عمل الروح الذي يعمل فيك يستجيب له إنسانك الداخلي أيضًا.. يعطيك محبة للتوبة وقبولًا للنعمة.. استسلامًا لعمل الروح القدس.. يعطيك رغبة في الخير وحبًا في الله.

الأرض لا تتمرد عليك.. والسماء تحنو عليك..

وبالنسبة لقايين وآدم الأمر كان عكسيًا، فبالنسبة لقايين الله.. عندما تعمل في الأرض لا تعود تعطيك قوتها.. الأرض تتمرد عليك.. وبالنسبة لآدم قال ملعونة الأرض بسببك، الأرض تنبت لك شوكًا وحسكًا. نحن نحتاج إلي بركة السماء والأرض.. نحتاج إلي.. نحتاج إلي عمل النعمة وإلي نقاوة طبيعتنا.. نحتاج إلي قوة من الروح القدس، وألي عدم مقاومة من المادة..

يعطيك الله من ندي السماء ومن دسم الأرض.. يعطيك الله من الخيرات الروحية والمادية أيضًا.. كل ما تمتد إليه يدك ينجح.

الودعاء والمساكين بالروح، لهم ملكوت السموات، ويرثون الأرض. مسكين الإنسان الذي لم يحصل علي الأرض ولا علي السماء.. تصوروا أنه عندما خرجت الكلمة من فمك إسحق كانت أمر للسماء وأمر للأرض.. وضع إسحق يده علي يعقوب وأمر صدر للسماء أن تنزل نداها عليه، وأمر صدر للأرض أن تعطي دسمها لهذا الإنسان.. وحقًا كما قال السيد المسيح "وأعطيكم مفاتيح السماء والأرض".. هنا إسحق أخذ مفاتيح السماء والأرض، يفتحها لتعطي نداها ودسمها وكلاهما في طاعته انه يمنح البركات كوكيل لله استؤمن علي خيرات يوزعها كما يشاء.. أنها بركة عجيبة تعطي. أما بالنسبة لعيسو فبلا دسم الأرض ندي السماء.. بالنسبة إليه عملية إغلاق، لقد أعطي الله إسحق المفاتيح يفتح بها ويغلق في السماء والأرض.. إنها بركة الأبوة بركة وكيل الله الذي استؤمن علي السماء والأرض.. ليعطك الله ندي السماء ودسم الأرض وكثرة حنطة وخمر..

أن الحنطة والخمر يرمزان إلي سر الإفخارستيا في العهد الجديد.

وهكذا فإن أعطاه خيرات العهد القديم وما فيها من رموز للعهد الجديد في الحنطة والخمر اللذين يشيران أيضًا إلي كهنوت العهد الجديد.. وأبونا إسحق عندما تحدث عن هذه البركة في حديثة مع عيسو، قال عن يعقوب "وعضدته بحنطة وخمر" (تك 27: 37). وقال أبونا إسحق في مباركته يعقوب أيضًا:

"ليستعبد لك شعوب، ولتسجد لك شعوب، ولتسجد لك قبائل". "كن سيدًا لأخوتك، وليسجد لك بنو أمك".

إن الإنسان الذي يسير في طريق الله يعطيه الله موهبة السيادة.. الله يعطي من سلطانه للناس.. عندما خلق آدم جعله سيدًا علي كل الكائنات الموجودة طيور السماء وحيوانات الأرض وسمك البحر.. جعله الأرض.. وعندما أخطأ الإنسان بدأت السيادة تتزعزع، وبدأت الكائنات تتمرد عليه.. الحية تلدغ عقبه، والأرض تنبت شوكًا وحسكًا.. لقد تمردت الأرض والنبات.. السيادة ضاعت.. المرأة قال لها إن الرجل يسود عليها. في يعقوب.. بدأت البركة تعود ثانية.. تستعبد لك شعوب، وتسجد لك قبائل.. كن سيدًا لأخوتك، وليسجد لك بنو أمك".

عجيب أن يسمح الله لإنسان أن يسجد له الناس.

يسجدون لوكيل الله علي الأرض، للشخص الذي يمثل الله، أو يكون مسيحًا له إنها موهبة السيادة أو كرامة يسبغها الله علي أولاده. وأيضًا يقول له:

"ليكن لاعنوك ملعونين، ومباركوك مباركين".

من يلعنك، ألعنه أنا. ومن يباركك أباركه. أنت سوف لا تدافع عن نفسك، أنا سأدافع عنك.. أنت سوف لا ترد الإساءة بالإساءة، لكنني أنا من السماء سأدافع عنك.. الذي يلعنك، ترتد اللعنة إلي نفسه.. والذي يباركك، يأخذ البركة لنفسه ويصير مباركًا. حماية من الله عجيبة لكل واحد من أولاده.. يقف بجواره، يدافع عنه ويعمل من أجله كل شيء حتى لو كان صامتًا.. يقاتل عنكم وأنتم تصمتون (خر 14: 14) أنها عبارات معزية سمعها يعقوب الضعيف المسكين الخائف من عيسو الجبار الصياد.. كان يعقوب راكعًا عند قدمي أبية، وكانت فاتحة أبوابها والنعم تنزل علي رأسه أمينة صادقة من فم أبيه ومن عند الله نفسه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
النهيسى
عضو مميز



كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف  M3ane5
المساهمات : 412
نقاط : 620
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 08/06/2014

كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف  Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف    كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف  Puce-pالأحد يونيو 15, 2014 3:55 am

 يعقوب أبو الآباء ومتاعب بعد البركة

 

محتويات

    البركة

    الخدعة

    انكشاف الخدعة

    أخطاء عيسو

    إلى بيت لابان

البركة

استطاع يعقوب أن يحصل علي بركة أبية. وكانت بركة الآباء كنزًا عظيمًا يسعى أليه الأبناء..

البركة في تاريخ البشرية صدرت من الله مباشرة، ومن الله وحده. كما بارك الله آدم وحواء (تك 1: 28). وكما بارك نوحًا وبنيه (تك 9: 1). وكما بارك أيضًا أبانا إبراهيم (تك 12). وهو أول إنسان قال له الله "وتكون بركة" (تك 12: 2).

وهكذا صار الآباء مصدرًا للبركة..

لم يكونوا بالنسبة إلي أبنائهم مجرد آباء جسديين، بل كانوا لهم آباء روحيين أيضًا في ذلك الزمان كان الكهنوت للأب رئيس العائلة. وهكذا كان أبونا نوح يقدم محرقات للرب (تك 8: 20). وأبونا إبراهيم كان كذلك: بني مذابح ودعا باسم الرب (تك 12: 7، Cool. وإسحق أيضًا بني مذبحًا ودعا باسم الرب (تك 26: 25).

كان هؤلاء الآباء كهنة يقدمون علي المذابح محرقات. وكانت في أيديهم البركة واللعنة.

من يباركونه يصبح مباركًا. ومن يلعنونه يصبح ملعونًا، كما فعل أبونا نوح (تك 9: 25- 27) لعن كنعان فصار كذلك. لم يكن إسحق إذن مجرد أب جسدي لعيسو ويعقوب. بل كان أيضًا أبًا روحيًا لهما، كاهنًا له سلطان، ويمكن أن يمنح البركة. كان وكيلًا لله علي الأرض. وكل منهما كان بكل قوته يسعي لنوال بركته..


الخدعة

يعقوب سعي إلي البركة بطريقة الغش والخداع.

لقد أطاع نصيحة أمه. وفي الواقع لقد أطاع شهوات قلبه التي كانت تتفق مع هذه النصيحة. والعجيب أن أمه لم تقدم له حيلتها كنصيحة، بل كأمر. وهكذا قالت له: "الأن يا ابني، اسمع لقولي في ما أنا أمرك به" (تك 27: Cool. ويعقوب لم يرفض. لم يقل لها في حزم "لا أقدر أن أخدع أبي، محتقرًا عمي بصره". بل انه كان يخشي فقط انكشاف الخدعة. ولم يكن يعقوب جريئًا وشجاعًا مثل سليمان الذي رفض طلب أمه في أن تعطي أبيشج الشونمية امرأة أبيه زوجة لأدونيا أخيه، بل أمر بقتل أدونيا الذي توسطت له أمه، عقابًا له علي جرأته في أن يطلب امرأة أبية زوجة له (1مل 2: 17- 25). وهكذا لم يطاوع سليمان أمه، محترمًا أباه حتى بعد موته.

أما يعقوب فتقدم ليخدع أباه، مرتكبًا خطايا عديدة..

قال له "أنا عيسو بكرك، قد فعلت كما كلمتني. قم أجلس وكل من صيدي، لكي تباركني" (تك 27: 19). كم كذبة كذبها يعقوب في هذه العبارة؟ لا هو عيسو البكر، ولا لأبوه كلمه عن صنع أطعمة له، ولا هو اصطاد شيئًا..! ولما تعجب أبوه من السرعة في الصيد وإعداد الطعام، أجابه يعقوب "الرب إلهك يسر لي"!!

كل هذا أدخل الشك في نفس إسحق.

وبخاصة لأن "الصوت صوت يعقوب". فقال له تقدم لأجسك يا أبني. أأنت هو أبني عيسو أم لا". وعاد إسحق يسأله مرة أخري "هل أنت هو أبني عيسو؟" فقال "أنا هو (تك 27: 21، 24). ولم يكتف إسحق بهذا،بل أمره أن يتقدم، وشم رائحة ثيابه.. إنها ثياب عيسو التي ألبستها رفقة لأبنها يعقوب.. أن رفقة كانت ذكية. فلم تطبخ الطعام فقط لاسحق، بل طبخت العملية كلها. كانت رواية: ألفها الشيطان، وأخرجتها رفقة، ومثلها يعقوب، وخدع بها أباه.

هل كان قلبه مضطربًا وخائفًا خلال ذلك؟

خلال أسئلة أبيه المتكررة المرتابة، وهو يجسه ويشمه ويقول له: هل أنت هو؟ عجبًا إن هذا الضعيف كانت له وقتذاك قوة، أمكنه بها أن يصمد وأن يحتمل شك أبيه. بل أن يقبل أباه فيما كان يخدعه) (تك 27: 26، 26).

والعجيب أن البعض دافع عن يعقوب في خدعته!!



فقال أنه لما اشتري البكورية من عيسو، أشتري شخصية عيسو!! وهذا رأي غير مقبول من نواح عديدة: فيعقوب من نواح عديدة: فيعقوب كان يعرف أنه يخدع أباه، بدليل أنه خاف من ذلك أولًا وقال لأمه "أجلب لنفسي لعنة لا بركة" (تك 27: 12). وبدليل أنه لبس ملابس عيسو كما أن أمه "ألبسته في يديه وملابسة عنقه جلود جدي الماعز "وأيضًا كذبه علي أبيه في قوله "قم أجلس وكُل من صيدي" وقوله من جهة السرعة "الرب إلهك يسر لي! "ولو كان يعني مجرد شراء البكورية، لكان يقول لأبيه: أنا بكرك عيسو.. كما أنه كذب علي أبيه مرة أخرى، حينما سأله أبوه "هل أنت هو أبني عيسو؟" فقال: أنا هو. وهنا السؤال عن الشخص وليس عن البكورية..



انكشاف الخدعة

الخلاصة أنه نال البركة بالخدعة، وبقي أن يواجه نتائجها. وأولي النتائج هو انكشاف الخدعة بعودة عيسو..

ولا شك أن يعقوب ورفقة كانا يعلمان أن عيسو سيعود من صيده، ويقدم طعامًا لأبية ويطلب بركته، وتنكشف اللعبة.. ولكن لابد أنهما كانا يعلمان أيضًا أن البركة حينما تعطي، لا يمكن أن تسحب "لأن هبات الله ودعوته، هي بلا ندامة" (رو 11: 29).. حتى "إن كنا غير أمناء، فهو يبقي أمينًا" (2تي 2: 13). وهو قد قال منذ الحبل بيعقوب وعيسو: "وكبير يستعبد لصغير" (تك 25: 23). فلابد أن هذا يتم..

كانت إرادة الله تنفذ، حتى من خلال خطأ يعقوب!

وحتى من خلال حيلة رفقة واللجوء إلي طرق بشرية.. إن الله يستطيع أن يجعل كل شيء يؤؤل إلي إرادته المقدسة. حتى الخطاء يحاول نتيجتها إلي خير! لقد أخطأ يهوذا الإسخريوطي وباع سيده بثلاثين من الفضة. وأخطأ مجمع السنهدريم، وحكم علي المسيح ظلمًا، واستخدم شهود زور (مت 26: 60). واخطأ بيلاطس أيضًا في أن سلمه لليهود ليصلبوه.. ومع ذلك فقد آلت كل هذه الأخطاء إلي تنفيذ إرادة الله في قضية الفداء! آلت من جهة نتيجتها. أما سوء فعل أولئك فهو مدان.. عاد عيسو، وصنع أطعمة لأبيه، وطلب بركته. فسأله إسحق من أنت؟ فأجاب "أنا"، "فأرتعد إسحق ارتعادا عظيمًا جدًا" (تك 27: 33).

اكتشف انه وقع في خدعة، وأن يعقوب "أتي بمكر وأخذ البركة".. ولكن كيف يمكن أن يحدث هذا؟! هل من المعقول أن يسمح الله بأن تعطي البركة لمن لا يستحقها؟! وهل ستثبت البركة التي أخذها يعقوب؟ طبعًا سوف تثبت. ولكن كيف؟!

وهنا بدأ ذهن إسحق يجول في أعماق بعيدة..

ويقينًا أنه تذكر في تلك اللحظات الكلام الذي قال الله لرفقة في وقت حبلها "في بطنك أمتان، ومن أحشائك يفترق شعبان شعب يقوي علي شعب. وكبير يستعبد لصغير" (تك 25: 23). كان قد نسي هذه النبوءة في شيخوخته.. وعاد ليتذكر الآن.. أذن فقد كان علي وشك أن يعطي البركة لعيسو،  ولكن الله صحح له هذا الخطأ، ولم يسمح لاسحق أن يقع فيه. فالبركة هي ليعقوب. هنا وقال إسحق "نعم مباركً" (تك 27: 33). وهنا أيضًا نضع أمامنا حقيقة هامة وهي:



أخطاء عيسو

أن عيسو لم يكن أمينًا لنفسه، ولا لأخيه، ولا لله:

لم يكن أمينًا لنفسه، لأنه باع بكوريته.. وباعها بثمن رخيص، بأكله عدس (تك 25: 32). وهكذا باع الروحيات، وأخذ بدلًا منها الماديات "واحتقر البكورية "!

وعندما باع البكورية، بم يكن أمينًا لله.

ذلك لأن البكورية وقتذاك كانت تحمل في بركاتها الكهنوت، أي خدمة الله ومذبحه. بل كانت تحمل شيئًا أهم، وهو أنه من نسل هذا البكر سيأتي المسيح، وبنسله تتبارك جميع قبائل الأرض.. فكيف باع كل هذا بأكله عدس؟!

ولم يكن عيسو أمينًا لأخيه أيضًا..

إذ كيف ينقض اتفاقاته معه. كيف بعد أن باع البكورية، يأتي إلي أبيه ويقول له "أنا بكرك عيسو" (تك 27: 32)؟! ويطالب ببركة هذه البكورية! أما كان الأجدر أن يقول لأبيه: لست أستحق هذه البكورية، لأني بعتها. وهو لم يبع البكورية فقط، وإنما حلف لأخيه علي ذلك (تك 25: 33). أي أشهد الله علي ذلك. لذلك فهو يطالب بحق ليس له.. فلما سمع ان أباه بارك أخاه يعقوب يقول الكتاب:

أن عيسو صرخ صرخة عظيمة ومرة جدًا، وبكي..

وقال: أما أبقيت لي بركة؟! "آلك بركة واحدة فقط يا أبي. باركني أنا أيضًا يا أبي".. ورفع صوته وبكي (تك 27: 34، 38). ويجيبة أبوه: ماذا أصنع لك يا أبني؟! جاء أخوك واخذ البركة. قد جعلته سيدًا لك. ولك يكن إسحق قاسيًا أمام دموع أبنه عيسو..

إنما لقد أخطأ عيسو فهم البركة والبكورية.

أهم ما فيها أن يأتي المسيح من نسل من ينال هذه البركة. فمادامت البركة قد أعطيت ليعقوب، وصار له أن يأتي المسيح من نسله، فلا يمكن أن يأتي إذن من نسل عيسو.. ما معني إذن: ألك بركة واحدة فقط يا أبي؟! هل من المعقول أن يعطي نفس البركة لعيسو، فيأتي المسيح من نسل يعقوب ومن نسل عيسو؟! وهذا محال.. لم يكن تفكير عيسو هنا تفكيرًا روحيًا. وكان الأجدر به أن يذهب إلي أخيه يعقوب ويسجد أمامه، ويطلب بركته، وليس بركة البكورية. ولكنه صرخ مرة وبكي، حيث لا ينفع البكاء..

وصدق في عيسو، ما قاله عنه القديس بولس الرسول:

قال إنه "لما أراد أن يرث البركة، إذ لم يجد للتوبة مكانًا، مع أنه طلبها بدموع" (عب 12: 17). لقد جاء بعد فوات الفرصة، بعد أن اغلق الباب، مثل الخمس العذارى الجاهلات.. اللائي قلن "يا ربنا، أفتح لنا" فأجبهن الرب "الحق أقول لكن إني لا أعرفكن" (مت 25: 10، 12).

لم يكن بكاء عيسو بكاء توبة. أنما كان بكاء حسرة وغيظ وحقد.

بكاء من فقد شيئًا لا يمكن أن يرجع. بكاء ليس فيه تذلل ولا انسحاق.. بل يقول الكتاب عن هذا الباكي "فحقد عيسو علي يعقوب، من أجل البركة التي باركه بها أبوه وقال عيسو في قبله: قربت أيام مناحة أبي. فأقتل يعقوب أخي" (تك 27: 41). وطبيعي أن الذي يحقد علي أخيه، ويفكر في قتله، لا يمكن أن يكون إنسانًا تائبًا. لقد بكي وطلب من أبيه بركة. فقال له أبوه "هوذا بلا دسم الأرض يكون مسكنك، وبلا ندي السماء من فوق. وبسيفك تعيش، ولأخيك تستعبد، ولكن يكون حينما تجمح، أنك تكسر نيره عن عنقك" (تك 27: 39، 40). وكان مشاعر عيسو الحاقد تقول:

بسيفي أعيش؟ ليكن. ولكن بسيفي لن اجعله يعيش.. أقوم واقتل يعقوب أخي..

أن كانت النتيجة الأولي في خداع يعقوب لأبيه، هي انكشاف الخدعة بعودة عيسو من صيده، فأن النتيجة الثانية كانت عزم عيسو علي قتله. ونتيجة لذلك إن رفقة نصيحته بالهروب من أخيه قائلة له: الآن يا أبني اسمع لقولي. وقم أهرب إلى أخي لابان، إلي حاران.. حتى يرتد سخط أخيك عنك، وينسي ما صنعت به.. لماذا اعدم إثنيكما في يوم واحد؟" (تك 27: 42-45).



إلى بيت لابان

وكانت رفقة امرأة ذكية. فأقنعت إسحق بذلك..

أقنعته بذهاب يعقوب ليقيم عند أخيها لابان في حاران. فكيف فعلت ذلك؟ كان عيسو قد اتخذ لنفسه زوجتين من بنات الحيثيين "فكانتا مرارة نفس لاسحق ورفقة" (تك 26: 34، 35). فضربت علي هذا الوتر، وقالت لزوجها إسحق "ملكت حياتي بسبب بنات حث. إن كان يعقوب يأخذ زوجة من بنات حث، مثل هؤلاء من بنات الأرض، فلماذا لي حياة؟!" (تك 27: 46). ومال إسحق إلي كلام رفقة، ودعا يعقوب وباركه وقال له نفس النصيحة: قم اذهب إلي فدان آرام، إلي بيت بتوئيل إبي أمك، وخذ لنفسك زوجة من هناك، من بنات لابان أخي أمك.. لا تأخذ لك زوجة من بنات كنعان" (تك 217: 1، 2).

وهنا نري إسحق يبارك يعقوب بركة ثانية، من قلبه وليس كالأولي التي كانت بالخدعة..

لم يلمه علي خدعته، ولم يعاقبه علي أخذه البركة بالمكر، لأنه تذكر الوعد الإلهي. بل دعاه وباركه.. وقال له "الله القدير يباركك ويجعلك مثمرًا".. ويعطيك بركة إبراهيم لك ولنسلك.." (تك 28: 1، 3، 4). ومضي يعقوب هاربًا من وجه أخيه، بعيدًا عن بيت أبيه وعن حنان أمه، فماذا حدث له؟ 
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
النهيسى
عضو مميز



كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف  M3ane5
المساهمات : 412
نقاط : 620
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 08/06/2014

كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف  Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف    كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف  Puce-pالأحد يونيو 15, 2014 3:58 am

 يعقوب أبو الآباء هارب وخائف ولكن الله معه

 

محتويات

    حقد يعقوب وجهله

    وقت الرحمة لا العقوبة

    لقاؤه مع الله

    سلم يعقوب

حقد يعقوب وجهله

خرج يعقوب من بيت أبيه، هاربًا من وجه أخيه عيسو، الذي عزم علي قتله. وقد أوله الحقد إلي هذا المستوي "أقوم وأقتل يعقوب أخي".

إن كان يعقوب قد أخذ البركة، فكيف يمكن لعيسو أن يتحدى هذه البركة ويمنع نفاذها؟! البركة التي تقول "كن سيدًا لأخوتك، وليسجد لك بنو أمك. ليستعبد لك شعوب، ولتسجد لك قبائل" (تك 27: 29). هل يمنع عيسو إتمام هذه النبوة؟! وهل يمنع القول الإلهي عنه وعن أخيه "وكبير يستعبد لصغير" (تك 25: 23).

كان عيسو يتحدى التدبير الإلهي، بعكس أبيه.

لقد كان في نية أبية أن يبارك عيسو. ولكنه استسلم لمشيئة الله، لما تذكر وعده وعاد إسحق فبارك يعقوب، وقال "نعم ويكون مباركًا" (تك 27: 33) أما عيسو فقد تمرد علي مشئية الله. ودل بذلك علي جهله أيضًا. لأنه إن كان من ضمن البركة التي أخذها يعقوب، أن يأتي من نسله المسيح، فكيف يستطيع عيسو أن يقتله قبل أن ينجب النسل الذي منه يأتي المسيح؟! بل كيف يقف عيسو ضد بركة أخري قالها أبوه إسحق ليعقوب "الله القدير يباركك. ويجعلك مثمرًا، ويكثرك فتكون جمهورًا من الشعوب" (تك 28: 3). فهل يموت يعقوب، قبل أن يثمر؟! ولكن علي الرغم من جهالة عيسو وتمرده علي التدبير الإلهي، هرب يعقوب من وجهه..

سار في البرية وحيدًا خائفًا، ينتظر وعود الرب. وهو باستمرار كان يخاف من عيسو، رجل الصيد والنبال، الذي كان أقو منه جسديًا حتى وهما في بطن أمهما: ركنه عيسو جانبًا، وخرج قلبه "أحمر كله كفروة شعر" (تك 25: 25). وتزاحم الاثنان أيضًا حول البكورية والبركة، فلما كانت من نصيب عيسو، دخلت مشاعر الانتقام في قلب عيسو، كما دخل الخوف من الانتقام في قلب يعقوب. وهرب وهو لا يدري هل ستنتصر بركة إسحق أم حقد عيسو..!


وقت الرحمة لا العقوبة

وعلي الرغم من أخطاء يعقوب في حصوله علي البركة، إلا أن الله لم يعاقبه في وقتها..

ليس من المعقول أن يعاقبه الله وهو في هربه وخوفه. يكفيه حاليًا ما هو فيه العقوبة سوف تحل عليه فيما بعد. أما الآن فهو في حاجة إلي عناية الله ورعياته، وليس الوقت وقت عدل الله وعقوبته. إن الله يكون دائمًا إلي جوار الضعفاء المحتاجين إليه لعله باهتمامه بهم في ضيقتهم، يمكن أن يجذبهم إليه.. صدق داود النبي حينما قال:

"أقع في يد الله، ولا أقع في يد إنسان، لأن مراحم الله واسعة" (2 صم 24: 14).

فليقع يعقوب إذن في يد الله، يعاقبه كما يشاء، ومتي يشاء. ولا يقع في يد أخيه عيسو.. وهكذا سار يعقوب في البرية وحيدًا وخائفًا، وبلا أية معونة.. بلا رعاية الأب ولا حنان الأم، وليس أمامه مجال لاستخدام ذكائه البشري. رآه الله في خوفه وهربه. وكأن الله يقول:

لا أترك يعقوب ابني وحده. لا أتركه معذبًا وقلقًا..

حقًا أنه تسبب في هذا الهرب الذي جلبه علي نفسه.. ولكن الله لا يتركه ليقاسي بسبب أعماله.. الله "الذي لم يصنع معنا حسب خطايانا، ولم يجازنا حسب آثامنا" (مز 103: 10). ودبر الله الوقت الذي يعمل فيه. هوذا يعقوب الآن في البرية، في وحشة النهار وظلمة الليل، خوف الجبل وما فيه من وحش ودبيب وحشرات. يضاف إلي ذلك خوفه من انتقام أخيه. ولعله يفكر: أين إذن البركة التي نالها: "ندي السماء، ودسم الأرض" (تك 27: Cool!!

حقًا إن البركة ليس معناها الطريق الواسع..! لقد حصل داود النبي علي بركة المسحة التي أخذها علي يد صموئيل النبي وحل عليه روح الرب (1صم 16: 13). وعلي الرغم من ذلك حلت ضيقات كثيرة علي داود، واضطهادات ومطاردات من شاول الملك.. وفي الوقت المناسب، نال داود بركة المسحة المقدسة. إذن علي يعقوب أن ينتظر الرب، الذي يعمل في الوقت المناسب وبالطريقة المناسبة لتدبيره الإلهي.

كان علي يعقوب أن يجتاز مرحلة فطام.

فطام عن كل معونة بشرية. أولها الفطام من حنان أمه وإرشادها.. هذه التي قالت لها أكثر من مرة "الآن يا أبني أسمع لقولي" (تك 27: 8، 13).. قالت له ذلك عندما نصحته أن يخدع أباه. وأيضًا حينما نصحته أن يهرب ويقيم عند خاله لابان (تك 27: 43).. وكان عليه أيضًا أن يفطم ذاته عن حيله البشرية. ويكون في موقف يشعر فيه أنه لا حل أمامه ولا وسيلة. وحينئذ يتدخل الله لينقذه من ضيقته..

وفي الضيقة لمس يعقوب عمليًا يد الله في حياته.



لقاؤه مع الله

كان من قبل لا يعرف عن الله، إلا أنه أبيه إسحق وإله جده إبراهيم، هذين اللذين كانا يقدمان له الذبائح. وحتى حينما كلمه الله، كلمه بهذه الصفة قائلًا له "أنا الرب إله إبراهيم أبيك وإله إسحق" (تك 28: 13). وهكذا بدأ الله يكون علاقة شخصية معه.. وكان الله هو البادئ بهذه العلاقة. فكيف حدث ذلك؟ حدث ذلك في البرية، حينما تعب يعقوب من السير، وكانت الشمس قد غابت". وصادف مكانًا وبات هناك". لم يكن هناك فراش، ولا وسادة يسند عليه رأسه. "فأخذ حجرًا من حجارة المكان، ووضعه تحت رأسه. وأضطجع في ذلك المكان". (تك 28: 10، 11).

وهنا بدأ الله يعمل. بدأ يكون علاقة مع يعقوب..

لم يحتمل أنه أن يراه هكذا ملقي علي الأرض ومتوسدًا حجرًا.. ربما يعقوب كان يظن وقتذاك أنه وحده في الجبل. فأراد الله أن يثبت له أنه ليس وحده. وأنه وأن كان راقدًا علي الأرض، فهناك ما يمكن أن يصل بين الأرض والسماء.. وكيف ذلك؟


إذا بيعقوب في نومه يري حلمًا عجيبًا..



سلم يعقوب

رأي سلمًا منصوبة علي الأرض، ورأسها يمس السماء، وهوذا ملائكة الله صاعدة ونازلة عليها. هوذا الرب واقف عليها يخاطبه. يعرفه بنفسه ويباركه.. وكان هذا هو اللقاء الأول بينه وبين الله، حيث أعلن له الله ذاته، وأعقبت ذلك لقاءات أخري..

وبعد أن كان يعقوب مؤمنًا بالوراثة.. أصبح مؤمنًا بالعشرة والخبرة.

كان مؤمنًا لأنه ابن إسحق المؤمن. إلهه هو إله إسحق. أما الآن فقد دخل في طور آخر من الأيمان. يتحدث فيه الله إليه، ويتحدث هو مع الله. وبعد أن كان قد أخذ البركة من أبيه إسحق، هوذا الآن يسمعها من فم الله ذاته، الذي قال له "يكون نسلك كتراب الأرض، وتمتد غربًا وشرقًا وشمالًا وجنوبًا.. ويتبارك فيك وفي نسلك جميع قبائل الأرض" (تك 28: 14). بل أن الله يعطيه أيضًا وعدًا آخر بالحفظ، فيقول له "وها أنا معك، وأحفظك حيثما تذهب، وأراك إلي هذه الأرض.." (تك 28: 15). فما هذا كله

أنه الآن أمام الله، وملائكته، وسمائه..

ثلاثة تمثل حياته الروحية الجديدة. ومن قبل كان يتعامل مع ثلاثة هم أب وأم وأخ. لقد دخل تغيير إذن في حياته. فصل جديد قد بدأ..

وقد ترك هذا المنظر "السلم والسماء والملائكة" (أثرًا كبيرًا في نفس يعقوب. وأعمق منه بلا شك حديث الله معه، فلما استيقظ من نومه، قال: ما أرهب هذا المكان. ما هذا إلا بيت الله، هذا باب السماء" (تك 28: 17)،
 ولأول مرة، يرد في الكتاب المقدس هذا التعبير "بيت الله". وقد تسمي به ذلك المكان، فصار أسمه "بيت أيل "أي بيت الله...

ولأول مرة أيضًا نقرأ في الكتاب عن ملائكة ظهروا لإنسان. وتكرر هذا في حياة يعقوب.

قرأنا من قبل إن الرب ظهر مع ملاكين لأبينا إبراهيم، وعن ذهاب الملاكين إلي سادوم وإنقاذهما للوط وأسرته (تك 18، 19). قرأنا عن ملاك منع أبينا إبراهيم من ذبح أبنه إسحق (تك 22: 11، 12). ولكننا هنا نقرأ عن ملائكة صاعدين ونازلين.. كان يعقوب أول إنسان رأي مجموعة من الملائكة. ربما أن حالته النفسية القلقة، كان فيها يحتاج إلي الشعور بأن له أسرة كبيرة من فوق ينتقل بها إلي عالم سمائي كذلك وهو ذاهب في طريقه خائفًا من ملاقاه عيسو، لاقاه عدد كبير من الملائكة قال عنهم: "هذا جيش الله" (تك 32: 1، 2).. في كل رحلة يعقوب ذهابًا وإيابًا، كان محتاجًا إلي عزاء. وكان في ظهور الملائكة عزاء له..

وأيضًا كان له عزاء في السلم التي رآها..

كانت السلم بين السماء والأرض، توحي بأن السماء لا تقطع صلتها بالأرض، مهما أخرجت الأرض شوكًا وحسكًا..ّ! كانت ترمز إلي المصالحة، وعودة الحب. بل ترمز أيضًا إلي السيد المسيح الذي قام بهذه المصالحة، وأعلن للأرض حب السماء. وكانت ترمز كذلك إلي أمنا العذراء التي ولدت للعالم هذا المخلص. لهذا ندعو العذراء في صلوات التسبحة "سلم يعقوب".. علي أن يعقوب فيما رأي كان له عزاء أعظم من السلم ومن الملائكة ومن السماء: إنه الله..

كان الله واقفًا علي السلم يتحدث إليه (يع 28: 13).

حقًا إن الله عجيب في ظهوره ليعقوب علي الرغم من خداعه لأبيه، واستغلاله لجوع أخيه. وعلي الرغم من كذبه وحيله. وعجيب هو الرب بالأكثر في كل وعوده ليعقوب، ومباركة له ولنسله.

وهكذا أكد الله ليعقوب البركة التي سمعها مرتين من أبيه إسحق (تك 27: 27) (تك 28: 1). فيكون قد نال حتى اللحظة البركة ثلاث مرات..

حقًا إن بركات الله بلا حساب، وننالها بلا استحقاق!

"لأنه ليس بكيل يعطي الله" (يو 3: 34). وأن كال لنا فإنما يعطي في أحضاننا "كيلًا جيدًا، ملبدًا، مهزوزًا فائضًا.." (لو 6: 38). وهو في عطائه، ينظر دومًا إلي احتياجنا، وليس إلي استحقاقنا.. وهكذا فعل مع يعقوب الخائف الهارب. لقد أعطاه الله بركة ووعودًا، وليس عقوبة وتأديبًا.. وكان لهذا كله تأثيرًا في قلب يعقوب، فقال:

"حقًا إن الله في هذا المكان، وأنا لم أعلم" (تك 28: 16).

قال الله له "أنا معك حيثما تذهب". ولكنه لم يكن يعلم أن الله معه، وما أكثر ما يكون الله معنا، ونحن لا نعلم..! مثلما حدث لتلميذي عمواس في لقاء الرب لهما (لو 24: 15، 16). وكثيرًا ما يكون الله معنا، ولكن الضيقات لا تتركنا نشعر بوجوده. كما قال جدعون لملاك الرب "إذا كان الرب معنا فلماذا كل هذه؟! وأين هي عجائبه التي أخبرنا بها آبؤنا!" (قض 6: 13).. هكذا كان يعقوب لا يعلم بوجود الرب معه..!

كان هذا أول ظهور إلهي له، وكان ما سمعه من الرب أول كلمات من الله تمس أذنيه.

لقد شعر كيف يكون الرب قريبًا في وقت الضيقة.. لذلك مباركة هي الضيقات حينما تقربنا إلي الله. ولهذا فإن الله يسمح بالضيقات، لكي ندعوه فينقذنا، علي أنه هنا لم يحدث أن يعقوب دعاه. إنما لاشك أن احتياج يعقوب كان يصرخ إلي الله دون أن يتكلم كما قال الرب لموسى "إني رأيت مذلة شعبي.. علمت أوجاعهم. فنزلت لإنقاذهم" (خر 3: 7، Cool. مع أنهم لم يصرخوا إليه، بل صرخوا بسبب مسخريهم..

"الله هنا، وأنا لم أكن أعلم". وكيف عرفت إذن؟ بالضيقة.

لا تحزن يا يعقوب إذا فكر عيسو في أن يقتلك.. ثق أن حياتك في يد الله، وليست في يد عيسو. إذن لا تركز فكرك في أخطار تهددك من أخيك، أنما فكر في الله. فكر في باب السماء المفتوح.. ولتكن كلمة الله في أذنك "ها أنا معك، وأحفظك حيثما تذهب". وماذا عن عيسو وقوته وتهديده، والقتل والموت؟ لا تفكر في كل هذا.. لقد أطمأن يعقوب لما سمع وعود الرب.

ونذر يعقوب نذرًا إن كان الرب معه وحفظه..

كان وعد الله له في حلم. وهو لا يريد أن يكون حفظ الله هو مجرد أحلام يحملها ووعود يسمعها في حلم.. أنما متي تحققت "يكون الرب لي إلهًا.. وكل ما تعطيني فإني أعشره لك "إبراهيم جده قدم العشور مرة لملكي صادق (تك 14: 20). أما يعقوب حفيده فيقول للرب:

"كل ما تعطيني، فإني أعشره لك" (تك 28: 22).

ليكن هذا درسًا لكل إنسان.. فلا يدفع العشور من مرتبه فقط، وإنما من كل ما يصل إلي يده، عملًا بقول أبينا يعقوب: كل ما تعطيني فإني أعشره لك.. وصيه العشور أخذها -بالتقليد- من جده إبراهيم، وطبقها علي كل شيء كتعبير في العرفان بالجميل للرب.

ولكن لا ينسي ظهور الرب له في ذلك المكان، دشنه بيتًا للرب.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
النهيسى
عضو مميز



كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف  M3ane5
المساهمات : 412
نقاط : 620
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 08/06/2014

كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف  Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف    كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف  Puce-pالأحد يونيو 15, 2014 4:01 am

 يعقوب أبو الآباء وعهد مع الله في بيت إيل

 

محتويات

    تحصينه للمستقبل

دخل يعقوب في عهد مع الله.. وفي الكتاب المقدس ما أكثر العهود التي نراها بين الله والإنسان.

وهنا نري العهد يقول فيه الله ليعقوب "نسلك يكون كتراب الأرض. ويتبارك فيك وفي نسلك جميع قبائل الأرض. وها أنا معك، وأحفظك حيثما تذهب، وأردك إلي هذه الأرض" (تك 28: 13-15).

ومن جانب يعقوب نذرًا، بشروط..

وفي هذا يسجل الكتاب "ونذر يعقوب نذرًا قائلًا: أن كان الله معي، وحفظني في هذا الطريق الذي أنا سائر فيه، وأعطاني خبزًا لأكل وثيابًا لألبس، ورجعت بسلام بيت أبي، يكون الرب لي إلهًا، وهذا الحجر الذي أقمته يكون بيت الله، وكل ما تعطيني فإني أعشره لك" (تك 28: 20- 22).

الله قدم هنا وعودًا بلا شروط، ويعقوب قدم نذرًا لله بشروط.

ولعل سبب شروط يعقوب، أنه لم يكن قد دخل في عمق الإيمان بعد. أنه الآن في بدء علاقته الشخصية مع الله، ويريد أن يتحقق من وعود الله له!!

هوذا الله يقول له "ها أما معك، وأحفظك حيثما تذهب". وهو يقول في شروطه "إن كان الله معي، وحفظي في الطريق الذي سائر فيه".. والله يقول له "وأردك إلي هذه الأرض". وهو يقول: "إن رجعت بسلام إلي بيت أبي"..

ومع ذلك كان نذر يعقوب هو أول نذر سجله الكتاب المقدس.

أنها أول مرة نقرأ في الكتاب كلمة (نذر)..

وكان نذرًا مثلثًا: أن يكون الرب له إلهًا، أن يقيم بيتًا لله، أن يعشر كل ما يعطيه الله"..

عبارة "يكون الرب لي ألهًا"، قالها في عصر وثني. وكان يعني بها أن يكون الرب إلهه من الناحية العملية في حياته، وليس بمجرد الوراثة. كما تشمل هذه العبارة أيضًا معني العبادة الحقيقية. وهكذا نسمع فيما بعد، أنه عندما رجع سالمًا إلي مدينة شكيم التي في أرض كنعان "أبتاع قطعة أرض.. وأقام هناك مذبحًا. ودعاه أيل إله إسرائيل" (تك 33: 19، 20).

وكان يعقوب أول من استخدم عبارة "بيت الله"..
 

وقد قالها في هذه المناسبة مرتين: الأولي حينما استيقظ وقال "ما أرهب هذا المكان. ما هذا إلا بيت الله، وهذا باب السماء". والثانية حينما قال في نذره "أقمته عمودًا يكون بيت الله "تك 28: 17، 22). وجميل حقًا أن يكون أول نذر قد نذره أحد رجال الله، يشمل أقامه بيت لله..

ونذكر في هذه المناسبة أن أبانا يعقوب، كان أول من دشن مكانًا لله.

واستخدم في هذا التدشين زيتًا.. إذ يقول الكتاب "وبكر يعقوب في الصباح. وأخذ الحجر الذي وضعه تحت رأسه. وأقامه عمودًا، وصب زيتًا علي رأسه. ودعا ذلك المكان بيت أيل".." (تك 28: 18، 19). عبارة بيت أيل معناها بيت الله ونحن نذكر هذا الفصل من الكتاب، حينما نحتفل بوضع أساس كنيسة جديدة كما نذكره أيضًا في طقس تدشين الكنيسة، وتدشين المذبح.

صدقوني، أنني أعجب كيف عرف أبونا يعقوب فكرة تدشين بيت لله، وكيف استخدم لذلك زيتًا.

فيما بعد في أيام موسى النبي، بعد تدشين أبينا يعقوب لبيت أيل بمئات السنين، أمر الرب موسي النبي أن يصنع زيت المسحة الذي يمسح فيه خيمة الاجتماع ويقدسها، ويمسح به المذابح وأواني الخدمة ويقدسها، بل ويسمح به أيضًا هرون وبنيه ويقدسهم ليصروا كهنة للرب (خر 30: 22- 30) لاشك أن يعقوب أبانا، قد عرف هذا الأمر بوحي إلهي، باعتباره رجل الله، وكان هذا عربونًا لمواهبه..

وهنا أحب أن أضيف ملاحظة بسيطة عن بيت أيل:

حينما كتب موسى النبي سفر التكوين، وذكر أولي رحلات أبينا إبراهيم بعد دعوة الله له، وقال عنه "فبني مذبحًا للرب الذي ظهر له. ثم نقل من هناك إلي الجبل شرقي بيت إيل ونصب خيمته. وله بيت إيل من المغرب، وعاي من المشرق" (تك 12: 7، Cool، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. إنما كان يقصد مدينة بيت إيل، كما كانت معروفة في أيامه بهذا الاسم. ولكنها قبل أبينا يعقوب لم يكن إسمها هكذا. بل يقول الكتاب حينما سماها أبونا يعقوب (بيت إيل) "ولكن أسم المدينة كانت لوز" (28: 19).

المهم أن أبانا يعقوب كان الأول في عدة أمور منها:

    * كان أول من نذر نذرًا للرب.

    * كان أول من أستخدم تعبير (بيت الله).

    * كان أول من سمي مدينة (بيت أيل) بهذا الاسم.

    * كان أول من دشن مكانًا للرب، ودشنه بالزيت.


تحصينه للمستقبل:

وقد أعد له الله رؤية السلم الواصلة بين السماء والأرض، ورؤية الملاك، وسماع الوعد الإلهي، وما قدمه هو من نذر لسببين يتعلقان بالحاضر والمستقبل..

أما عن ذلك الوقت الحاضر، فلكي يطمئنه في خوفه وهربه، وأيضًا لكي يقيم علاقة خاصة معه...

وأما عن المستقبل، فلكي يكون له الإيمان الذي لا يتأثر بعبادة الأصنام التي كانت في بيت لابان خاله. فالكتاب يذكر أنه عند هروبه من بيت لابان ليرجع إلى بيت أبيه إسحق، أن "راحيل سرقت أصنام أبيها" (تك31: 19). ولم يكن يعقوب يعرف ذلك (تك31: 32) وذكر أيضًا أن لابان في مطاردته ليعقوب قال له "لماذا سرقت آلهتي" (تك31: 30).

ونفسر ذلك بتقسيم الناس في عبادتهم إلى ثلاثة أقسام:

· النوع الأول الذي يعبد الله وحده، ويمثله أبونا إبراهيم وأبونا إسحق في أيام أبينا يعقوب. ويمثله قبل ذلك أبونا نوح، وسلسلة رؤساء الآباء التي وردت في (تك5). مثل آدم وشيث وأنوش وأخنوخ ومتوشالح...

· نوع آخر كان بعيدًا كلية عن الله، ويعبد الأصنام، مثل شعوب الأرض كالكنعانيين والحيثيين والأدوميين وغيرهم.

· نوع ثالث كان يعبد الله الإله الحقيقي، مع تأثره بعبادة الأصنام أيضًا، فكأنه يعبد الله ومعه آلهة أخرى. ومن أمثلة هؤلاء لابان.

ولذلك قال حينما عقد اتفاقية مع يعقوب في انفصاله عنه "إله إبراهيم، وآلهة ناحور آلهة أبيهما يقضون بيننا" (تك 31: 53).

ولعله وقع في هذا النوع أيضًا سليمان بن داود في أيام شيخوخته حينما حدث "أن نساءه أملن قلبه وراء آلهة أخرى، ولم يكن قلبه كاملًا مع الرب إلهه كقلب داود أبيه. فذهب سليمان وراء عشتاروت إلهة الصيدونيين، وملكوم رجس العمونيين.." (1مل11: 4، 5).

لذلك أراد الله بظهوره ليعقوب وكلامه معه أن يحصنه أيضًا ضد العبادة المنحرفة التي كانت في بيت لابان، والتي ربما تكون قد تأثرت بها أيضًا راحيل التي صارت زوجة ليعقوب، وهي ابنة لابان.

على أية الحالات لقد سرّ الرب بنذر يعقوب، وأيضًا بتدشينه ذلك العمود، وتسميته للمكان بيت إيل.

لذلك نرى أن الرب لما سمح لأبينا يعقوب بأن يترك لابان، ويرجع إلى بيت أبيه، قال له "أنا إله بيت إيل حيث مسحت لي عمودًا، حيث نذرت لي نذرًا. الآن قم اخرج من هذه الأرض، وارجع إلى أرض ميلادك" (تك31: 13).

إذًا كان ظهور الرب لأبينا يعقوب في حلم، والعهد الذي تم بينهما في بيت إيل. كل ذلك كان نقطة تحول أساسية في حياة يعقوب، وبالتالي في نسله...

تشجع بعد ذلك يعقوب "ورفع رجليه، وذهب إلى أرض بني المشرق" (تك29: 1). في هذه المرة، سار بإيمان قوي. وكان الله يعدّ الطريق قدامه ويسهل سبله..

أعدّ له كيف يلتقي براحيل ثم بأبيها لابان، بطريقة تشبه إلى حد بعيد كيف يسرّ الرب طريق اليعازر الدمشقي عبد أبينا إبراهيم ليختار زوجة لاسحق إبنه، من نفس هذا البيت، بيت بتوئيل ولابان... هذا الذي قال له أبونا إبراهيم "إن الرب الذي سرت أمامه، يرسل ملاكه معك وينجح طريقك" (تك24: 40)

إنه نفس الملاك الذي أرسله الرب ليهدي يعقوب إلى بيت خاله لابان - هذا الذي تذكره يعقوب وهو يبارك افرايم ومنسى (تك48: 16).

هناك عند البئر التقى براحيل، كما التقى اليعازر الدمشقي برفقة أمه.

وهناك "قبّل يعقوب راحيل، ورفع صوته وبكى. وأخبرها بأنه أخو أبيها وأنه إبن رفقة" (تك29: 11، 12)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
النهيسى
عضو مميز



كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف  M3ane5
المساهمات : 412
نقاط : 620
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 08/06/2014

كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف  Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف    كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف  Puce-pالأحد يونيو 15, 2014 4:03 am

 يعقوب أبو الآباء وملاحظات على قصة زواجه

 

محتويات

    الحجر

    أخو أبيها

    زواج يعقوب

    الكبيرة والصغيرة

    صراع الأختين

التقي يعقوب براحيل أبنه خاله عند البئر.

إنه البئر الذي كان الرعاة يستقون منه لغنمهم. وكان علي فم البئر حجر كبير فينتظر الرعاة إلي أن يجتمعوا، فيدحرجوا الحجر عن فم البئر. فلما رأي يعقوب راحيل ابنه خاله قادمة مع غنمها، تقدم ودحرج الحجر عن فم البئر، وسقي غنم لابان خاله" (تك 29: 3، 10).

لقد ذكرت المرأة السامرية بئر أبينا يعقوب في حديثها مع السيد المسيح (يو 4: 12)

إذن فهو بئر له تاريخ وشهرة، ولا شك أن أبانا يعقوب ظهرت قوته حينما زحزح الحجر عم فم البئر وسقي الغنم. وهناك قبل يعقوب راحيل، ورفع صوته وبكي وأخبرها انه أخو أبيها، وأبن رفقة (تك 29: 11).


الحجر

أحجار هامة في حياة يعقوب يذكرها لنا الكتاب:

الحجر الذي كان تحت رأسه، ومنه ارتفع سلم إلي السماء، وقد صب علي هذا الحجر زيتًا، ودعا المكان بيت إيل، أي بيت الله (تك 28: 18، 19). وهو يذكرنا بحجر الأساس الذي نضعه لكل كنيسة. وهذا الحجر كان في بدء علاقته بالله. والحجر الثاني هو الحجر الكبير الذي دحرجه عن فم البئر، وكان بدء العلاقة بينه وبين راحيل وأبيها لابان (تك 29: 10). والحجر الثالث هو الذي أوقفه عمودًا، ليكون شاهدًا بينه وبين لابان، فلا يتجاوز أحدهما هذا الحد الآخر، وذلك عندما فارق يعقوب لابان (تك 31: 45- 52). أما الحجر الرابع، فهو تأكيد للحجر الأول، بعد أن ظهر له الله في بيت إيل. "فنصب يعقوب عمودًا من حجر، وسكب عليه سكيبًا، وصب زيتًا. ودعا أسم المكان الذي فيه تكلم الله معه بيت إيل" (تك 35: 14، 15). ولعل هذا يعني التصاقه ببيت الله في ذهابه وفي عودته.



أخو أبيها

قال يعقوب لراحيل أنه أخو أبيها (تك 29: 12) بينما أبوها لابان كان خاله (تك 29: 10). فماذا يعني ذلك؟

لقد كانوا يستعملون عبارة (أخ) للدلالة علي صله القرابة الشديدة القرب كالعم والخال.

ولذلك نري أن لابان بعد قابل يعقوب، وقبله في بيته، وصار يعقوب يرعي غنمه، أن لابان قال له "ألانك أخي تخدمني مجانًا؟! أخبرني ما أجرتك؟" (تك 29: 15)، بينما لم يكن أخاه، وإنما إبن أخته رفقه..


ونفس التعبير قيل عن العلاقة بين إبرآم ولوط.

قيل فيسبي سادوم "وأخذوا لوطًا أبن أخي إبرآم" (تك 14: 12). وقيل بعد ذلك "فلما سمع إبرآم أن أخاه قد سبي، جمع رجاله المدربين" (تك 14: 14). بينما أن لوطًا كان ابن هاران أخيه (تك 11: 31).

بنفس التعبير ذكرت الأناجيل عبارة: أخوة المسيح.

ولم يكونوا أخوته، وإنما كانوا أولاد خالته (مريم زوجة كلوبا). وانظر في ذلك كتابنا (اللاهوت المقارن هنا في موقع الأنبا تكلا ص 100 إلي ص 102).




زواج يعقوب

أولًا كان زواجًا مبنيًا علي حب.

وهذه الحقيقة تكررت كثيرًا في قصة يعقوب وزواجه. فقيل "وأما راحيل فكانت حسنة الصورة وحسنة المنظر. وأحب يعقوب راحيل" (تك 29: 17، 18). وأيضًا قيل عنه إنه "أحب راحيل أكثر من ليئة" (تك 29: 30). ولأنه أحبها، طلبها من أبيها أن تكون له زوجة. فقال له أبوها "أعطيتك أياها، أحسن من أن أعطيها لرجل آخر. اقم عندي" (تك 29: 19).

أن الزواج المبني علي الحب والمودة، أعمق بنياتًا وأكثر دوامًا.

ولا نعني بالحب علاقة شهوه جسدية، بل نعني به تعلق القلب بالقلب، في مودة وتفاهم وفي توافق فكر وأسلوب، كما يقول المثل "من شروط المرافقة الموافقة؟ فإثنان يترافقان معًا طول الحياة، لابد أن تكون بينهما هذه الموافقة. لذلك فإن الأب الكاهن قبل إجراء سر الزواج، لابد أن يتأكد انه بموافقة كل من الطرفين. أما الضغط والإرغام لإتمام الزواج، فإن من الأسباب التي تدعو إلي بطلان الزواج.

ملاحظة أخري نذكرها، وهي أن أبانا يعقوب خدم لابان سبع سنوات بزواجه من لبنته..

فهل كانت هذه هي (الشبكة)، أو ما يسمونه المهر؟ المعروف أن الشبكة تعطي للخطيبة وليس لأبيها.. مثل هذه الشبكة قدمها لعازر الدمشقي لرفقة في خطبتها لاسحق ابن سيده "أخذ خزامة ذهب وزنها نصف شاقل، وسواؤين علي يديها وزنها عشرة شواقل ذهب" (تك 24: 22، 30). "وأخرج آنية فضة وآنية ذهب وثياب وأعطاها لرفقه، وأعطي تحفًا لأخيها وامها" (تك 524: 53).

ولكن ماذا أخذت راحيل، وماذا آخذت ليئة، في زواجهما من يعقوب؟ لا شئ!!

الكل أخذه لابان أبوهما، كل ما في الأمر أنه قدم لكل منهما جارية: زلفة جارية لليئة وبلهة جارية لراحيل (تك 29: 24، 29). ولم يكن كريمًا معهما..

ولذلك نري انه فيما بعد، لما هرب يعقوب من بيت لابان، انضمت إليه زوجتاه، أذ لم يكن لهما مشاعر نحو أبيهما. وقد قالتا في ذلك: "ألنا أيضًا نصيب وميراث في بيت أبينا؟! ألم نحسب منه أجنبيتين! لأنه باعنا وقد أكل أيضًا ثمننًا!! (تك 31: 14، 15)

فما هو الثمن الذي دفعه أبونا يعقوب في زواجه؟

خدم لابان سبع سنوات بأبنته راحيل. فلما خدعه وأزوجه ليئة، خدم سبع سنين أخرى بتلك الأخرى (تك 29: 18، 30)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. أي أنه اشتغل عنده بلا أخري 14 سنة راعيًا لغنمه. ثم اشتغل ست سنوات أخر بغنم أعطاها له (تك 31: 41). ما الذي أخذته البنتان من خدمة 14 سنه مجانًا، خدمها يعقوب لأبيهما لابان؟ لا شيء طبعًا. سبع سنوات خدمها براحيل بسبب محبته لها خدعه لابان وأزوجه ليئة خدمه بتلك سبع سنوات أخري، علي الرغم من أنه لم يطلبها، وقد أقحمها لابان في حياته غشًا.. وقد قيل عن محبة يعقوب لراحيل: "فخدم يعقوب براحيل سبع سنين. وكانت في عينيه كأيام قليلة بسبب محبته لها" (تك 29: 20).

تعطينا القصة فكرة عن فترة الخطوبة.

لقد خطب يعقوب راحيل. ولكنه لم يأخذها زوجة إلا بعد أن أكمل السبع سنوات خدمة. وبعد السبع سنوات خدمة. وبعد السبع سنوات قال للابان "أعطني آمراتي لأن أيامي قد كملت" (تك 29: 21) فاعلها أطول فترة خطوبة سمعنا عنها. أضيف إليها أسبوع بعد زواجه بليئة. إذ قال له لابان "أكمل أسبوع هذه، فتعطيك تلك.. فأكمل أسبوع هذه، فأعطاه راحيل ابنته زوجه له" (تك 29: 27، 28).



الكبيرة والصغيرة

ملاحظة رابعة نقولها في قصة زواج أبينا يعقوب وهي:

عادة زواج الأخت الكبيرة قبل الصغيرة..

كانت راحيل الصغيرة أجمل من أختها الكبيرة ليئة "كانت حسنة الصورة وحسنه المنظر. وكانت عينا ليئه ضعيفتين" (تك 29: 17). فماذا يحدث أن أحب طالب الزواج الأخت الصغيرة وأرادها زوجة؟ هل تقف الكبيرة عقبة أمامها؟ وطبيعي أن كل من ياتي ليطلب الزواج -سواء يعقوب أو غيره- سيطلب الصغيرة الجميلة!! وتبقي عبارة التي قالها لابان وهي "لا يفعل هكذا في مكاننا أن تعطي الصغيرة قبل الكبيرة" (تك 29: 26). فماذا كان الحل إذن؟

الحل هو الخداع الذي قام به لابان، أنه أعطي ليئة علي اعتبار إنها راحيل. فخدع يعقوب.

ولم يطلب يعقوب بطلان الزواج، وقبل. وعلي الرغم من أنه واجه لابان وقال له "لماذا خدعتني "إلا أنه لعله تذكر أن البركة كان سيقدمها أبوه إسحق لأخيه عيسو، ولكنه بالخدعة أخذ البركة منه. فكانت هذه العقوبة نالها لخديعته لأبيه.. ولو أنها جاءت متأخرة..

أما طريقة الخداع في الزواج، فربما كانت هكذا..

كانت الزوجة تزف إلي زوجها منقبة، بحيث لا يري من وجهها شيئًا. ثم يرفع نقابها عندما يدخل بها إلي خيمته. وقد أعطاه لابان أبنته ليئة بعد أن صنع وليمة "وكان في المساء، أنه أخذ ليئة وأتي بها إليه" (تك 29: 23). ولعل النور لم يكن كافيًا في ذلك الزمان "وفي الصباح إذا هي ليئة "!!



صراع الأختين

الضُرّة هي الضرة، حتى لو كانت أختًا وشقيقة.

وحسنًا أسموها ضرة، ولعلها مشتقة من الضرر. وهذا يرينا بلا شك حكمة التزوج بامرأة واحدة، التي صارت شريعة العهد الجديد، بعد أن تأكد للكل عمليًا مشاكل تعدد الزوجات. فماذا حدث لزوجتي يعقوب؟

تصارعت الزوجتان، حول محبة الرجل وإنجاب البنين.

من جهة محبة الرجل قيل أن يعقوب "أحب راحيل أكثر من ليئة" (تك 29: 30). في الواقع لست أدري في أسبوع ليئة، أي خلال الأسبوع الأول لزواجها، كيف كان شعورها وهي تعلم أنها مكروهة، وإنها دخلت بخدعة في حياة هذا الرجل، وأنه يقضي معها هذا الأسبوع لكي تعطي له أختها الجميل راحيل..؟ وكيف كان شعور راحيل خلال ذلك الأسبوع، وهي تشعر أنه كان من حقها، وقد ظلمها أبوها، وقدم أختها بدلًا منها فاغتصبت منها خطيبها؟! وماذا كان شعور يعقوب، وهو مضطر أن يقضي ذلك الأسبوع مع ليئة علي الرغم منه، وبخاصة بعد أن أكتشف الخديعة في صباح اليوم الأول؟! أكان ذلك أسبوعًا طبيعيًا بين زوجتين؟! لست؟أعلم. المهم أن هذا الأسبوع الأول الغريب قد أنتهي. وعاد يعقوب، فأخذ راحيل زوجه له، وجمع بين الزوجتين الأختين، الأمر الذي نهت عنه الشريعة أيام موسى النبي، فأمرت بأنه "لا تأخذ امرأة علي أختها للضر" (لا 18: 18).

وهنا تدخل الرب لعمل توزان بين الزوجتين.

إن كان لراحيل فضل محبة الزوج، فليكن لليئة فضل إنجاب البنين. وهكذا قيل "ورأي الرب أن ليئة مكروهة، ففتح رحمها. وأما راحيل فكانت عاقرًا" (تك 29: 31). وكانت ليئة تعتقد أن كثرة إنجابها سوف تجذب محبة زوجها لها. كما قالت بعد إنجاب إبنها الأول: "الآن يحبني رجلي" (تك 29: 32).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
النهيسى
عضو مميز



كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف  M3ane5
المساهمات : 412
نقاط : 620
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 08/06/2014

كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف  Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف    كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف  Puce-pالأحد يونيو 15, 2014 4:08 am

 يعقوب أبو الآباء وصراع بين زوجتين

 

خضع أبونا يعقوب للأمر الواقع، وقبل ليئة زوجة له، ثم تزوج بأختها راحيل، وجمع بين الاثنين. وهكذا عاش مع الزوجة التي يحبها (راحيل). والزوجة التي تحبه وتتمني أن تحظي بمحبته (ليئة). وعاشت الاثنتان في صراع.. لقد ابتعد أبونا يعقوب عن الزواج بالغريبات غير المؤمنات، لئلا يملن قلبه بعيدًا عن الله،، كما حدث لسليمان الحكيم فيما بعد (1مل 11: 3). وذهب ليتزوج من أسرة مقدسة من أقارب أبيه وامه. ولم يكن يدري أن هناك مشاكل يمكن أن تلحقه من هؤلاء (القديسين) أيضًا، من خاله الذي خدعه، ومن أبنتي خاله في صراعهما معًا. ليئة الضعيفة العينين وراحيل الجميلة!

وهنا نري حنان الله العجيب في تدخله بينهما: "رأي الرب أن ليئة مكروهة، ففتح رحمها. واما راحيل فكانت عاقرًا" (تك 29: 31).

لقد وقف الله إلي جوار ليئة الضعيفة المكروهة، كما وقف إلي جوار يعقوب الضعيف أمام أخيه عيسو. كانت راحيل شبعانة حبًا، لها العزاء البشري من محبة زوجها لها. أما ليئة فلم يكن لها سوي الله. لذلك عزاها الله بكثرة البنين. ورأت هي أن إنجابها للبنين سوف يجعل زوجها يحبها. وظاهر هذا من تسميتها لأبنائها..

تصوروا أن الأولاد الأربعة الأول الذين رزق بهم يعقوب، كلم قد ولدتهم له ليئة..

"حبلت ليئة وولدت إبنًا، ودعي اسمه روأبين، لأنها قالت إن الرب قد نظر إلي مذلتي. إنه الآن يحبني رجلي" (تك 39: 32).. حقًا إن شعورها بالذل، وأن زوجها لا يحبها لأنها فرضت عليه.. كان هذا أمرًا مؤثرًا.

"وحبلت أيضًا وولدت إبنًا. وقالت عن الرب قد سمع أني مكروهة، فأعطاني هذا أيضًا" (تك 29: 33). "ودعت اسمه شمعون "وهو إسم معناه (سماع) أي سماع الله لطلبتها.

وواضح من كل ذلك إن البنين ميراث من عند الرب، حسبما ورد في المزمور (مز 127: 3). أنها تقول في الولادة الأولي "الرب قد نظر إلي مذلتي "وتقول في الولادة الثانية "الرب قد سمع أني مكروهة فأعطاني هذا أيضًا "وكل هذا يؤيد قول الوحي الألهي أن الرب "فتح رحمها "ونفس هذا الكلام سنسمعه أيضًا فيما بعد عن أختها راحيل، إذ يقول الكتاب "وذكر الله راحيل، وسمع لها الله وفتح رحمها فحبلت وولدت" (تك 30: 22).

واستمرت ليئة في سلسلة الولادة..

فحبلت للمرة الثالثة "وولدت إبنًا،وقالت الآن هذه المرة يقترن بي رجلي، لأني ولدت له ثلاثة بنين. لذلك دعي أسمه لاوي" (تك 29: 34). وهو معناه (مقترن). "وحبلت أيضًا وولدت إبنًا. وقال هذه المرة احمد الرب لذلك دعي اسمه يهوذا" (تك 29: 35). ومعني الأسم هو حمد أو مدح.

ونلاحظ أن ليئة المكروهة ولدت (لأوي) الذي صار سبط الكهنوت. كما ولدت يهوذا الذي صار سبط الملك، ومنه أيضًا جاء المسيح له المجد.

ولما وصلت إلي هذا الحد، قال الكتاب مباشرة إنها "ثم توقفت عن الولادة (تك 29: 35). لقد أعظم رسالة. ولو أنها لم تلد بعد ذلك، لكان هذا يكفي. ويبدو أنه كان ينبغي أن يوجد فاصل بين السبط الذي يأتي منه المسيح وباقي الأسباط. ثم كان ينبغي أيضًا ان تتوقف لكي تعطي فرصة لأختها راحيل التي لم تعد تحتمل..

كانت راحيل في حاجة إلي نظرة عطف من عيني ليئة الضعيفتين.
 

هنا نقرأ في الكتاب أن "راحيل غارت من أختها، وقالت ليعقوب: هب لي بنين. وإلا فأنا أموت" (تك 30: 1).. مهما كان حب يعقوب لها فإن حرمانها من البنين أتعبها إلي حد إشتهاء الموت.. إن حب الأمومة غريزة عند المرأة. وأيضًا إن المرأة العاقر كانت تشعر بالعار وقتذاك (تك 30: 23). ولكن ما الذي يستطيع أن يفعله يعقوب من أجل راحيل، مادام البنون ميراثًا من عند الرب؟! وهنا نري يعقوب الهادئ، لأول مرة يحتد علي راحيل التي يحبها. فيقول الكتاب "فحمي غضب يعقوب علي راحيل. وقال "العلي مكان الله الذي منع عنك ثمرة البطن؟! "تك 30: 2).

وهنا تتذكر راحيل قصة جدتنا سارة، وفكرة التبني، بأن تحصل علي إبن عن طريق جاريتها..

فقالت ليعقوب "هوذا جاريتي بلهة. أدخل عليها فتلد علي ركبتي، وأرزق أنا أيضًا منها بنين" (تك 30: 3). أنه نفس كلام سارة مع أبينا إبراهيم عن جاريتها هاجر "أرزق منها بنين" (تك 16: 2)..! إن الزوجة لا تستريح إطلاقًا أن يدخل علي امرأة أخري. ولكن يبدو أن هذه كانت حالة إستثنائية، للحصول علي ابن عن طريق التبني. وهي حالة لم تكن سارة وراحيل فقط ترضاها، وإنما بالأكثر تطلبها..!!

و العجيب أن هذه الوسيلة البشرية كانت نتيجتها سريعة!!

وولدت بلهة إبنًا ليعقوب، فرحت راحيل جدًا. وقالت: قد قضي لي الله. وسمع أيضًا لصوتي وأعطاني إبنًا.لذلك دعت أسمه دان (تك 30: 5، 6). وكلمة دان معناها يقضي (ومنها كلمة الدينونة). وعادت بلهة فحبلت أبنًا ثانيًا ليعقوب. فقالت راحيل "مصارعات الله قد صارعت أختي وغلبت. فدعت اسمه نفتالي". تك 30: 7، Cool. وهو إسم معناه مصارعتي) وعجيب أن راحيل اعتبرت نفسها صارعت وغلبت، بالتبني عن طريق إبن تلده جاريتها.

وحينئذ اضطرت أختها ليئة، أن تدخل معها في نفس ميدان التبني، بابن تلده جاريتها.

لم تكتف بالأبناء الأربعة الذين ولدتهم هي من رحمها. وإنما أخذت جاريتها زلفة

وأعطتها ليعقوب زوجة". فولدت له إبنين: الأول أسمته (جاد)، والثاني أسمته (أشير).

علي أن ليئة لم تكتف بكل ما صار لها من بنين، سواء من ولدتهم أو من تبنتهم من جاريتها.

وأخيرًا استأجرت يعقوب من راحيل يعقوب من راحيل بلفاح إبنها.

و اللفاح نبات له رائحة طيبة. وكان قد وجد رأوبين في الحقل وأعطاه لأمه ليئة فطلبته منها راحيل فإعطتها إياه في مقابل أن تترك لها يعقوب تلك الليلة. فكان أن أنجبت إبنها الخامس، ودعت اسمه (يساكر) ومعني الاسم (يعمل بأجرته) (تك 30: 14، 18)، . ثم عادت ليئة فولدت إبنًا سادسًا ليعقوب أسمته (زبولون). ومعني هذا الاسم سكن أو إقامة. وقالت "الآن يساكنني رجلي، لأني ولدت له ستة بنين" (تك 30: 21).

وهكذا كانت ليئة الزوجة المكروهة هي الأكثر إنجابًا، ولدت ليعقوب أولادة بقدر ما ولدته الجاريتان وراحيل.

واخيرًا أفتقد الله راحيل في مذلتها، وفتح رحمها. وولدت يوسف، قائلة: قد نزع الله عاري (تك 30: 22-24). ومعني اسمه (يزيد). لأن راحيل قالت في ذلك "يزيدني الرب أبنًا آخر". وصارت ليوسف محبة كبيرة جدًا في قلب راحيل وفي قلب أبيه يعقوب، هذا الذي جاء أخيرًا بعد فترة طويلة من العقم، تعلمنا أنه لا يأس. فالله قادر أن يمنح العاقر إبنًا مهما طالت المدة..

وما اكثر ما كانت لأبناء العواقر أهمية خاصة أو عظيمة خاصة في التاريخ.

مثل ذلك صموئيل ابن حنة وكانت عاقرًا، وكانت ضرتها الولود (فننة) تغيظها (1صم 1: 2- 6). وقد صار صموئيل نبيًا عظيمًا، وهو الذي مسح داود ملكًا (اصم 16: 13). ومن قبل داود مسح شاول ملكًا (1صم 10: 1). ومن أبناء العواقر يوحنا المعمدان. وكانت أليصابات أمه عاقرًا (لو 1: 7). وقد قال السيد المسيح عن يوحنا إنه اعظم من ولدته النساء (مت 11: 1). يكفي أنه عمد المسيح. شمشون الجبار أيضًا كانت أمه عاقرًا (قض 13: 2). وقد منحه الله قوة عظيمة. وصنع به خلاصًا عظيمًا لشعبة.

علي أن راحيل في رحلة العودة، زادها الله إبنًا ثانينًا. وكانت ولادة متعسرة ولدت وماتت.

ذلك هو (بنيامين) أصغر أبناء يعقوب (تك 35: 16- 19). وقد أحبة يعقوب جدًا، وبخاصة بعد أن حرم من يوسف زمنًا طويلًا. هو طويلًا. وهو ويوسف إبنًا راحيل المحبوبة. ويبدو ان أبناء الزوجة المحبوبة يكونون محبوبين من زوجها. أنه صراع طويل بين زوجتي يعقوب، أحتمله هو في هدوء. وكانت نتيجته 12 ابنًا، ثم ابنة.

وفي إنجاب البنين تساوت راحيل مع الجاريتين!

ليئة أنجبت ستة بنين وابنة. وكل جارية أنجبت ابنين، وراحيل أيضًا أنجبت ابنين وماتت. ودفنت راحيل في طريق افراثة التي هي بيت لحم. ونصب يعقوب عمودًا علي قبرها (تك 35: 19، 20).

كانت حياة يعقوب كلها صراعًا..

انتهي الصراع مع أخيه عيسو، ليدخل صراع بين زوجتيه، وصراع مع خاله لابان، ثم دخل في صراع مع الله ليعينه علي مقابلة عيسو في رحلة العودة. ثم صراع بين أولاده وشكيم، وصراع آخر بين أولاده وأخيهم يوسف ولهذا كان يتكلم من قلبه، ومن خبرات حياته، حينما قال لفرعون:

"أيام سني غربتي مئة وثلاثون سنة، قليلة وردية، كانت أيام سني حياتي" (تك 47: 9).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
النهيسى
عضو مميز



كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف  M3ane5
المساهمات : 412
نقاط : 620
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 08/06/2014

كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف  Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف    كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف  Puce-pالأحد يونيو 15, 2014 4:10 am

 يعقوب أبو الآباء: رحلة العودة إلى بيت أبيه، وصراعه مع خاله لابان

 

محتويات

    متى؟  وكيف؟

    العودة

    صراع مع لابان

    سرقت آلهتي!

    لا تعيش!

متى؟  وكيف؟

قبل أن يبدأ الرحلة إلي بيت خاله لابان، وعده الله "ها أنا معك، أحفظك حيثما تذهب، وأردك إلي هذه الأرض" (تك 28: 15). فماذا كان معني ذلك المعد "أحفظك؟

ليس المعني: أحفظك من التجارب، وإنما أحفظك في التجارب.

فقد تعرض أبونا يعقوب لبعض التجارب، ولكن الله كان معه في التجارب وأنقذه: لقد تعرض لصراع بين زوجتيه. ولكنه خرج من هذا الصراع سليمًا، ولم يخسر محبة أية واحدة منهما، بل انضمت الاثنتان إليه ضد أبيهما حينما انفصل عنه (تك 31: 14، 15). وكان الله معه، حينما فتح رحم راحيل فولدت له إبنًا (تك 30: 22). وصار هذا الإبن أحب أبنائه إليه. كما منحه أيضًا أبناء من باقي نسائه. وتعرض يعقوب أيضًا لصراع مع خاله لابان، كما تعرض لخوف شديد من ملاقاة أخيه عيسو. وكان الله معه في كلا الأمرين، كما سنري فيما بعد..

الأمر الثاني: وعده الله بأن يعيده إلي أرضه. ولكن متي حدث هذا؟

لقد قضي عشرين بعيدًا عن بيت أبيه: منها سنوات اشتغل أثناءها كأجرة للحصول علي زوجتيه. والباقي منها فترة إنجاب البنين، وكانت العشرون سنه كلها فترة تعب، قال عنها: "كنت في النهار ياكلني الحر، وفي الليل الجليد. وطار نومي من عيني" (تك 31: 41). وفي كل هذا التعب كان الله معه. وخلال الست سنوات التي اشتغل فيها للحصول علي غنم، تدخل الله وساعده كثيرًا، فصار غنيًا جدًا "أتسع كثيرًا جدًا. وكان له غنم كثير، وجوار وعبيد وجمال وحمير" (تك 30: 43). لدرجة أن هذا الغني أثار عليه خاله لابان "ونظر يعقوب وجه لابان، وأذا هو ليس معه كأمس وأول من أمس" (تك 31: 2). وأيضًا كان الله معه.

موضوع الغنم المخططة وغير المخططة، يبدو أنه أسلوب بشري لجأ إليه يعقوب. ولكن الله وافق عليه، ليرد إليه ما سلبه منه لابان (تك 30: 32- 40).

أنه الله الذي يحكم للمظلومين. كما سنراه فيما بعد يحكم لبني يعقوب ضد فرعون وشعبه، هذا الذي سخرهم في العمل بدون أجر (خر 12: 35، 36). وأمام هذا الغني، انطبقت علي يعقوب ولابان تلك العبارة المؤثرة التي قيلت عن إبرآم ولوط من قبل إنه "لم تحتملها الأرض أن يسكنًا معًا" (تك 13: 6). فكان لابد أن يعتزل أحدهما عن الآخر..


العودة

"وقال الرب ليعقوب: ارجع إلي أرض آبائك وإلي عشيرتك، فاكون معك".

أخيرًا بعد عشرين سنة، حقق الله وعده الذي قال له فيه "وأردك إلي هذه الأرض (تك 28: 15). حقًا "ليس لكم أن تعرفوا الأزمنة والأوقات التي جعلها الآب في سلطانه" (أع 1: Cool. وكانت لله حكمة معينة في تحديد وقت رجوع يعقوب إلي بيت أبيه، فماذا كانت؟

أولًا: لكي لا يرجع إلي بيت أبيه فارغًا. وإنما يكون معه أولاده ونساؤه وجواريه، وكل غناه.. وثانيًا يكون الله قد هيأ قلب عيسو من نحوه، فلا يؤذيه. وبدأ يعقوب يخطط لرحلة العودة. ونلاحظ في ذلك:

2 اتفاقه مع زوجتيه، والحصول علي رضاهما:

جميعهما وكلمهما في صراحة، وشرح لهما الأمر: كيف أنه بكل قوته قد خدم أباهم الذي غيرت أجرته عشر مرات، وغدر به، وتغير وجهه من نحوه. ولكن الله كان معه، وقال له ملاك الله في حلم "قد رأيت كل ما يصنع بك لابان (تك 31: 4- 12). ووافقت ليئة وراحيل وقالتا له "ليس لنا نصيب وميراث في بيت أبينا.. الآن كل ما قاله لك الله أفعل" (تك 31: 14، 16)

4 وحسب طبيعة يعقوب وخوف، رأي أن يكون رحيلة سرًا.

أخذت مغادرته بيت خاله لابان شكل الهروب.." وخدع يعقوب قلب لابان الأرامي، إذ لم يخبره أنه هارب" (تك 31: 20).


صراع مع لابان

لم يكن لابان مخلصًا في علاقته مع يعقوب.

 علي الرغم من أنه قبله فرحًا في بادئ الأمر باعتباره ابن أخته، إذ "ركض للقائه وعانقه، وأتي به إلي بيته.. وقال له "أنما أنت عظمي ولحمي" (تك 29: 13، 14). وعلي الرغم من أنه لما اشتغل يعقوب في رعي غنم لابان، قال لابان "ألانك آخى تخدمني مجانًا؟! أخبرني ما هي أجرتك؟! (تك 29: 15). إلا أن لابان لم يكن مخلصًا ليعقوب كما قلنا. والأدلة كثيرة منها:

1 خدعه في زواجه من راحيل.

فبعد ان خدمه بها سبع سنوات، أدخل إليه ليئة بدلًا منها. ولما احتج علي ذلك يعقوب وقال له "لماذا خدعتني؟! أجابه "لا يفعل هكذا في مكاننا أن تعطي الصغيرة قبل البكر". وألزمه أن يخدمه سبع سنوات آخر، في مقابل الابنة الثانية (تك 29: 27، 30) أي أن لابان قام بالخداع، وقام يعقوب بدفع الثمن.

2 ولم يكن مخلصًا من جهة الأجرة وطبيعة العمل.

فمن جهة الأجرة قال عنه يعقوب "غدر بي، وغير أجرتي عشر مرات" (تك 31: 7، 41). ومن جهة العمل، كان يحسب علي يعقوب وحده كل خسارة مشتركة. فعلي الرغم من أن غنم الاثنين كانت ترعي معًا، إلا أنه كان يحسب علي يعقوب كل الأغنام المسروقة التي افترستها الوحوش. وهكذا قال له يعقوب في عتابه معه "نعاجك وعنازك لم تسقط.. فريسة لم أحضر إليك. أنا كنت أخسرها. من يدي كنت تطلبها: مسروقة النهار، ومسروقة الليل.. لولا أن إله أبي إله إبراهيم وهيبة إسحق، كان معي، لكنت الآن قد صرفتني فارغًا" (تك 31: 38- 42).



3 وكان لابان أنانيًا في معاملته ليعقوب.

يكفي أنه قال له، وهو مزمع علي العودة إلي بيت أبيه "البنات بناتي، والبنون بني وكل ما أنت تري فيهو لي (تك 31: 43). عجيب أن يصدر هذا من خال نحو ابن أخته. من شخص قال له قبلًا "إنما أنت عظمي ولحمي" (تك 29: 14). ولكن يبدو أنه حينما تتدخل الذات ومحبة المال والقنية تسقط القيم والمبادئ، وحتى رابطة القرابة أيضًا..

4 ولم يكن لابان مخلصًا في مطاردته ليعقوب.

" أخذ أخوته (أي أقرباءه) معه، وسعي وراءه مسيرة سبعة أيام. فأدركه في جبل جلعاد" (تك 31: 23). لحق به وقد ضرب يعقوب خيامه في الجبل. فضرب لابان خيامه في جلعاد، وواجهه واتهمه.. اتهمه بالخداع وبالغباوة، وبأنه ساق بناته كسبايا السيف، وبأن حرمه من توديعه بنيه وبناته وتقبيلهم، وتشييعه هو أيضًا بالفرح والأغاني، وبالدف والعود!!(تك 31: 26- 28). ولم يكن صادقًا في كل ذلك

علي أن الرب الإله تدخل لإنقاذ يعقوب من لابان:

نعم الله الذي ينقذ الضعيف ممن هو أقوي منه. "أتي الله إلي لابان الأرامي في حلم الليل. وقال له: احترز من أن تكلم يعقوب بخير أو شر" (تك 31: 24). وأحدث هذا الإنذار تأثيره، إذ أن لابان -في مواجهته ليعقوب- قال له "في قدرة يدي أن أصنع بكم شرًا. ولكن إله أبيكم كلمني البارحة قائلًا: احترز من أن تكلم يعقوب بخير أو شر" (تك 31: 29). نلاحظ هنا انه يقول "إله أبيكم كلمني". ولم يقل "الله "أو إلهنا "!!

هل عجيب أن الله يكلم لابان، علي الرغم من شره وعبادته للأصنام؟

كلا. فإن الله قد يكلم الخطاة والأشرار: يعاقبهم أو ينذرهم أو ينصحهم لكي يتركوا ما هم فيه.. لقد كلم آدم وحواء في خطيئتهما، كما كلم الحية أيضًا: وفي كلامه عاقبهم جميعًا (تك 3: 9- 19). وكلم الرب قايين مرتين: قبل قتله لأخيه لكي ينذره، وبعد قتله لكي يعاقبه (تك 24: 6- 12). بل إن الله قد تكلم مع الشيطان نفسه في قصة تجربة أيوب الصديق (أي 1: 2). ليس العجيب إذن في أن يكلم الله مخلوقًا شريرًا
. إنما المهم هو نوعية الكلام وهدفة ما أكثر الذين كلمهم الله وهلكوا. أو كلمهم ثم سقطوا.


سرقت آلهتي!

العجيب أن لابان -بعد أن كلمه الله- قال ليعقوب "لماذا سرقت آلهتي"؟! (تك 31: 20) أذن كانت له آلهة أخري. كانت له أصنام سبق أن سرقتها راحيل (تك 31: 19). كيف أمكن لهذا الرجل أن يعبد آلهة يمكن أن تسرق؟! ولكن يبدو أن لابان كان يؤمن بتعدد الآلهة. واضح هذا من قوله (آلهتي)، ومن قوله في اتفاقيته مع يعقوب "إله إبراهيم، وإلهة ناحور، آلهة أبيهما، يقضون بيننا" (تك 31: 53).

وقد ثار يعقوب علي خاله لابان، اتهامه بسرقة أصنامه.

لأن اتهامه بالسرقة عمومًا أمر مشين لكرامته. واتهامه بسرقة الأصنام أمر ضد كرامة الله، وضد علاقته الشخصية بالله التي كان يحرص عليها. لذلك قال له "الذي تجد آلهتك معه، لا يعيش. قدام أخوتنا (أي أقاربنا) أنظر ماذا معي وخذه لنفسك "ولم يكن يعقوب يعلم أن راحيل سرقتها" (تك 31: 32).

ففتش لابان كل الأمتعة ولم يجد شيئًا. وخدعته راحيل بأن وضعت الأصنام في حداجه الجمل وجلست عليها "وقالت لأبيها: لا يغتظ سيدي أني لا أستطيع أن أقوم أمامك لأن علي عادة النساء. ففتش ولم يجد الأصنام" (تك 31: 35).


لا تعيش!

علي أن حكم يعقوب أبي الآباء -كنبي لله- لم يضع عبثًا.

لقد قال للابان "الذي تجد آلهتك معه لا يعيش". ومع ان لابان لم يجدها مع أحد، لكنها كانت موجودة مع راحيل.. ومع أن يعقوب لم يحكم علي راحيل بالذات، إذ أنه لم يكن يعلم أنها سرقت أصنام أبيها.. إلا أن حكمه وصل إلي سمع الله فاستجاب. وهكذا ماتت راحيل في طريق افراثه التي هي بيت لحم (تك 35: 19). ولم تكمل معهم الرحلة.

ما كان ممكنًا أن تدخل الأصنام إلي أرض الموعد.

وبخاصة عند بيت لحم التي كان سيولد فيها المسيح..

هذه الأصنام تدل علي أن راحيل قد تأثرت بالوثنية التي كانت في بيت أبيها. وكان لابد أن يخلص الله يعقوب منها عودته إلي بيت أبيه..

علي أن يعقوب عاتب خاله لابان، وقال له:

إنك قد جسست جميع أثاثي. ماذا وجدت من جميع أثاث بيتك؟! ضعه هنا بين أخوتي واخوتك لينصفوا بيننا" (تك 31: 37). ولم يكن ليعقوب اخوة في تلك المناسبة. ولم تكن له أخوة أيضًا في وقت إقامة شاهد بينهما من الحجارة، حينما "قال يعقوب لأخوته التقطوا حجارة" (تك 31: 45). ولكن عبارة أخوته كانت تعني الأقرباء ذوي القرابة الشديدة..

وإبرام يعقوب ولابان اتفاقية بينهما وعهدًا:

جمعوا حجارة وأقاموها رجمة وعمودًا. وقال لابان ليعقوب "شاهدة هذه الرجمة وشاهد العمود: أني لا أتجاوز هذه الرجمة إليك، وأنك لا تتجاوز هذه الرجمة، وهذا العمود إلي للشر" (تك 31: 52). وحلف يعقوب علي ذلك بهيبة أبيه إسحق. وتم هذا الفصل، الذي هو صراع يعقوب مع خاله لابان. وبقي أن ندخل في فصل آخر من صراعه في اللقاء مع أخيه عيسو ذلك من صراعه مع الله.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
النهيسى
عضو مميز



كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف  M3ane5
المساهمات : 412
نقاط : 620
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 08/06/2014

كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف  Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف    كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف  Puce-pالأحد يونيو 15, 2014 4:12 am

 يعقوب أبو الآباء في رحلة العودة: خوف من أخيه عيسو

 

محتويات

    رعبه من عيسو

    إجراءات اللقاء

    مباركة الله له

    لقاء عجيب للأخوين

انتهي أبونا يعقوب من مشاكله العائلية، من جهة صراعات زوجتيه، ومن مطاردة خاله لابان، وسار في طريق عودته إلي بيت أبيه.



رعبه من عيسو

لا أقول كان خائفًا من عيسو، بل كان مرتعبًا ومرتعدًا..

كان مرتعبًا منه، علي الرغم من كل وعود الله ومساندته له.

لعل عبارة عيسو كانت لا تزال ترن في أذنيه "أقوم واقتل يعقوب أخي" (تك 27: 41). ولعله كان يذكر كيف أخذ من أخيه البكورية. كيف استغل جوعه في ذلك اليوم،وقال له: بعني بكوريتك.. واحلف لي (تك 25: 31: 33). ولعله تذكر أيضًا كيف أخذ منه البركة بالخداع. كيف قال لأبيه "أنا بكرك عيسو". وكيف قال أبوه لعيسو "قد جاء اخوك بمكر، وأخذ بركتك" (تك 27: 19، 35).

كانت خطايا ارتكابها منذ عشرين عامًا، لا تزال تطارده وتزعجه..

لقد أخطأ منذ عشرين عامًا، أتري قد جاء الآن وقت الحساب..؟ أترى هل سيلتقي به عيسو في البرية -بعيدًا عن أبيه وأمه- وينتقم منه؟ لاشك أنه مذنب أمامه. والسنوات الطويلة التي مضت لم تمح الذنب بعد.. إن الله أن يغفر الذنوب. أما عيسو، فهل يستطيع أن يغفر؟! إنه صياد يعرف كيف يضرب بالنبال من بعد. ولا يتحرك قلبه حينما يجد فريسته تتلوي قدامه من الألم.. أتراه سوف يصيدني أنا أيضًا؟ هكذا كانت الأفكار تتعب يعقوب..

كان يدفع ثمن خطيئته خوفًا. الخوف يتعقبه مثلما تعقب هو عيسو أخاه (تك 27: 36) (تك 25: 26)

كان الخوف جزء من طبيعته، وكان يزيده آمران: شعوره بالذنب الذي اقترفه تجاه أخيه، ويقينه من شده أخيه وقسوته.. والمعروف أن البشرية لم تعرف الخوف إلا بعد الخطية ونتيجة لها، فأبونا آدم بعد أن أخطأ، خاف واختبأ وراء الأشجار (تك 3: Cool.

وخوف يعقوب أنساه وعود الله! أو لم تكن الوعود تطفي لطمأنته!!

كان الوعد الأول الذي سمعه من فم الله، هو: "ها أنا معك، وأحفظك حيثما تذهب، وأردك إلي الأرض. لأني لا أتركك، حوتي افعل ما كلمتك به" (تك 28: 15). وكان الوعد الثاني هو قول الرب له "أرجع إلي أرض آبائك وإلي عشيرتك،، فأكون معك (تك 31: 3). وفي المرة الثالثة قال له الله "أنا إله بيت إيل حيث مسحت عمودًا..الآن قم أخرج من هذه الأرض، وارجع إلي أرض ميلادك" (تك 31: 13).. ومادام الله هو الذي أمره بالرجوع، فهو الذي سيحفظه في رجوعه، حسب وعده الإلهي "أحفظك حيثما تذهب". ومع ذلك بقي يعقوب خائفًا!!

وكان لابد أن يعمل الله عملًا آخر ليزيل عنه الخوف:

ففيما كان يعقوب سائرًا في الطريق "لاقاه ملائكة الله. وقال يعقوب إذ رآهم: هذا جيش الله.." (تك 32: 1، 2). أن ملاكًا واحدًا يكفي لطمانه الخائف. ولكن يبدو أن خوف يعقوب كان بدرجة يحتاج فيها إلي ملاقاة جيش من ملائكة! هذا من جهة الإيمان. أما من جهة العمل فقد تصرف يعقوب هكذا:



إجراءات اللقاء

أرسل أولًا رسلًا قدامه إلي عيسو أخيه لاسترضائه.

"وأمرهم هكذا تقولون لسيدي عيسو: هكذا قال عبدك يعقوب: تغربت عند لابان: "ولبثت إلي الآن. وقد صار لي بقر وحمير، وغنم وعبيد وأماء. وأرسلت لأخبر سيدي لأجد نعمة في عينيك" (32: 3- 5).



وسنري أن عبارتي "سيدي وعبدك" ستتكرر أن كثيرًا منه.

بهاتين العبارتين سوف يسترضي قلب عيسو. لماذا؟ لأن البركة التي أخذها يعقوب هي "كن سيدًا لأخوتك. وليسجد لك بنو أمك" (تك 27: 29). وحينما طلب عيسو البركة من أبيه إسحق، قال له أبوه عن يعقوب "إني قد جعلته سيدًا لك. ودفعت إليه جميع أخوته عبيدًا.. فماذا اصنع لك؟!" (تك 27: 37). فكان يعقوب يقول لعيسو: أن كانت بركتي هذه تتعبك، فمن الآن سأقول لك (سيدي) وسوف أصير أنا (عبدك يعقوب). أما عن عبارة "يسجد لك بنو أمك "التي قيلت لي. فسوف تراني ساجدًا لك مرات عديدة، لتستريح..!

واستمر يعقوب في خوفه لما رجع رسله إيه..

عادوا إليه وقالوا له عن عيسو "هو أيضا قادم للقائك، ومعه اربع مائه رجل" (تك 32: 6). أربعمائة رجل؟! يا للهول. أن عيسو وحده مخيف ومرعب فكم يكون إذن، ومعه أربعمائة رجل؟! هنا ويقول الكتاب "فخاف يعقوب جدًا، وضاق به الأمر". فماذا فعل في خوفه وشعوره بالخطر القادم؟ "قسم القوم الذين معه، والغنم والبقر والجمال، إلي جيشين. وقال: أن جاء عيسو إلي الجيش الواحد وضربه، يكون الجيش الباقي ناجيًا" (تك 32: 7، 89. إذن أين إيمانك يا يعقوب بالوعود الإلهية المتكررة؟! وما مدي تأثرك بما رأيته من جيش الملائكة الذي ظهر لك؟! أن الخوف قد احدث شللًا في مشاعره..

 وهنا صلي يعقوب صلاه مؤثرة، قال فيها:

" يا إله أبى إبراهيم، وإله أبي إسحق، الذي قال لي: أرجع إلي أرضك وإلي عشيرتك، فأحسن إليك. صغير أنا عن جميع ألطافك وجميع الأمانة التي صنعت إلي عبدك. فإني بعصاي عبرت هذا الأردن. والآن قد صرت جيشين. نجني من يد أخي، من يد عيسو. لأني خائف منه أن يأتي ويضربني الأم مع البنين. وأنت قد قلت: أني أحسن إليك، واجعل نسلك كرمل البحر الذي لا يعد من الكثرة" (تك 32: 9- 12). وبات هناك في تلك الليلة.

ونلاحظ في صلاة أبينا يعقوب:

إنه ضعيف، ويعترف لله بضعفه. وهو خائف، ويعترف إمام الله بخوفه، وهو أيضًا يعترف بإحسانات الله إليه،
 ويعترف بأنه صغير عنها أي لا يستحقها. كذلك هو يذكر الله بوعوده له أنه سيجعل نسله كرمل البحر في الكثرة. فكيف يتحقق هذا الوعد، إن جاء عيسو فضرب الأم مع البنين. وهو في كل ذلك يطلب المعونة قائلًا من يد آخى.. لأني منه".

 ما أعجب هذا المر، أن يطلب أخ النجاة من أخيه.

ولكن الطبيعة البشرية هي هكذا: إن دخلها الشر، يمكن أن يؤذي الأخ أخاه: حدث هذا حينما قام قايين علي هابيل فقتله (تك 4: Cool. وحينما قال عيسو "أقتل يعقوب أخي" (تك 27: 41). وهكذا فعل فيما بعد أخوة يوسف الذين "احتالوا عليه ليميتوه" (تك 37: 18). لولا أن أنقذه من القتل، فباعه أخوته لقافلة من الإسماعليين (تك 37: 26، 28).. وأمر أبشالوم غلمانه فقتلوا أمنون أخاه (2صم 13: 28، 29). وفي الكتاب المقدس أمثله أخري لا داعي لذكرها الآن. نرجع إلي قصة أبينا يعقوب في خوفه من أخيه عيسو. فنقول كما أنه أرسل إليه رسلًا، وحاول استرضاءه بعبارتي (سيدي، وعبدك). واستئذانه في المجيء، وإخباره بما له من غنم وبقر وأبناء وجوار، حتى لا يفاجأ بهذا.. فإنه أيضًا:

حاول استرضاء أخيه بالهدايا. وكان كريمًا في هداياه.

أرسل إليه "مئتي عنز وعشرين تيسًا. مئتي نعجة وعشرين كبشًا. ثلاثين ناقه مرضعة وأولادها. أربعين بقرة وعشرة ثيران. وعشرين أتانًا وعشرة حمير. ودفعها إلي أيدي عبيده قطيعًا علي حده "ليجتازوا أمامه، جاعلين بين قطيع وقطيع (تك 32: 14-16). وقال "استعطف وجهه بالهدية السائرة أمامي، وبعد ذلك انظر وجهه" (تك 32: 20). الظاهر أن الله أراد أن ينقي أملاك يعقوب مما أخذه من لابان.

والعجيب ان يعقوب لم يخف عن أحد احترامه (لسيده) عيسو، وخوفه منه.

فعل هذا كما قلنا مع الرسل الذين أرسلهم إليه. وفعل كذلك مع العبيد الذين حملوا الهدايا "أمر الأول قائلًا: إذا صادفك عيسو أخي، وسألك قائلًا: لمن أنت؟ وإلي أين تذهب؟ ولمن هذا الذي قدامك؟ تقول: لعبدك يعقوب. هو هدية مرسلة لسيدي عيسو وهاهو وراءنا "وبمثل هذا الكلام أمر الثاني والثالث وجميع السائرين وراء القطعان (تك 32: 17-19).


مباركة الله له

كان لابد من بركة قوية تصحبه، قبل المرحلة الخيرة إلي اللقاء. عبر بأولاده وزوجتيه وجاريته وكل ماله عبر مخاضه يبوق، ثم بقي وحده، منتظرًا عمل الله..

أراد الله أن يرفع معنويات هذا الخائف، بأن يريه أنه يمكن أن يصارع ويغلب.

فظهر له في هيئة إنسان، يمكن ليعقوب أن يصارعه ويغلبه. تمامًا كأب يداعب طفله، ويظهر لهذا الطفل أنه يغلبه فيفرح..! وبدا أن يعقوب كان قويًا في مصارعته. وطلب منه صاحب الرؤيا أن يطلقه، ويعقوب يجيب: لا أطلقك حتى تباركني. فباركه. ولكن ضربه علي حق فخذه، فصار يخمع عليه

كان الله يريده أن يفرح بانتصاره، ولكن لا يكون انتصار سبب كبرياء له..

لذلك سمح له أن ينتصر، وغير أسمه إلي إسرائيل، قائلًا له "لأنك جاهدت مع الله والناس وقدرت" (تك 32: 22-28). ثم ضربه علي حق فخذه.. ودعا يعقوب أسم المكان "فنيئيل" قائلًا "لأني نظرت الله وجهًا لوجه، ونجيت نفسي" (تك 32: 30). كم مرة ظهر الله لهذا الله لهذا الضعيف ليقويه وينقذه من خوفه.


لقاء عجيب للأخوين

لا الرؤيا التي رآها يعقوب أفقدته تواضعه، ولا البركة التي نالها من الله.

 فلما رأي عيسو مقبلًا ومعه أربعمائة رجل، قسم أسرته إلي ثلاثة أقسام: الجاريتين وأولادهما أولًا، ليكونوا في مقدمة المواجهة. ثم ليئة وأولادها وراءهم، ثم راحيل ويوسف أخيرًا.. لكي تسجد كل مجموعة منهم أمام عيسو أخيه. "أما هو فاجتاز قدامهم، وسجد إلي الأرض سبع مرات حتى اقترب إلي أخيه" (تك 33: 3).

وهنا حدث أمر عجيب غير متوقع، انتصر فيه تواضع يعقوب علي قسوة عيسو!!

"فركض عيسو للقائه، وعانقه، ووقع علي عنقه وقبله، وبكيا" (تك 33: 4). لاشك أن يعقوب كان يحسب ألف حساب لهذا اللقاء، ويتصور أخطارًا مخيفة تحيط به. أما أن يركض عيسو للقائه ويقبله، فذلك أمر عجيب ما كان يتصوره..! أما بكاء عيسو الجبار، علي عنق أخيه يعقوب الذي أخذ منه البكورية والبركة، فهذا هو العجب العجاب..!!

كان الله يعمل في قلب عيسو أمام عيسو، فسأل يعقوب: ماذا منك كل هذا الجيش الذي صادفته؟

فأجاب باتضاع "لأجد نعمة في عيني سيدي". وحاول عيسو أن يمتنع عن قبول هدية يعقوب. فأجابه ذاك "إن وجدت نعمة في عينيك، تأخذ هديتك من يدي لأني رأيت وجهك كما يري وجه الله، فرضيت علي" (تك 33: 10). وألح عليه فأخذ..

حقًا، أن "الجواب اللين يصرف الغضب" (أم 15: 1). وهكذا كانت كلمات يعقوب.

لقد استخدم يعقوب مع عيسو كل الوسائل الممكنة: أرسل رسلًا، وأرسل هدايا كثيرة، وأستخدم التواضع العميق، في عبارتي سيدي وعبدك، وفي السجود إمامه هو وكل أسرته، وفي كلمات الاستعطاف "لأجد نعمة في عيني سيدي "رأيت وجهك كما يروي وجه الله"..

أمران لم يشأ يعقوب أن يستخدمهما أبدًا، وهما الكبرياء ومقابلة العنف بالعنف.

لم يذكر إطلاقًا أنه صاحب البركة والمواعيد الإلهية. ولم يضع أمامه عبارة: "كن سيدًا لأخوتك، وليسجد لك بنو أمك" (تك 27: 29). ولم يغتر بما رآه من رؤى، وما سمعه من عبارات الحفظ. ولم يضع في ذهنه إطلاقًا أن يستعد لمقابلة العنف بالعنف فقد كان باستمرار يشعر بضعفه

كما أنه استخدم أسلوب الحكمة في استعداده للقاء أخيه.

ولما دعاه عيسو أن يذهبا معًا، فضل أن يسير وراءه، معتذرًا بالغنم المرضعة، وبأنه لابد أن يسير علي مهل. لأن سيره وراء أخيه، علي مهله، أكثر آمنا..

ومرَّ ذلك اليوم الرهيب العجيب على خير.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
النهيسى
عضو مميز



كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف  M3ane5
المساهمات : 412
نقاط : 620
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 08/06/2014

كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف  Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف    كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف  Puce-pالأحد يونيو 15, 2014 4:13 am

 أبونا يعقوب مع مشاكل أولاده

 

محتويات

    مشكلة دينية

    خطية رأوبين

    يهوذا وكنته ثامار

    تمييزه في محبته لأولاده

    يوسف وأخوته

تحدثنا عن مشاكل زوجتيه، وصراعهما في إنجاب الأبناء. ونود الآن أن نتحدث عن مشاكل هؤلاء الأبناء، وقد كبروا وصاروا رجالًا، بعد عشرين سنة قضاها مع خاله لابان (تك 31: 41)، وسنوات أخري بعد انفصاله عن لابان حتى أن يوسف إبنه الأصغر حينما حدثت مشكلته مع أخوته كان عمره 17 سنه (تك 37: 2). وكانت لهم أيضًا أخت اسمها دينه، وصارت في سن يسمح لها بالزواج (تك 34: Cool..

فماذا كانت مشاكل هؤلاء الأبناء لما كبروا. نذكر هنا أهمها:

1 عدم عدله في محبته لأولاده.

2 مشكلة روابين البكر مع سرية أبيه.

3 مشكلة دينة. وقتل شمعون ولاوي لكل بيت شكيم.

4 مشكلة يوسف واضطهاد اخوته له.

5 مشكلة يهوذا مع كنته ثامار.

وقد كان موقف أبينا يعقوب مع كل مشاكل أبنائه موقفًا ضعيفًا..

مشاكله مع أخيه عيسو، ومع خاله لابان، كان يحلها مع الاحتفاظ بضعفه سواء في الحيلة التي اشتري بها بكورية عيسو. وفي هذه أيضًا كان يعقوب ضعيف أمام أمه رفقه (تك 27). وكذلك بالحيلة اخذ الغنم من لابان، وليس بالقوة (تك 30).



مشكلة دينية

حدث أنه لما نجا من أخيه عيسو، أنه "أتي إلي مدينة شكيم التي في أرض كنعان.. وابتاع قطعة الحقل التي نصب فيها خيمته من يد بني حمور أبي شكيم" (تك 33: 18، 19). "وأقام هناك مذبحًا".. من المعروف أن الكنعانيين كانوا أشرارًا، ويعبدون الأصنام. فلماذا يا يعقوب تذهب ألي هناك لتستقر؟ لعله يقول: قد أقمت هناك مذبحًا..! لعله أراد أن يجمع بين عبادة الله ومعاشرة الناس الأشرار!! ولم يأخذ درسًا من قصة لوط في سادوم، والقياس مع الفارق.. فماذا حدث له ولأبنائه في شكيم؟

خرجت ابنته دينه، لتنظر بنات الأرض، فنظرها شكيم وأحبها.. (تك (34: 1، 2).

إنه واجد من أولاد الأرض. رآها وأحبها. وأخطأ أليها ونجسها وأذلها. وكانت مشكلة اصطدام بها يعقوب. ولما سمع بالخبر، يقول الكتاب أنه سكت إلي أن جاء أبناؤه من الحقل. أما أبناؤه فعزموا علي أن يقتلوا شكيم وأباه وكل آهل بيته.. حمور عرض أن يعطوا دينة لابنه شكيم زوجة، ووافق علي كل ما يعرضونه من شروط، قائلًا "دعوني أجد نعمة في أعينكم. فالذي تقولون لي أعطي".. أما أبناء يعقوب فبمكر اشترطوا أن يختتن كل ذكر في المدينة، لأنهم لا يمكنهم أن يعطوا أختهم لرجل أغلف.. وقبل حمور وشكيم هذا الشرط..اختتن كل ذكور المدينة. وإذا كانوا متوجعين، أخذ شمعون ولاوي كل منهما سيفه وأتيا علي المدينة بأمن. وقتلا كل ذكر، وقتلا حمور وشكيم بحد السيف. ونهبوا كل ما في المدينة..

فماذا فعل يعقوب؟.. مجرد توبيخ لشمعون ولاوي!


قال لهما "كدر تماني بتكريهكما أياي عند سكان الأرض الكنعانيين والفرزويين وأنا نفر قليل. فيجتمعون علي ويضربوني أنا وبيتي" (تك 34: 30).. لم يوبخهما علي الغدر والمكر وقتل أناس بينهم عهد وأمان!! إنما كان سبب توبيخه لهما هو ضعفه وخوفه.؟أما هما فلم يعترفا بما ارتكباه من خطأ، أنما بررا ذلك بقولهم لأبيهما "أنظير زانية يفعل بأختنا؟! مع أن الناس سلكوا معهم بأسلوب ارقي من أسلوبهم!!

وكان لابد ليعقوب أن يترك تلك الأرض ويرحل.

علي أنه قبل أن يموت، وحينما حان الوقت ليبارك أولاده، تذكر خطيئة شمعون ولاوي. فقال "شمعون ولاوي أخوان. آلات ظلم سيوفهما. في مجلسهما لا تدخل نفسي بمجمعهما لا تتحد كرامتي. لأنهما في غضبهما قتلا إنسانًا،وفي رضاهما عرقبًا ثورًا ملعون غضبهما فإن شديد، وسخطهما فإنه قاس.." (تك 49: 5-7). فقال له اله "قم اصعد إلي بيت إيل، وأقم هناك واضع هناك مذبحًا لله الذي ظهر لك، حين هربت منت وجه عيسو أخيك" (تك 35: 1). لو كان يعقوب من بادئ الأمر قد ذهب إلي بيت إيل، ولم يسكن في شكيم في أرض الكنعانيين، ما كانت دينه قد تنجست، وما كان شمعون ولاوي قد ارتكبا ما ارتكباه من غدر وقتل.. كل هذا يعطينا درسًا في اختيار البيئة التي نسكن فيها.. لأنه نتيجة السكني في بيئة لابان الذي يعبد الأصنام (تك 31: 30) وفي بيئة للكنعانيين.. نسمع عبارة عجيبة سجلها الكتاب، استعدادًا للذهاب إلي بيت إيل.. وهي:

 "فقال يعقوب لبنية ولكل من كان معه: اعزلوا الآلهة الغريبة التي بينكم وتطهروا وابدلوا ثيابكم" (تك 35: 2).

إنها عبارة روحية يقولها لأبنائه، وهو ذاهب إلي أرض مقدسة. ولكن لماذا لم يقلها "فأعطوا يعقوب كل الآلهة الغريبة التي في أيديهم، والأقراط التي في آذانهم. فطمرها يعقوب تحت البطمة التي عند شكيم" (تك 35: 4)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. فلما تخلص من أصنام أفراد أسرته، ولما ذهب إلي بيت أيل وبني مذبحًا للرب هناك نقرأ بعد هذا أنه ظهر الله ليعقوب أيضًا.. وباركه" (تك 35: 9). فدشن يعقوب مكانًا للرب هناك: نصب عمودًا في المكان الذي تكلم معه الرب، وسكب عليه سكيبًا وصب عليه زيتًا. ودعا أسم المكان بيت إيل.



خطية رأوبين

حدث بعد موت راحيل، أن رأوبين بكر يعقوب "ذهب وأضطجع مع بلهة سرية أبيه" (تك 35: 22). وبلهة هذه تعتبر في درجة أمه، لأنها امرأة أبيه، وهي أم أخويه دان ونفتالي (تك 35: 25).

يسجل الكتاب أن يعقوب سمع ما فعله رأوبين (تك 35: 22).. ولكنه لم يفعل شيئًا، ولم يؤدب رأوبين..!

كل ما في الأمر أن أبانا يعقوب قبل موته. وفيما هو يخبر أبناءه بما يصيبهم في آخر الأيام قال "رأوبين، أنت بكري قوتي وأول قدرتي، فضل الرفعة وفضل العز. فائرًا كالماء، لا تتفضل. لأنك صعدت علي مضجع أبيك حينئذ دنسته. علي فراشي صعد" (تك 49: 3، 4).

وهكذا نري أن مجد البكورية، لم يكن مقياسه بالسن. رأوبين هو البِكر حسب السن، ولكنه لا يتفضل.. ما كان له ولا لنسله نصيب في عظمة الكهنوت ولا في عظمة الملك. ولم تكن له الهيبة التي يقود بها أخوته، لما أرادوا التخلص من يوسف (تك 37: 22- 29).


يهوذا وكنته ثامار

"أخذ يهوذا زوجه لبكره عير، أسمها ثامار. وكان عير بكر يهوذا شريرًا في عيني الرب، فأماته الرب" (تك 38: 6، 7). ورفض ابنه الثاني أونان أن يقيم نسلًا لأخيه من ثامار، فأماته الرب أيضًا (تك 38: 8-10). ولما لم يعط يهوذا لثامار ابنه الثلث شيله، دبرت له حيلة لتسقطه معها، وتنجب منه نسلًا!! بعد موت امرأة يهوذا، ذهب إلي تمنه. وفي الطريق راي امرأة حسبما زانية فدخل إليها وزني معها، وهو لا يعرف أنها كانت تغطي وجهها (تك 38). وانكشف الأمر أخيرا"ً، وأنجبت منه توأمين هما فارص وزارح. واعترف يهوذا وقال "هي أبر مني، لأني لم أعطها لشيله ابني".


تمييزه في محبته لأولاده

كما كان أبونا يعقوب يحب راحيل أكثر من محبته لأختها ليئة وقد سبب هذا صراعًا بين الأختين ومشاكل عديدة..

كذلك أحب ابني راحيل يوسف وبنيامين أكثر من أبناء ليئة، وخمن باقي الأبناء. وقد سبب هذا مشاكل سوف نرويها أحب يوسف فمنحه قميصًا ملونًا سبب حسد أخوته. وأحبه فبكي عليه كل أيامه. وأحبه حتى في ميراثه، فمنحه الضعف، سبطين هما افاريم ومنسي. وأحب بنيامين بعد يوسف، وظهر ذلك في قصة إرساله إلي مصر. ولكن محبته لبنيامين لم تسبب مشاكل مع أخوته، بل دافعوا عنه بكل قوتهم أمام يوسف.


يوسف وأخوته

أما مشكلة يوسف بن يعقوب مع أخوته الذين تحايلوا لكي يقتلوه، فسوف نخصص لها فصلًا خاصًا من هذا الكتاب (من ص 70: -إلي ص 77)..

وحينما نتحدث عن يوسف، نتحدث عن فاصل في حياة يعقوب يقسمها إلي قسمين:

حياة يعقوب قبل أن تبدأ قصة يوسف، والنصف الثاني من حياته حينما بدأ طريق لقائه مع يوسف، بل إن هذا النصف الثاني أصبح جزءًا من حياة يوسف.

فلنبدأ إذن قصة يوسف..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
النهيسى
عضو مميز



كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف  M3ane5
المساهمات : 412
نقاط : 620
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 08/06/2014

كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف  Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف    كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف  Puce-pالأحد يونيو 15, 2014 4:19 am

 يوسف الصديق

 

محتويات

    شخصية يوسف

    يوسف الشخصية المحبوبة

    خطأ في طفولة يوسف

    كان ناجحًا، وكان الرب معه

    فضائل أخرى

بإنجاب البنين استراح أبونا أبو الآباء من الصراع بين زوجتيه ليئة وراحيل ولكنه دخل في مرحلة صراع أخري في محيط الأبناء.

نلاحظ أنه كما أن يعقوب أحب راحيل أكثر من ليئة، كذلك أبني راحيل يوسف وبنيامين، أكثر من جميع أبناء ليئة. علي أن الله -تبارك اسمه- عوض ليئة عن هذا الأمر، فجعل السلطة كلها في نسل ليئة. إذ جعل الكهنوت في سبط لاوي وهو ابن ليئة، وجعل الملك في سبط يهوذا، وهو أيضًا ابن ليئة. بل أن السيد المسيح نفسه ولد من سبط يهوذا، أي من نسل ليئة كذلك. يوسف هو أول ابن ولد ليعقوب من راحيل. وبولادته بدأت مرحلة هامة في تاريخ هذه الأسرة، بحيث تحول تاريخها من أبينا يعقوب إلي أنه يوسف.

وأصبح علينا أن نتحدث عن يوسف باعتباره عنصرًا أساسيًا، ثم نعود أخيرًا إلي أبينا يعقوب.


شخصية يوسف

تميزت شخصية يوسف بعدة أمور منها:

1 كان إنسانًا محبوبًا.

2 كان ناجحًا وحسن التدبير. وكان الرب معه.

3 كان مثالًا في العفة.

4 كان رجل أحلام، كما كان مفسرًا للأحلام.

5 كان صبورًا، حتى حول الله الشر إلي خير.

6 كان بارًا بأبيه، وبأخوته الذين ظلموه.

7 كان أفضل (وزير تموين) عرفته مصر.

وسنتناول الآن الصفات واحدة فواحدة..



يوسف الشخصية المحبوبة

1- كان يوسف هو الابن المحبوب لأبيه. فلماذا؟

· كان كما قلنا أنه ابن الزوجة المحبوبة راحيل.

· قد ولد بعد فترة طويلة من الانتظار، حينما فتح الله رحم راحيل فولدته، وقالت "قد نزع الله عاري. ودعت أسمه يوسف" (تك 30: 22- 24). ودائمًا يكون الابن محبوبًا، إذ ما ولد بعد طول اشتياق: مثل إسحق بالنسبة إلي إبراهيم (تك 22: 2)، ومثل صموئيل بالنسبة إلي حنة أمراه ألقانه (1صم 2: 1). ومثل يوحنا (المعمدان) بالنسبة إلي أبيه ذكريا (لو 1: 67: 69).

· وبالنسبة إلي أبينا يعقوب إسرائيل كان يوسف محبوبًا منه، لأنه ابن شيخوخته. وهكذا يقول الكتاب "وأما إسرائيل فأحب يوسف أكثر من سائر أبنائه، لأنه أبن شيخوخته (تك 37: 3).



· وكان يوسف أيضًا جميلًا. قال عنه الكتاب إن كان "حسن الصورة وحسن المنظر" (تك 39: 6). وهذا الجمال صفه خص بها الله بعض شخصيات الكتاب المشهورة: مثل موسي النبي (عب 11: 23) وداود النبي أيضًا (1صم 16: 18).


2- وكما كان محبوبًا من أبيه كان محبوبًا في بيت فوطيفار.

· كان محبوبًا من فوطيفار "فوكله علي بيته، ودفع إلي يده كل ما كان له... فترك كل ما كان له في يد يوسف. ولم يكن يعرف شيئًا إلا الخبز الذي يأكل" (تك 39: 4، 6)

· وامرأة فوطيفار أيضًا، أحبت يوسف. ولكنها انحرفت له.. (تك 39: 7- 10).



3- وحتى في السجن. كان يوسف محبوبًا كذلك.

"فدفع رئيس بيت السجن إلي يد يوسف جميع السري الذين في بيت السجن. وكل ما كانوا يعملون هناك، كان هو العامل. ولم يكن رئيس بيت السجن ينظر شيئًا ألبته مما في يده" (تك 39: 22، 23). وفي السجن أيضا كان موضع محبة وثقة المسجونين. وهكذا وثق به رئيس سقاة فرعون ورئيس خبازيه، وقصًا عليه حلميهما لكي يفسرهما لهما..



4- وكان يوسف محبوبًا من فرعون أيضًا:

" ومحسن كلام يوسف في عيني فرعون جميع عبيده. فقال فرعون لعبيده: هل نجد مثل هذا، رجلًا فيه روح الله "ثم قال فرعون ليوسف: انظر قد جعلتك علي كل أرض مصر. وخلع من يده وجعله في يد يوسف. وألبسه ثياب بوص، ووضع طوقًا من ذهب عنقه. وأركبه في مركبته الثانية. ونادوا أمامه أركعوا "وقال فرعون ليوسف: بدونك لا يرفع إنسان يده لا رجله في كل أرض مصر (تك 41: 37-44).

· وعن هذا الأمر قال يوسف لأخوته فيما بعد أن الله "جعلني أبًا لفرعون، وسيدًا علي كل بيته، ومتسلطًا علي كل أرض مصر" (تك 45: Cool..



5- علي أن محبة يعقوب ليوسف، سبب له حسدًا في قلوب أخوته!

ذلك لأنه "صنع له قميصًا ملونًا. فلما رأي أخوته أن أباهم أحبه أكثر من جميع أخوته، ابغضوه ولم يستطيعوا أن يكلموه بسلام" (تك 37: 3، 4). وهنا نلمح خطأ في أبينا يعقوب: فكما أنه لم يعدل بين أبنائه. وكان لذلك أثره الذي تسبب في عداوة يوسف له، وصلت إلي محاولتهم قتله (تك 37: 18). وهكذا صار يعقوب عثرة لبنيه في تصرفه..

موضوع القميص الملون درس يقدمه لنا الكتاب:

درس في أن الأب يجب ألا يثير الأخوة بمعاملة واحد منهم أفضل من الباقين، حتى لا يحقدوا عليه. كذلك علي الأم أن تكون عادلة في معاملتها لأبنائها. فأن أنجبت أبنا جديدًا لا يصح أن تعطيه حنانًا مبالغًا فيه أمام الطفل الأكبر منه، بل تعطي الطفل الأكبر فرصة أن يحب الصغير، وكأنه لعبة جديدة أحضرها له والداه.

لا تظنوا أن الأطفال ملائكة لا يتأثرون ولا يغيرون؟

ما أكثر العراك الذي يقوم بين الأطفال من أجل لعبة يتميز بها أحدهم، أو بسبب ملابس، أو نوع من الحلوى، أو لون من التدليل أو المعاملة المفضلة.. لذلك أن كان لك طفلان، وأحضرت لهمًا لعبًا، اشتر من كل لعبة اثنتين متشابهين، لكل واحد منهما واحدة تشبه الأخرى. وأن قلت لواحد منهما كلمه مديح، قل مثلها أو ما يشبهها للأخر حتى لا تثير أحدهما الآخر..

تصوّروا، حتى رسل المسيح تعبوا من هذه النقطة ذاتها، وبلا سبب من جهة المسيح!!

فلما أتت أم أبني زبدي إلي السيد المسيح وقالت له "قل أن يجلس ابناي هذان: واحد عن يمينك والآخر عن يسارك في ملكوتك"، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. ومع أن السيد لم يستجب لهذه الطلبة قال لها، "أما الجلوس عن يميني وعن يساري، فليس لي أن أعطية إلا للذين اعد لهم من أبي (مت 20: 21- 23).. إلا أنه علي الرغم من هذا يقول الإنجيل "فلما سمع العشرة (الرسل)، اغتاظوا من اجل الآخرين الأخوين" (مت 20: 24).. فإن كان هذا قد حدث مع الرسل، فلماذا إذن عن باقي الناس! إن الإنسان الكامل هو الذي يحب الكل. أن الله يشرق علي الصالحين والطالحين، ويمطر علي الأبرار والشرار. أن أنجح مربي، هو الذي يشعر كل واحد أن له محبة خاصة في قلبه هو بالذات.. وهذا ما ينبغي أن يراعيه خدام التربية الكنسية سواء مع الأطفال أو مع الشبان.. لقد فرح يوسف بالقميص الملون، ولم يدر أنه سيكون سببًا لمشاكله. وأبوه يعقوب ظن أنه بهذا القميص يقدم خيرًا لإبنه، ولم يدر أنه سيقدم به التجارب والضيقات لهذا الابن الصغير المحبوب!


خطأ في طفولة يوسف

لم يكن القميص الملون هو السبب الوحيد لتجارب يوسف..

إنما كان حديثه عن أحلامه هو سبب آخر..

ربما كان إنسانًا بسيطًا من النوع الذي يقال عنه "أن "الذي علي قلبه، هو علي لسانه" ولكن في الواقع إن أحاديثه عن أحلامه سبب حسدًا من أخوته له، بل أيضًا سببت لهم غيظًا له، وتقدمًا له عليهم!! وهكذا يقول الكتاب:

" وحلم يوسف حلمًا وأخبر أخوته، فازدادوا أيضًا بغضًا له (تك 37: 5).

قال حلمت "هنا نحن حازمون حزمًا في الحفل، وإذا حزمتي قامت وانتصبت. فاحتاطت حزمكم وسجدت لحزمتي "فماذا كان رد الفعل عند أخوته لما سمعوا حلمه هذا؟ لقد قالوا "له "ألعلك تملك علينا ملكًا، أم تتسلط؟ "وازدادوا أيضًا بغضًا له من أجل أحلامه ومن أجل كلامه" (تك 37: 6-Cool.

لم تكن حكمة منه أن يخبر أخوته بحلم يخضعهم فيه له.

والأسوار من هذا أنه حلم حلمًا أخر له نفس المغزى، وقصه علي أخوته أيضًا (تك 7: 9): قال إني قد حلمت حلمًا أيضًا. وإذا الشمس والقمر واحدًا عشر كوكبًا سأجده لي "فحسده أخوته. أما أبوه فحفظ الأمر في قلبه. غير أنه انتهر أمام أخوته، وقال له "ما هذا الحلم الذي حلمت؟!" هل نأتي أنا وأمك وأخوتك ونسجد لك؟!".

أحلام التمجيد يليق بها الإخفاء، حتى لا تثير حسًا.

بل من الصالح أن يخفيها الإنسان عن نفسه، أي لا يعود يتذكرها، حتى لا تسبب له ارتفاع القلب من الداخل. ربما أن يوسف لم يضع في قلبه مثل لك النتائج.. أو أنه لم يستطيع أن يحتمل إخفاء الحلم، دون أن يخبر به غيره وببساطه فعل، ولكنها بساطة غير حكيمة.. علي أن أمر هذه الأحلام لم يكن بسيطًا علي أخوته. فلما ذهب لكي يفتقدهم في المرعي. ورأوه من بعيد، واحتالوا أن يميتوه "قال يعضهم لبعض: هوذا هذا صاحب الأحلام قادم" (تك 37: 18، 19).

 خطأ أخر وقع فيه يوسف، وهو توصيل النميمة.

كان ابن سبع عشرة سنة، وكان يرعي الغنم مع أخوته أبناء امراتي أبيه (جاريتيه بلهفة وزلفة. يقول الكتاب "وأتي يوسف بنميمتهم الرديئة إلي أبيهم" (تك 37: 2). كان خطأ أن يفعل هذا، ولو أن الكتاب لم يذكر لنا النتائج السيئة لهذا الخطأ.. نقطة اخري في شخصية يوسف، وهي أنه:


كان ناجحًا، وكان الرب معه

ينطبق عليه ما قيل في المزمور الأول عن الرجل البار إنه "كل ما يعمله ينجح فيه (مز 1: 3). كان ناجحًا كغلام يرعي الغنم. وقد نجح في افتقاده لأخوته وطلب سلامتهم (تك 37: 12- 17). وكان يوسف ناجحًا في بيت فوطيفار. فقيل عنه "وكان الرب مع يوسف، فكان رجلًا ناجحًا. وكانت بركة الرب في بيت المصري.

وكان يوسف أنجح سجين، وأنجح وزير تموين.

قيل عنه "أن الرب كان معه ومهما صنع كان الرب ينجحه" (تك 39: 23). لذلك ترك رئيس بيت السجن كل شيء في يده. أما نجاحه كوزير تموين، فواضح من أنه أنقذ مصر من المجاعة، في حكمة مدي سبع سنين، وكذلك البلاد المجاورة.


فضائل أخرى

1 كان أنسانًا مثالًا للعفة والطهارة الجسد. وهذا ما سوف نتحدث عنه، حينما نذكر قصته مع امرأة فوطيفار.

2 كان لا يكافئ الشر بالشر، ولا ينتقم لنفسه، وهذا ما سوف نتحدث عنه في لقائه في مصر مع أخوته.

3 كان إنسانًا بارًا بأبيه. وهذا ما حدث حينما استضافه في مصر، وقدمه لفرعون، واعتني به طول فترة المجاعة. واهتم به وبإكرامه بعد موته.

4 كان إنسانًا حكيمًا حسن التدبير. وقد ظهر هذا في حسن تدبيره لبيت وأملاك فوطيفار، وأيضًا في حسن تدبيره لتموين مصر أثناء المجاعة. وقد شهد فرعون لحكمته، ولذلك قلده شئون مصر.

5 كان أمينًا من نحو الله، واسم الله علي لسانه في أرض غربته.

6 كان بارًا بأبيه وأسرته. ولم يستح -وهو في علو رتبته- من أن أباه وإخوته مجرد رعاة. وقدمهم هكذا لفرعون.

7 كان حساس المشاعر. وقد بكي تأثرًا وحبًا في مواقف متعددة كما نري في قصة حياته.

 والآن نتحدث عن علاقته بأخوته.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
النهيسى
عضو مميز



كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف  M3ane5
المساهمات : 412
نقاط : 620
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 08/06/2014

كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف  Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف    كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف  Puce-pالأحد يونيو 15, 2014 4:22 am

 يوسف الصديق، وكم قاسى من إخوته

 

محتويات

    تدرج إلى أسوأ

    مجموعة خطايا

    ضمير نقي ضعيف

    ضمائر ضالة رخيصة

    يوسف في التجربة

    نتائج الخطية

    مشاعر الأب

    التدبير الإلهي

    يوسف رمز المسيح

    فوائد روحية

يتحدث الناس عن محبة الأخوة، ولكنها ليست قاعدة ثابتة. فلم توجد هذه المحبة عند قايين الذي قتل هابيل أخاه. ولم توجد عند عيسو الذي قال: أقوم وأقتل يعقوب أخي" (تك 27: 41). كذلك لم توجد عند أبشالوم الذي قتل أخاه آمنون (2صم 13: 28- 32). وحدث هذا أيضًا بالنسبة إلي أخوة يوسف الذين أرادوا أن يقتلوه (تك 37: 18- 20).
  
تدرج إلى أسوأ

بدأت القصة بحسدهم له بسبب قميصه الملون.

قال الكتاب أنهم أبغضوا لأن أباهم أحبه أكثر منهم "ولم يستطيعوا أن يكلموه بسلام" (تك 37: 4). كان يمكنهم أن يكسبوا محبة أبيهم بأعمال فاضلة وبطريقة سليمة. ولكنهم لم يفعلوا. وكان رد فعلهم هو بغضتهم لأخيهم!! وكان بإمكان يعقوب أبيهم أن يعالج الأمر بأن يهديهم قميصانًا كأخيهم، في يوم عيد مثلًا. ولكنه لم يفعل، وبدأت الأمور تتعقد

وزادت بغضتهم لأخيهم بسبب أحلامه وكلامه.

حلم يوسف حلمًا ان حزمهم سجدت لحزمته. واخبر أخوته بذلك الحلم. وهنا لم يقابلوه بالبغضة الصامتة، وأنما واجهوه بمشاعرهم، وقالوا له: ألعلك تملك علينا ملكًا وتتسلط علينا تسلطًا. وازدادوا أيضًا بغضًا له بسبب أحلامه، ومن أجل كلامه" (تك 37: 5- 9). وهنا أخطأ يوسف بحديثه عن حلمه.

هناك أمور حسنة. إن تحدثنا عنها، تجلب لنا حسد الناس وأيضًا حسد الشياطين.

وبخاصة لو كانت الأمور تحمل مقارنة بيننا وبين الغير. مثل حلم يوسف الذي يعني سجود أخوته له. كان ينبغي أن يكتمه، فلا يحدثهم عنه. وأن لم يستطيع الكتمان كان يمكنه أن يقص الحلم علي أبيه وحده.. ولكنه لم يفعل. بل إنه لما حلم حلمًا آخر والقمر واحد عشر كوكبًا ساجدة لي". وفي هذه المرة انتهره أبوه وقال له: ما هذا الحلم الذي حلمت. هل نأتي أنا وأمك ونسجد لك؟! وحسده أخوته (تك 37: 9-11).

لم يأخذ يوسف درسًا من مشاعر أخوته بسبب حلمه الأول. وأضاف حطبًا علي النار كلها دروس لنا، لكي لا نتحدث عن الأمور التي يكون فيها مظهر عظمة لنا، حتى لو كانت من الناحية الروحية، كما يتحدث البعض عن اختبارات روحية تحمل لونًا من الفخر! ما أعظم السيدة العذراء التي لم تتحدث إطلاقًا عن أمجاد البشارة بالحبل المقدس، وما كان فيها من ظهورات ملائكة، ووعود إلهية، وتطويب القديسة أليصابات لها، ومباركة سمعان الشيخ وحنة النبية... بل "كانت تحفظ جميع هذه الأمور في قلبها" (لو 2: 51). رؤي العذراء وأحلام يوسف النجار (مت 1، 2) كانت كلها من الله، كما كانت أحلام يوسف الصديق. ولكن حديث يوسف الصديق. ولكن حديث يوسف أحلامه سبب له ضررًا، لأنها كانت تحمل تفوقه علي أخوته الذين حدثهم بها.. تضايقوا منه حتى أسموه (صاحب الأحلام) استهزاء به (تك 37: 19)..

يوسف أبغضه أخوته، ولكنه لم يبغضهم.

علي الرغم من أنهم "لم يكلموه بسلام "ثم أظهروا بغضهم بعد حديثه عن حلمه الأول.. كانت وصية الرب "أحسنوا إلي مبغضيكم" (مت 5: 44) موجودة في قلب يوسف قبل أن يقولها السيد المسيح بحوالي ألفي عام! كما نفذ وصية "لاتزن "قبل أن تكتب علي لوحي الشريعة بألف وأربعمائة عام. لأن قلبه كان نقيًا، يعمل بوصية الله قبل ان يقولها الله علانية!! كان يتفهم مشيئة الله، بضميره بالشريعة الطبيعية.،

فلما أوصاه أبوه بافتقاد أخوته، خر ج يسأل عن سلامتهم.

كانوا يرعون الغنم وتأخروا. فخرج يفتش عليهم في الجبال والتلال ووصل من حمور إلي شكيم، حتى تاه وضل الطريق. ولم يعتذر بصعوبة الأمر (تك 37: 15). وأرشده رجل إلي الطريق ووصل إلي أخوته. فلم يقدروا له هذا الجميل، بل حينما ابصروه قالوا: "هوذا صاحب الأحلام قادم. هوذا صاحب الأحلام قادم. هلم نقتله" (تك 37: 20)
 
مجموعة خطايا

فكروا في قتله، وتحايلوا علي ذلك. وقالوا "نطرحه في أحدي الآبار، ونقول إن وحشًا ردئيًا قد أكله. فنري ماذا تكون أحلامه "!! وهكذا يكونون قد فكروا في القتل، وفي الخديعة وفي الغش، وفي الإساءة إلي أبيهم الذي كانت نفسه متعلقة بابنه يوسف، بالإضافة آبى حسدهم لأخيهم، وبغضتهم له.. وبهذا يكونون قد وقعوا في مجموعة من الخطايا..

بل أكثر من هذا يكونون قد قاوموا مشيئة الله!

لأنه إن كان الله قد أعلن مشيئته في الحلم، أن يسجدوا ليوسف فلابد أنهم سيسجدون له، مهما فكروا في قتله.. وعبارة "نري ماذا تكون أحلامه، معناها أيضًا "ماذا ستكون مشيئة الله؟!". أي أنهم سوف يعطلون تلك المشيئة الإلهية بقتلهم يوسف!! يشبه هذا الأمر قول عيسو "أقتل يعقوب أخي". بينما كانت مشيئة الله أن يصير كل منهما شعبًا. والكبير (أي عيسو) يستعبد للصغير (أي يعقوب) (تك 25: 23). إن أخوة يوسف لم يكونوا فقط ضد يوسف، بل كانوا بالأكثر ضد الله. ولم يضعوا الله أمامهم ولم يؤمنوا أنه قادر علي تنفيذ مشيئته مهما فعلوا بأخيهم، ومهما تحايلوا. غير أن رأوبين أخاهم حاول أن ينقذ يوسف. فقال لهم "لا نقتله.. لا تسفكوا مًا. اطرحوه في هذه البئر التي في البرية.. وكان يفكر أن ينقذه من أيديهم ليرده إلي أبيه (تك 37: 21، 22).
 
ضمير نقي ضعيف

رأوبين كان هنا يمثل هنا القلب النقي، ولكنه ضعيف.

علي الرغم من أن رأوبين كانت له أخطاؤة الأخرى، إلا أنه هنا لم يكن موافقًا لأخوته علي جريمة القتل. وكان في قلبه حنو أخيه، ووفاء نحو أبيه. ولكن لم تكن له القوة التي بها يصرح بذلك، ولا القوة التي يقول بها لأخوته إنهم مخطئون، علي الرغم من أنه كان البكر، وله بذلك سيطرة علي أخوته. ولكنه كان أضعف من أن يقول الحق، وأضعف من أن يدافع عن يوسف.

كان ضعيفًا مع أن الموقف كان سهلًا.

 كانوا أحد عشر أخًا (لأن بنيامين الصغير لم يكن بينهم). ويبدوا أن يهوذا أيضًا كان رافضًا لعملية القتل، كما ظهر فيما بعد بقوله "ما أن نقتل أخانا ونخفي دمه؟! تعالوا فنبيعه للأسماعيليين. ولا تكن أيدينا عليه، لأنه أخونا ولحمنا. فسمع له أخوته" (تك 37: 26، 27). فلو أن رأوبين رفض قتل يوسف، ومعه يهوذا، وطبعًا يوسف، تصبح هناك ثلاثة آراء ضد ثمانية. وكان ممكنًا إقناع أثنين آخرين، وتكون الآراء مناصفة تقريبًا.. وعلي آيه الأمور كانوا سيخافون من أنكشاف جريمتهم، حتى لو كان رآوبين وحده ضدهم أو رأوبين ومعه يهوذا.

وهكذا كان رآوبين يمثل الحق الضعيف، والمتناقض. ويمثل الحلول المتوسطة غير الروحية.

لأنه إن كان قتل يوسف خطية، فإن إلقاءه في البئر خطية أيضًا، وربما تؤدي أيضًا إلي موته في البرية، أن لم يجد فرصة لإنقاذه. وأيضًا موت يوسف ربما يؤدي إلي حزن أبيه وموته. وعلي الأقل فقدان بركته. أن رأوبين يقدم حلًا متوسطًا ضعيفًا، ليست فيه قوة الحق، ولا قوة الصدق، ولا قوة البر، فلو مات يوسف في البئر (مع أنها كانت فارغه) يكون قد وصل معهم إلي أغراضهم. ولو خرج يوسف حيًا وأخبر أباه تكون فضيحة لهم.. علي آيه الحالات، وافقوا علي رأيه. وخلعوا عن يوسف قميصه الملون وألقوه في البئر (تك 37: 23، 24).

"ألقوا يوسف في البئر وجلسوا ليأكلوا طعامًا".

لست أدري بأي ضمير جلسوا ليأكلوا، وأخوهم في البئر؟! بل لعلهم كانوا مسرورين بما فعلوه!! أما رأوبين فكان قد تركهم إلي حين. وهذه كانت نقطة ضعف أخري فيه، إذ كيف يترك الغلام في أيدي من يبغضونه.
 
ضمائر ضالة رخيصة

وفي غيبة رأوبين باعوا يوسف للأسماعلين بعشرين من الفضة، فأتي الإسماعليون به إلي مصر.

بعشرين من الفضة؟ توزع علي عشرة أخوه: أي أن كل واحد منهم يأخذ قطعتين فقط مقابل بيع أخيه!! قطعة تقلقه نهارًا، وقطعة تؤرقه ليلًا!! ويكون ماذا قد انتفع؟ وكيف يوازن بين ضميره وثمنه؟! حقًا ما أرخص الإنسان؟! خما أرخص البائع والمباع؟! إن الشيطان حينما يجد ضمير الإنسان رخيصًا، يمكن أن يشتريه بأتفه الأثمان، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. هكذا كان ضمير يهوذا رخيصًا فباع سيده بثلاثين من الفضة، وكان ضمير أخوة يوسف رخيصًا فباعوا اخاهم بعشرين من الفضة!!

 وهل هذا كان ثمن من قالوا عنه أنه أخونا لحمنا (تك 37: 27)؟!

أقصي ما وصلوا إليه من الرحمة والحنو، أنهم باعوه بدلًا من أن يقتلوه. كانت هذه هي مقاييس الرحمة عندهم. وكان هذا هو معني الأخوة عندهم، حينما قالوا عن أخيهم إنه لحمنا!! هل هذا هو ثمنه ومعاملته؟!

فكروا أن يستبدلوا خطية كبيرة بخطية صغيرة.

أو ما يعتبرونها صغيرة في نظرهم، أن يباع أخوهم كعبد، ويصير عبدًا عند من يشتريه فاقدًا لحريته!! وبدأ بهذه تجارة للرقيق! بل أن ضميرهم قد استراح إنهم فعلوا خيرًا! ولم يفكروا مطلقًا ماذا سيكون مصير يوسف بعد هذا: أين سيعيش، ومع من؟ وكيف يكون مصيره؟
يوسف في التجربة
أما يوسف فكان صامتًا خلال كل ذلك. ولم يقاوم الشر حسب وصية السيد المسيح بعد ذلك (مت: 5: 39)

خلعوا عنه قميصه وألقوه في البئر. وترك نفسه فريسة في أيديهم. لم يقاوم ولم يناقش. كان "كشاه تساق إلي الذبح، كنعجة صامتة أمام جازيها. لم يفتح فاه: (أش 53: 7). ولما باعوه أيضًا، ظل صامتًا ولم يقاوم. وعلي رأي أحد القديسين، حينما سأل بعض الأخوة "من باع يوسف؟". فأجاب "كلا. بل باعه تواضعه لأنه لو قال أنا أخوهم "ما كان قد بيع.."

يوسف يمثل الشخص الذي لا يدافع عن نفسه.

لم يدافع عن نفسه أمام اخوته، لما نزعوا قميصه، ولما ألقوه في البئر، ولما باعوه كعبد.؟ ولم يدافع عن نفسه أمام فوطيفار لما ألقاه في السجن، وقد اتهمته المرأة ظلمًا. بل في كل ذلك ترك الله لكي يدافع عنه. كما قال موسى فيما بعد "الرب يقاتل عنكم وانتم تصمتون" (خر 14: 14). وفعلًا دافع الرب عنه..
نتائج الخطية

وبعد بيع يوسف عاد رأوبين، ولم يجد يوسف في البئر، فمزق ثيابه وقال "أنا إلي أين أذهب؟" (تك 37: 29، 30).

أستيقظ أخيرًا ضميره الضعيف. ورأي البشري لم ينفعه في إنقاذ أخيه. فبأي وجه سيقابل أباه، وهو البكر المسئول عن قيادة أخوته في غيبة أبيهم. إلي أين يذهب إذن؟ كيف سيواجه أباه. ماذا يقول له؟ خطيتهم نحو أخيهم نحو أخيهم قد تمت. وها. هو يواجهون نتجتها أو احدي نتائجها.

تمزيق رأوبين لثيابه، يذكرنا بغسل بيلاطس ليديه!

وذلك حينما غسل يديه وقال عن السيد المسيح "أنا برئ من دم هذا البار".. لم يكن بريئًا. وتمزيق الثياب كان يتم في الأمور الخطيرة جدًا. مثلما مزق عزار ثيابه لما رأي شعب الله قد خان خيانة وتزوج بالأجنبيات اللائي يقدنه بعيدًا عن الله (عز 9: 3). ومزق رئيس الكهنة ثيابه. لما اعتبر كلام المسيح تجديفًا حينما اعترف أنه الله" (مت 26:63- 65). ولكن ماذا ينتفع رأوبين بتمزيق ثيابه ؟ لابد من حل عملي.

وهنا اشترك معهم في خطية أخري يغطون بها خطيتهم في بيع يوسف.

فعلموا علي أن أباهم: أخذوا قميص يوسف الملون. وذبحوا تيسًا من الماعز، وغمسوا القميص في الدم. وأحضروه إلي أبيهم. وقالوا له "وجدنا هذا حقق أقميص أبنك أم لا. فتحقق وقال: هو قميص أبني. وحش رديء قد قتله. افترس يوسف افتراسًا.." (تك 37: 31- 33).

إن كثيرون إذا وقعوا إلي التورط في خطايا أخري.

وهكذا وقع أخوة يوسف في الكذب وخديعة أبيهم. وبهذا بعدما تخلصوا من يوسف تخلصوا من قميص الملون الذي كان يثير حسدهم. ولم تنكشف خديعتهم لأبيهم يعقوب الذي سبق من قبل وخدع أباه إسحق، حينما ألبسته أمه رفقه شبه قميص من جلد الماعز (تك 27: 16).
مشاعر الأب

"مزق يعقوب ثيابه، ووضع مسحًا علي حقويه. وناح علي ابنه أيامًا كثيرة. فقام جميع بنيه ليغزوه،. فأبي أن يتعزى.." (تك 37: 34، 35).

لاشك أن أبانا يعقوب فكر في قلبه أنه كان السبب في موت ابنه يوسف.. وكيف أنه أرسله في البرية وحده ليفتقد أخوته، وهو فتي صغير في السابعة عشر من عمره وليس في السن الذي يحمل هذه المسئولية الكبيرة، بينما أخوته الكبار قد تأخروا في المجيء، فإن كان الكبار في خطورة، فكم بالأولي أخوهم الأصغر منهم.. لذلك ناح علي أبنه وأبي أن يتعزي.. نسي يعقوب أحلام يوسف التي فيها سيسجد أخوته له. وفي نسيانه صدق أن يوسف قد مات وافترسه وحش رديء، فبكي ومزق ثيابه. ومن قبل كان أبوه إسحق قد نسي وعد الله لرفقه أبنها الكبير سيستعبد للصغير (أي يعقوب). فوعد بمباركة عيسو بدلًا من يعقوب. ولما تذكر قال: نعم، وليكن مباركًا" (تك 27: 4، 33).

العجيب آن أبناء يعقوب جاءوا ليعزوه، وهم الذين تسببوا في كل حزنه وبكائه، وهم الذين دبروا الخديعة، ويعرفون تمامًا أن يوسف حي في عبوديته ولم يمت حتى يعزوا أباه فيه. لاشك أن ينطبق عليهم المثل القائل "يقتل القتيل ويمشي في جنازته".. أي أنهم تسببوا في حزن ابيهم وجاءوا يعزونه في حزنه!وهكذا أضافوا إلي خطاياهم الكثيرة السابقة خطيئة الرياء..
 
التدبير الإلهي

وفيما كانوا يفعلون هذا الشر كله، كان الرب يدبر الخير ليوسف.

وقد لخص يوسف هذه القصة في قوله لأخوته فيما بعد أنتم قصدتم لي شرًا. أما الله فقصد به خيرًا.. ليحي شعبًا كثيرًا (تك 50: 20). أن الله كان يريد أن يجعل يوسف متسلطًا علي كل أرض مصر يدبر أمورها أثناء المجاعة لإحياء أهلها والشعوب المحيطة. ولكن يوسف كان فتي صغيرًا مدللًا محبوبًا من أبيه، محسودًا من أخوته. فأراد الرب أن يدربه بالتجارب حتى يصلح لتلك المسئولية التي أعدها له.. وهكذا سمح الله أن يفعل أخوة يوسف به كطل ما فعلوه، إذ أصبح ذلك جزءًا من الخطة الإلهية التي أعدها لتدريب يوسف.
يوسف رمز المسيح

وكان يوسف في كثير من هذه الأمور رمزًا للسيد المسيح.

يوسف كان محبوبًا من أبيه، والمسيح قال عنه الآب: هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت (مت 3). يوسف ذهب لافتقاد سلامة اخوته. والسيد المسيح جاء لخلاص العالم يوسف جاء لاخوته فلم يقبلوه. وقالوا هلم نقتله. والمسيح جاء إلي خاصته وخاصته لم تقبله بل أسلموه للقتل. يوسف خانه أخوته وباعوه بعشرين من الفضة. والمسيح خانه تلميذه وأسلمه بثلاثين من الفضه. يوسف صار عبدًا. والمسيح أخذ شكل العبد (في 2: 7). يوسف خرج من كل ذلك منتصرًا ممجدًا. والسيد المسيح صعد إلي السماء وجلس عن يمين الأب".
 
فوائد روحية

نستفيد من مؤامرات أخوة يوسف ضده دروسًا كثيرة نذكر من بينهما 3 نقاط:

1- حياة الإنسان هي في يد الله، وليست في يد الناس.

لا يهمنا ما يدبره الناس لنا، إنما ما يريده الله لنا. لم يكن المهم بالنسبة إلي يوسف مشاعر أخوته من نحوه، وما يدبرونه ضده مؤامرات. لقد حسدوه، وأبغضوه، وأرادوا قتله، وألقوه في البئر، وباعوا كعبد. ولكن كل ذلك يؤثر علي مصير حياته. ذلك لأن الله كان يريد الخير له. وهكذا أنت، آمن بأن حياتك في يد الله، وثق أنه "لن يقع بك أحد ليؤذيك" (أع 18: 10).

2- درس أخر: هو أننا لا تتعبنا البداية المؤلمة المهم هو النهاية السعيدة.

وكما قال الكتاب "نهاية أمر خير من بدايته" (جا 7: Cool. كانت البداية بالنسبة إلي يوسف تآمر أخوته عليه، وبيعه كعبد، واتهام ظالم من أمراه فوطيفار، وإلقاؤه في السجن لمدة طويلة. أما النهاية فكانت سعيدة. خرج من السجن إلي القصر، وصار أبًا لفرعون ومتسلطًا علي كل أرض مصر" (تك 45: Cool.

3- ما حدث ليوسف كان بركة له، وتأديبًا لأبيه.

فكما خدع أباه إسحق، خدعه أولاده. وكان هذا تأديبًا له، إذ بقي نائحًا. وكانت أيام غربته علي الأرض قليلة وردية (تك 47: 9).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
النهيسى
عضو مميز



كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف  M3ane5
المساهمات : 412
نقاط : 620
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 08/06/2014

كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف  Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف    كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف  Puce-pالأحد يونيو 15, 2014 4:24 am


كانت الطهارة التي في قلبه، اقوي من الإغراء الذي عرف بضميرة النقي أن الزني شر عظيم، قبل أن يسلم الله لوحي الشريعة إلي موسى النبي، وفيها الوصية السابعة "لا تزن" (خر 20: 14). لقد نفذ الوصية قبل أن تكتب في التوراة بمئات السنين. وكان في ذلك شاهدًا علي الشريعة الطبيعية، شريعة الضمير النقي التي سبقت الشريعة المكتوبة بآلاف السنين..
 
دفع ثمن بره

لقد فضل يوسف نقاوة القلب والجسد، مهما تكون النتائج، أو نقول:

فضل أن يكون أمينًا لله، ولو ألقي في السجن!

فضل العار والسمعة الرديئة، والاتهام الظالم الذي اتهمته به امرأة فوطيفار، عن أن يخطئ إلي الله.. فضل أن فقد محبة سيده، الذي يثق أن يد الله معه، وكان يعتقد أنه بركة لبيته..! من أجل ان يستمر طاهرا، فقد مركزه، وفقد حريته.. فقد الراحة والغني، وألقي في السجن..

حقًا إن البر له ثمن يدفعه الأبرار.

ولم يكن يوسف مجرد درس في الطهارة والعفة بل هو أيضًا في اتباع الموقف السليم مهما كانت النتائج صعبة. ومثله كان يوحنا المعمدان، حينما قال لهيرودس "لا يحل لك أن تأخذ امرأة أخيك.." (مت 14: 4)، ولو كانت النتيجة قطع رأسه.

الغريب أن تلك المراة الفاسدة، أخذت موقف المتعدي عليها!!

لما أمسكته من ثوبه، فترك ثوبه في يدها وهرب، "نادت أهل بيتها وكلمتهم قائلة: انظروا قد جاء إلينا برجل عبراني ليداعبنا. دخل إلي ليضطجع معي، فصرخت بصوت عظيم. وكان لما سمع أني رفعت صوتي وصرخت، أنه ترك ثوبه بجانبي وهرب وخرج إلي خارج "!! ولما رجع زوجها إلي بيته، كلمته بنفس الكلام (تك 39: 13- 18)!
 

وانطبق عليها المثل القائل "ضربني، وسبق فاشتكي"!

حاولت إغراءه فلم تستطيع. فأرادت أن تنتقم منه من جهة، وتغطي خطيتها من جهة أخري، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وهكذا أضافت إلي فسادها الظلم والقسوة والكذب والرياء.. وما أكثر ما تعرض بعض القديسين.

لم لمثل هذا اتهام.. مثال ذلك القديس مقاريوس الكبير والقديس افرام السرياني.. حقًا إن الباطل له طرقه وحيله وقوته!!

وبدأ ان الباطل قد انتصر علي الحق، من جهة فوطيفار أيضًا.

نعم، من العناصر المؤلمة في هذه الماساه: أن فوطيفار لم يفحص المر. لم يحقق لم يدقق، لم يسأل يوسف عما حدث. بل صدق كلام إمرأته. ولم يذكر بركة يوسف السابقة وأمانته، وكيف أن الله كان معه. وكانت اذنا فوطيفار أكثر تأثيرًا عليه من عقله وهنا يقول الكتاب:

"فحمي غضبه.. وأخذ يوسف ووضعة في بيت السجن" (تك 39: 19، 20).

إنه رئيس شرطة فرعون (تك 39: 1)، في مركز كبير يماثل وزيرًا للداخلية أو مديرًا للأمن العام له سلطان أن يلقي في السجن.." وضع يوسف في المكان الذي كان أسري الملك محبوسين فيه". ولم يدافع يوسف عن نفسه. وللمرة الثانية كان كشاة تساق للذبح، وكنعجة صامته أمام جازيها، فلم يفتح فاه" (أش 53: 7).. بل ربما كان احتقار سيده له، أقسي عليه من السجن الذي يدخله! احتقاره له كشاب فاسد، خان الأمانه والثقة، وتجرأ علي امرأة سيده الذي احسن إليه!!
 
يوسف في السجن

ألقاه رئيس الشرطة في السجن. وتصوروا سجينًا موصي عليه من رئيس الشرطة، ومتهمًا بانه أن يدنس شرف زوجة رئيس الشرطة!! مثل هذا كيف تكون معاملته في السجن؟! أتري كان يجول في ذهنه وقتذاك، أهذه عاقبة الطهارة والعفة؟ وأين حماية الله له؟! والعجيب أنه بعد إلقائه في السجن، يقول الكتاب:

"وكان الرب مع يوسف، وبسط إليه لطفًا" (تك 39: 21). وربما يتساءل البعض منا في عجب: أي لطف هذا يارب، الذي تحمل فيه يوسف الإتهام الظالم، والسمعة الرديئة، والسجن، مع الطرد من وظيفته؟! وكأني بالله المحب يهمس في قلب يوسف.

لا يهم أين توجد. المهم أن أكون معك حيثما توجد.

إن دخلت السجن، فأنا فيه معك: أرعاك وأحفظك، وأبسط لك لطفًا. وكأني بيوسف الوديع يجيب: مبارك أنت يارب. أنا بالإيمان مطمئن لرعايتك. ليس فقط داخل السجن، بل أيضًا "أن سرت في وادي ظل الموت، لا أخاف شرًا، لأنك أنت معي" (مز 23). إن الحرية خارج السجن، هي السجن الحقيقي، إن كنت لست معي وأنا معك، إن كنت قد أطعت تلك المرأة وبعدت عنك. أما السمعة الرديئة التي ألصقوها بي، وما يقوله بيت فوطيفار عني، فكلها أمور لا تهمني. لأن كل ما يهمني هو ما تقوله أنت يا رب عني.. وفعلًا عاش يوسف في السجن في وضع ممتاز وعجيب. وربما لم يتمتع به سجين من قبل. وفي ذلك يقول الكتاب:

"ولكن الرب كان مع يوسف، وبسط إليه لطفًا. وجعل نعمه له في عيني رئيس بيت السجن. فدفع رئيس بيت السجن إلي يوسف جميع الأسري الذين في بيت السجن. وكل ما كانوا يعملون هناك، كان هو العامل. ولم يكن رئيس بيت السجن ينظر شيئًا البتة مما في يده. لن الرب كان معه. ومهما صنع كان الرب ينجحه" (تك 39: 21- 23).
 
الله معه في السجن

وكما كان يوسف في بيت فوطيفار، هو العبد المتسلط علي كل شيء.. هكذا صار في بيت السجن، هو السجين المتسلط علي كل شيء..

وكما كان فوطيفار قد ترك كل شيء في يديه، هكذا أيضًا رئيس بيت السجن قد ترك كل شيء في يديه. وكما كان في بيت فوطيفار، كل ما يعمله ينجح فيه، هكذا كان في بيت السجن كل ما يعمله ينجح فيه. والسبب في كل ذلك أن الرب كان معه. وسنري نفس الوضع حينما يلتقي بفرعون: سيترك فرعون أيضًا كل شيء في يديه. وأيضًا كل ما يعمله سينجح فيه..

لم يكن يوسف السجين الوحيد، الذي كان الرب معه في سجنه...

كان القديس بولس الرسول سجينًا، وكان يصلي ويسبح الله في سجنه. وقد نجاه الله من السجن (أع 16: 25، 26). وقد كتب كثيرًا من رسائله في السجن.. وإن كان بولس الرسول قد كتب بعض. ورسائله أملاها عليه الروح القدس الناطق في الأنبياء، إذن روح الله كان معه في السجن. وكان القديس بطرس الرسول سجينًا. وكان مطمئنًا جدًا لدرجة أنه نام نومًا ثقيلًا. حتى أن الملاك الذي انقذه، ضربه في جنبه ليوقظه (أع 12: 6،7). وكان القديس يوحنا الرسول منفيًا في جزيرة بطمس. وكان الله معه. ورأي في منفاه عرش الله وملائكته، وكشف له الرب في المنفي أشياء كثيرة. إن أولاد الله لا يخافون السجون، لأنها لا تسجن أرواحهم. لأن أرواحهم تكون مع الله، يعزيها الله في سجنهم. حياة يوسف الصديق فيها آلام. وكانت فيها أيضًا تعزيات، وكان فيها عمل الله معه. والسجن كان هو الطريق الذي تعرف فيه يوسف علي رئيس سقاه فرعون الذي كان معه في السجن، وعن طريقه تعرف علي فرعون الذي أحبه وجعله متسلطًا علي كل أرض مصر. فكيف حدث هذا؟!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
النهيسى
عضو مميز



كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف  M3ane5
المساهمات : 412
نقاط : 620
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 08/06/2014

كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف  Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف    كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف  Puce-pالأحد يونيو 15, 2014 4:27 am

 يوسف والأحلام

 

محتويات

    أحلام من الله

    أحلام ليست من الله

    يوسف والأحلام

    خطة الله الحكيمة

    يوسف مفسر الأحلام

    انقلب الهوان مجدًا

كان يوسف الصديق رجل أحلام، ولكن أيضًا مفسرًا للأحلام.

أحلام كانت بدء مشكلته مع أخوته حتى أنهم لما رأوه قادمًا لافتقادهم -في بدء تآمرهم عليه- قالوا "هوذا صاحب الأحلام قادم. قادم. فالآن هلم نقتله.. فنري ماذا تكون أحلامه!" (تك 37: 19، 20). وفعلًا كانت أحلامه من الله، وقد تحققت..
 
أحلام من الله

والكتاب المقدس يرينا أن هناك أحلاما كثيرة من الله.

في مشكلة أبينا إبراهيم، لما قال عن سارة إنها أخته، وأخذها ابيمالك، يقول الكتاب "فجاء الله في حلم الليل. وقال له: ها أنت ميت من أجل المرأة التي أخذتها، فإنها متزوجة ببعل.." (تك 20: 3).." وقال له الله في الحلم: أنا أيضًا علمت أنك بسلامة قلبك فعلت هذا.. فالآن رد امرأة الرجل، فإنه نبي فيصلي لأجلك فتحيا" (تك 20: 6، 7).

وفي (تك 28: 12) أثناء هرب أبينا يعقوب من وجه أخيه عيسو، قيل عنه إنه "رأي حلمًا. وإذا سلم منصوبة علي الأرض، ورأسها يمس السماء. وهوذا ملائكة الله صاعدة ونازلة عليها. وهوذا الرب واقف عليها فقال..".

ونلاحظ في هذين الحلمين، أن الله كلم أبيمالك في حلم، وأنه كلم يعقوب في حلم وتحقق ما قيل في الحلمين.

وفي (تك 31: 10-13) نري أن الله قد كلم يعقوب في حلم بخصوص الفحول المخططة والرقطاء. وفي نهايته قال له "أنا إله بيت إيل حيث مسحت عمودا، حيث نذرت لي نذرًا. الآن قم وأخرج من هذه الأرض، وارجع إلي أرض ميلادك".

وفي نفس الإصحاح، لما أراد لابان أن يؤدي يعقوب، ظهر الله للابان في حلم الليل لينذره. وفي هذا يقول الكتاب "وأتي الله إلي لابان الأرامي في حلم الليل.. وقال له: احترز من أن تكلم يعقوب بخير أو شر" (تك 31: 24).

والسيد الرب قد صرح بأنه كان يكلم البعض في الأحلام. فلما انتقد هارون ومريم أخاهما موسي، وقال لهما الله مفصلًا موسي عليهما "إن كان منكم نبي للرب، فالرؤيا استعلن له، في الحلم أكلمه. وأما عبدي موسي فليس هكذا: بل هو أمين في كل بيتي. فما إلي فم وعيانا أتكلم معه" (عد 12: 6- Cool.

نعلم أيضًا أن الله كلم سليمان في حلم، إذ يقول الكتاب إنه "في جبعون تراءي الرب لسليمان في حلم ليلًا. وقال له أسأل ماذا أعطيك.." (1مل 3: 5). فطلب سليمان الفهم والحكمة..

وسفر دانيال النبي يعطينا فكر عن أحلام نبوخذ نصر الملك التي فسرها له دانيال النبي (دا 2، 4). بل الأحلام التي رآها دانيال نفسه كما ورد في (دا 7، Cool وغيره، وكانت وكلها من الله.

وسفر يوئيل النبي يعتبر هذه الأحلام من مواهب الله ومن عطايا الروح القدس فيقول: "ويكون بعد ذلك أني أسكب روحي علي كل بشر. فيتنبأ بنوكم وبناتكم. ويحلم شيوخكم أحلًامًا، ويري شبابكم رؤي" (يوئيل 2: 28).

وفي العهد الجديد نقرأ عن أحلام يوسف النجار التي هي وحي من الله: "ملاك الرب به فيها هو من الروح القدس" (مت 1: 20). كذلك "ملاك الرب ظهر ليوسف في حلم قائلًا: قم وخذ الصبي وأمه واهرب إلي مصر" (مت 2: 13) ثم "أذا ملاك الرب قد ظهر في حلم ليوسف في مصر قائلًا: قم وخذ الصبي وأذهب إلي أرض إسرائيل، لأنه قد مات الذين كانوا يطلبون نفسي الصبي" (مت 2: 19، 20).

نقرأ أيضًا عن المجوس أنهم "إذ أوحي إليهم في حلم أن لا يرجعوا ألي هيرودس انصرفوا في طريق أخري إلي كورتهم" (مت 2: 12).

نعرف أيضًا أن زوجة بيلاطس البنطي أرسلت إليه أثناء محاكمته للسيد المسيح قائلة: إياك وذلك البار، لأني تألمت كثيرًا جدًا في حلم من أجله" (مت 27: 19).

كل هذه وغيرها أحلام من الله، لها هدف إلهي.

ولكن ليس معني هذا أن كل الأحلام من الله، وأنها تتحقق!
 
أحلام ليست من الله

هناك أحلام كثيرة ليست من الله: أحلام من أمور مترسبة في العقل الباطن. وأحلام من حالة الجسد أثناء النوم. وأحلام من الشياطين. وفي بستان الرهبان أمثلة كثيرة من الأحلام التي ليست من الله، ومن التي يراد بها تضليل من يسير وراءها..

وقد قيل في سفر ذكريا النبي لأن الترافيم قد تكلموا بالباطل. والعرافون رأوا الكذب وأخبروا بأحلام كتب" (زك 10: 2).

والرب نفسه أوصي من جهة تلك الأحلام المضللة قائلًا: "إذا قام في وسطك نبي أو حالم حلمًا، وأعطاك آية أو أعجوبة، ولو حدثت تلك الآية أو الأعجوبة التي كلمك عنها، قائلًا لنذهب وراء آلهة أخري لم يعرفها وتعبدها. فلا تسمع لكلام ذلك النبي أو الحالم ذلك الحلم. لأن الرب إلهكم يمتحنكم لكي يعلم هل تحبون الرب إلهكم من كل قلوبكم.." (تث 13: 1-3).

أما عن ذلك الحالم حلمًا، فيقول الرب في نفس الإصحاح: "وذلك النبي أو الحالم حلمًا يقتل لأنه تكلم بالزيغ من وراء الرب إلهكم.. فتنزعون الشر من بينكم" (تث 13: 5).

يوحنا الدرجي (كليماكوس) يحذر أيضًا من الأحلام الكاذبة.
 
يوسف والأحلام

ما حلم به يوسف كان من الله. كان نبوءة. وقد تحققت.

حلم يوسف أن حزم أخوته سجدت لحزمته. فقال له أخوته "ألعلك تملك علينا ملكًا، أم تتسلط علينا تسلطًا؟!" (تك 37: Cool. لم يصدقوا الحلم، ولم يعتبروه من الله. إنما ازدادوا بُغضًا ليوسف.
 

ولما حلم أن الشمس والقمر وأحد عشر كوكبًا ساجدة له، لم يصدق أخوته هذا الحلم، ولم يعترفوا أنه من الله، بل حسدوا يوسف.

كان الحلمان رسالة من الله. لكنهم لم يتقبلوها. بل قاوموها!

وهكذا فكروا أن يقتلوا يوسف، باعتباره صاحب الأحلام (تك 37: 19، 20). أما أبوه فحفظ الأمر (تك 37: 11). ولكن عندما أخبروه أبناؤه بأمر القميص الملون الملطخ بالدم، وقالوا له "حقق أهو قميص أبنك. تحققه وقال "قميص أبني هو. وحش رديء أكله. افترس سوف افتراسًا. ومزق ثيابه ولبس مسحًا وناح علي أبنه (تك 37: 32- 34). ورفض أن يتعزي. وقال أني انزل إلي أبني نائحًا إلي الهاوية..

لقد نسي يعقوب حلمي يوسف وقتذاك. أما الله فاستمر يذكرهما.

هل يوسف أيضًا كان قد نسي الحلمين، حينما بيع كعبد، وحينما ألقي في السجن ظلمًا وطالت مدته فيه؟! أم اعتبرهما مجرد حلمين لا علاقة لهما بالواقع!! حينما باعه أخوته كان عمره 17 سنة (تك 37: 2). "وكان يوسف أبن ثلاثين سنه لما وقف قدام فرعون ملك مصر" (تك 41: 46).. أي أنه قضي 13 سنه في العبودية وفي السجن.

فهل آنسته الـ13 سنة وعود الله في الحلمين؟

كل ما طلبه من رئيس السقاه زميله المسجون معه في بيت السجن أن يذكره أمام فرعون ليخرجوه من بيت السجن الذي وضعوه فيه ظلمًا، قائلًا له "تصنع إلي إحسانًا وتذكرني لفرعون، وتخرجني من هذا البيت، لأني.. لم أفعل شيئًا حتى وضعوني في السجن" (تك 40: 14، 15). ولن سوف طلب هنا معونة بشرية، قيل في الرد عليها:

ولكن لم يذكر رئيس السقاة يوسف، بل نسيه" (تك 40: 33).

 ربما يوسف أرهقته سنوات الألم الثلاث عشرة، فضعف أمامها وطلب من رئيس السقاه أن يذكره رئيس السقاة، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. ولكن الملائكة كانت بلا شك تذكره أمام الله. وإن كان رئيس السقاه تذكره بعد سنتين (تك 41: 1) في مناسبة أعدها الله بنفسه، بحيث يكون لها تأثيرها. فكيف كان ذلك؟
 
خطة الله الحكيمة

كانت خطة الله أن يجعل يوسف متسلطًا علي كل أرض مصر. وأن يأتي أخوة يوسف ويسجدوا له، حسب وعده في الحلم.

ولكي يحدث هذا، كان لابد أن يتعرف فرعون علي يوسف ويثق به ويجعله ثانيًا له في المملكة. ولكي يحدث هذا، أرسل الله إلي فرعون علي يوسف ويثق به ويجعله ثانيًا له في المملكة. ولكي يحدث هذا أرسل الله إلي فرعون أحلامًا، وأعطي يوسف موهبة لتفسيرها. ولكي يرسل فرعون طالبًا يوسف، سمح الله ليوسف أن يفسر حلمين لاثنين يخدمان فرعون: أحدهما رئيس سقاته وثانيهما رئيس خبازيه. وقد دبر الله أن يكون يوسف زميلًا لهما في السجن. ولكي يدخل يوسف السجن ويلتقي بهما سمح الله أن تكيد ليوسف زوجة فوطيفار رئيس الشرطة. ولكي يتمكن يوسف من لقاء هذه المرأة، سمح الله أن يباع يوسف عبدًا لفوطيفار. ولكي يباع يوسف، سمح الله لأخوه يوسف أن يتآمروا ضده. وكسبب للتآمر أرسل الله أحلامًا ليوسف حسده بها أخوته، وفكروا أن يقتلوه، ثم خففوا المر فباعوه كعبد..

وهكذا اجتاز يوسف في ضيقات كثيرة، بدأت بأحلامه، وانتهت بتفسيره لأحلام، وانتهت بتفسيره لأحلام فرعون. وكانت هذه الضيقات هي الوسيلة التي أدت إلي تمجيد يوسف.
يوسف مفسر الأحلام

لا شك أنها موهبة من الله ليوسف. وقد نسبها يوسف إلي الله.

· عندما حلم رئيس السقاة ورئيس الخبازين، كل منهما حلمًا ولم يجد من يعبره (أي يفسره). "قال لهما يوسف: أليست لله التعابير؟ قُصًّا عليّ" (تك 40: Cool. فلم ينسب لنفسه المعرفة أو القدرة علي تفسير الأحلام. إنما قال أنها لله.

· وكان صريحًا صادقًا في تفسيره.

قال لرئيس السقاه "إنها ثلاثة أيام، ويردك فرعون إلي مقامك، فتعطي كأس فرعون في يده كالعادة الأولي حينما كنت ساقيه" (تك 40: 13)." فلما رأي رئيس الخبازين أن وسف قد عبر جيدًا "أي أتي لرئيس الساقيين بخبر طيب، قص عليه أيضًا حلمه، ظانًا أنه سيسمع نفس البشري. ولكن يوسف لم يجامله، بل كلمه بصراحة قائلًا "في ثلاثه أيام أيضًا، يرفع فرعون

رأسك عنك، ويعلقك علي خشبة، وتأكل الطيور لحمك عنك (تك 40: 19).. وقد كان. ولما حلم فرعون حلمين: أحدهما السبع بقرات السمينات التي أكلتها السبع بقرات الهزيلات. والثاني السبع سنابل الممتلئة التي ابتلعتها السبع سنابل الرقيقة المفلوجة.. ولم يستطع كل سحره مصر وحكمائها تفسير الحلمين. حينئذ تذكر رئيس السقاة يوسف، وقص خبره علي فرعون، فاستدعاه فرعون.

ونجد أن اسم الله استمر علي لسان يوسف، في حديثة مع فرعون. ونسب لله تفسير الحلمين، خمس مرات.

· لما قال له فرعون "أنا سمعت عنك قولًا إنك تسمع أحلامًا لتعبرها "أجاب يوسف فرعون قائلًا "ليس لي. الله يجيب بسلامة فرعون" (تك 41: 16).

· ولما قص عليه فرعون الحلمين. قال له: "حلم فرعون واحد. قد أخبر الله فرعون بما هو صانع" (تك 41: 25). وفسر حلم البقرات.

· وتفسيره لحلم السنابل، كرر نفس العبارة "قد أظهر الله لفرعون ما هو صانع" (تك 41: 28).. فأجع كل ما سيأتي في المستقبل إلي تدبير الله. أما تفسير الحلم فهو ما أراد الله أن يظهره لفرعون. وهكذا اختفي يوسف، لكي يظهر الله في الصورة أما فرعون.

· أما عن تكرار الحلم مرتين بنفس المعني. فقد قال عنه يوسف "لأن الأمر مقرر من قبل الله. والله مسرع ليصنعه" (تك 41: 32).

· ولم يكتف يوسف بتفسير الحلمين، بل قدم أيضًا النصيحة لفرعون فيما ينبغي أن يعلمه، من جهة أن يبحث عن رجل بصير وحكيم يجعله علي أرض مصر: ليخزن في سني الرخاء ما يصبح ذخيرة في سني الجوع (تك 41: 33- 36).

· وتكرار إسم الله 5 مرات في حديث يوسف مع فرعون، جعل إسم الله يكون أيضًا علي لسان فرعون، فقال لعبيده عن يوسف "هل نجد مثل هذا رجلًا فيه روح الله! ثم قال ليوسف "بعد ما أعملك الله كل هذا، ليس بصير وحكيم مثلك" (تك 41: 38، 39). وسلمه كل السلطة في مصر.
 
انقلب الهوان مجدًا

وذلك بأن تحول يوسف السجين إلي ملك علي كل مصر.. وقال له فرعون "بدونك لا يرفع إنسان يده ولا رجله في كل أرض مصر"، "أنظر قد جعلتك علي كل أرض مصر"، "وخلع فرعون خاتمه من يده، وجعله في يد يوسف. وألبسه ثياب بوص، وجعل طوق ذهب في عنقه. وأركبه في مركبته الثانية. ونادوا أمامه اركعوا. وجعله علي كل أرض مصر" (تك 41: 43). ولعل من الذين ركعوا له، فوطيفار سيده الأول!

كل ما كان يريده يوسف أن يخرج من السجن. وما كان يحلم بكل هذا. ولكن الله الكريم في عطائه، أعطاه ما لم يطلب.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
النهيسى
عضو مميز



كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف  M3ane5
المساهمات : 412
نقاط : 620
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 08/06/2014

كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف  Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف    كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف  Puce-pالأحد يونيو 15, 2014 4:29 am

 كيف التقى يوسف مع أخوته وأبيه

 

محتويات

    عمل الله في الوقت المناسب

    يوسف وشهادته لله

    يوسف المدبر

    يوسف مع أخوته

    جفاء يقودهم إلى التوبة

    التوبة والمذلة

    يوسف يظهر ذاته

كان في خطة الله، أن ينقذ يوسف من كل متاعبه. ولكننا نلاحظ في كل أحداث القصة أن الله يسمح بأن تأتي التجربة، ثم ينقذ منها بالطريقة الإلهية في الوقت المناسب.
 
عمل الله في الوقت المناسب

طلب يوسف من رئيس السقاة أن يذكره أمام فرعون ليخرجه من بيت السجن (تك 40: 14). ولكن رئيس السقاة "نسيه" (تك 40: 23). واستمر نسيانه لمدة سنتين.. والعجيب أن هذا النسيان كان في صالح يوسف.. إلي أن أرسل الله حلمين لفرعون. وجمع فرعون كل الحكماء والسحرة، فلم يستطيعوا تفسير الحلمين. وهنا تذكر رئيس السقاة يوسف الصديق، وقص علي فرعون حكمة يوسف في تفسير الأحلام. وكان ذلك بتدبير إلهي لكي يرفع شأن يوسف ويعوضه عن أيام التعب.

وهنا نري حكمة الله في العمل في الوقت المناسب.

· لو أن رئيس السقاة ذكر يوسف أمام فرعون، حالمًا رجع إلي منصبه، كان أقصي ما يصل إليه يوسف أن يخرج من السجن، ثم لا يعلم إلي أين يذهب بعد ذلك.

· كذلك لو أن فوطيفار لم يصدق امرأته في اتهامها الكاذب ليوسف، وقال لها إن هذا الشاب إنسان مبارك.. ولو أنه حقق في الأمر جيدًا واتضحت له براءة يوسف، لكانت النتيجة هي بقاء يوسف عبدًا أمينًا في بيت فوطيفار! وما كان قد أصبح الثاني في المملكة: يركع الكل أمامه، ومن ضمنهم فوطيفار طبعًا.." وبدونه لا يرفع إنسان يده ولا رجله في كل أرض مصر" (تك (40: 44). وطبعًا فوطيفار أصبح كالباقين لا يرفع يده ولا رجله إلا بأمر يوسف.

· كذلك أخوة يوسف: لو أن الله أنقذه من أيديهم وقتذاك، فلم يلقوه في البئر، ولم يبيعوه كعبد.. لبقي يوسف طول عمره مجرد راع للغنم.

· لذلك فإن تمنيات الإنسان شيء.. وما يعده الله له أعظم بكثير مما يتمني، ولو عن طريق التجارب والمتاعب.

· عن الله قد يسمح للخطاة أن يرتكبوا كل ما يشاءون ضد أولاده. ويبدوا كما لو كان الله ساكتًا لا يعمل..!! أو كما شكا داود قائلًا للرب في المزمور "لماذا تقف بعيدًا؟ لماذا تختفي في أزمنة الضيق؟!" (مز 10: 1).. ولكن في نفس الوقت الذي يظن فيه الإنسان المجرب أن الله بعيد عنه، يكون الله يدبر كل شيء في صالحه. وكما قال الرسول "كل الأشياء تعمل معًا للخير، للذين يحبون الله" (رو 8: 28).
 
يوسف وشهادته لله

وكما أن الله لم يتخل عن يوسف، كذلك يوسف لم يتخل عن الله.

ظل متمسكًا بالرب في كل المتاعب التي أصابته. وظل ثابتًا علي إيمانه. وكان اسم الله علي شفتيه في كل حديثه مع فرعون. لقد ذكر اسم الله أكثر من مرة أمامه (تك 41: 16، 25، 28، 32).. قال هذا وهو يعرف أن فرعون يعبد رع وآمون وأيزيس وأوزوريس وفتاح وغيرهم.. لكنه لم يقل أمامه سوي اسم الله (ألوهيم ويهوه). علي عكس أولئك الذين لا يذكرون اسم الله أمام الذين يعبدون غيره غما خجلًا أو خوفًا أو ضعفًا. لعل هذا يذكرنا بقول داود النبي للرب:

 "تكلمت بشهاداتك قدام الملوك ولم أخز" (مز 119).

أما الإنسان المخلص لإلهه، أسم الله علي لسانه أما الكل.. هكذا كان يوسف. ونري أن يوسف فيما بعد: لما رزقه الله بابنين، دعا اسم البكر منسي قائلًا: لأن الله أنساني كل تعبي." فلم ينس اسم الله في تسميه أبنه البكر. وكذلك بالنسبة إلي أبنه الثاني، دعاه افرايم قائلًا لأن الله جعلني مثمرًا في أرض مذلتي" (تك 41: 51، 52). ذلك لأن معني كلمي (إفرايم) هو الثمر المضاعف. هناك أشخاص إذا حلت بهم المشاكل أو المتاعب يتذمرون علي الله أو يجدفون عليه أو يشكون قائلين: لماذا يفعل الله بنا هكذا؟ وأين هي رحمته؟! وأين استجابة الصلوات؟! أما يوسف، وكذلك أيوب الصديق، لم يفعل أحد منهما هكذا..
 

يوسف لم يفسر فقط الحلمين لفرعون، بل قدم له الحل أيضًا.

 لم يكن مثل الكثيرين الذين يتحدثون عن المشاكل الذين يتحدثون عن المشاكل، دون أن يساهموا في ذكر الحلول، وكان الحل الذي قدمه حلًا عمليًا وحكيمًا، أعجب به فرعون، واعترف أن يوسف "رجل فيه روح الله "وأيضًا "بصير وحكيم". لذلك منحه كل السلطات لكي يقوم بنفسه بهذا الحل. فقام بذلك وأنقذ الشعب من المجاعة.

كان يوسف أمينًا في عمله ومدبرًا حكيمًا. كان انجح وزير تموين في كل تاريخ مصر.

كان مدبرًا ميدانيًا. لا يجلس علي مكتب ويصدر الأوامر. إنما كان ينزل إلي ميدان العمل ويشتغل. كان يخزن القمح بنفسه. وكان يبيع أحيانًا بنفسه. لقد أعطانا مثالًا عمليًا عن رجل العمل الناجح. قد يظن البعض أن الديانة مجرد صوم وصلاة وباقي أمور العبادة. أما يوسف فقدم لنا النموذج للديانة المخلصة في العمل، سواء في عمله مع فوطيفار، أو مع فرعون. وهكذا نفذ بكل دقه وبكل نجاح الخطة التي وضعها لإنقاذ مصر من المجاعة، بل إنقاذ كل البلاد المحيطة أيضًا. فأخوته أتوه من بلاد أخرى..

بقيه قصة مع أخوته. كيف قابلهم؟ وكيف تصرف معهم؟
 
يوسف مع أخوته

البلاد المجاورة جاعت هي أيضًا. فقال يعقوب لأبنائه "قد سمعت أنه يوجد قمح في مصر. أنزلوا إلي هناك، واشتروا لنا من هناك قمحًا ولا نموت" (تك 42: 1).

" فأتي أخوة يوسف وسجدوا بوجوههم إلي الأرض" (تك 42: 6).

سجدوا كما كان يسجدون الباقون أيضًا له.. بل سجدوا له بعد ذلك مرات عديدة. وتحققت أحلام يوسف التي هزأوا بها من قبل، حينما رأوه مقبلًا لافتقادهم وهو شاب "فقالوا بعضهم لبعض: هوذا صاحب الأحلام قادم. فالآن هلم نقتله.. فنري ماذا تكون أحلامه" (تك 37: 18-20).. أتريدون أن تعلموا ماذا تكون أحلامه؟ إنها أحلام من الله، وها هي قد تحققت. لقد عوضه الله عن آلامه، بتحقيق أحلامه..
 

أما يوسف فكان -في لقائه بأخوته- يدبر خطة معينة، يستطيع بها أن يلتقي أيضًا بأبيه وبأخيه الشقيق بنيامين الذي احتجزه أبوه معه فلم يحضر مع أخوته. لو أنه أعطاهم القمح بسهوله ورحلوا، ما كانت ستتحقق خطته. لذلك "تنكر لهم وتكلم معهم بجفاء "حتى يصل إلي ما يريده.
 
جفاء يقودهم إلى التوبة

وهنا نلاحظ ثلاث نقاط:

الأولي إنه عرفهم، أما هم فلم يعرفوه (تك 42: Cool. كما إنه من سؤاله لهم عرف أنهم من أرض كنعان، وان لهم أخًا مفقودًا، وأخًا صغيرًا يحبه أبوه.. أما النقطة الثانية، فهي أنه كان يتحدث معهم عن طريق "ترجمان كان بينهم" (تك 42: 23). كان يكلمهم بالهيروغليفية التي تعلمها وهو في مصر، وما كانوا هم يعرفونها. أما هم فكانوا يتكلمون بالعبرانية التي يعرفها، ولا يظنون مطلقًا. فكانت أحاديثهم الخاصة مكشوفة كلها أمامه، من حيث لا يعلمون.

أما النقطة الثالثة فهي انه كان يتصرف بجفاء من الخارج، بينما كان قلبه داخله مملوء حبًا.. وكان يتأثر أحيانًا من مذلتهم، ويبكي.

كان يقسو علي أخوته ظاهريًا. بينما لم تكن القسوة من طبعه. وهذه القسوة الظاهرية هي التي قادتهم إلي إدراك خطاياهم السابقة والندم عليها. حتى أنه حينما قال لهم "جواسيس أنتم. جئتم لتكشفوا الأرض.. أحضروا أخاكم الصغير إلي فيتحقق كلامكم" (تك 42: 9- 20).. حينئذ قالوا بعضهم لبعض:

"حقًا إننا مذنبون إلي أخينا، الذي رأينا ضيقة نفسه، لما استرحمنا ولم نسمع. لذلك جاءت علينا هذه الضيقة "وأجابهم رأوبين قائلًا: ألم أكلمكم قائلًا: لا تأثموا بالولد، وانتم لم تسمعوا، فهوذا دمه يطلب" (تك 42: 21- 23).

"فتحول يوسف عنهم، وبكي" (تك 42: 23). هكذا كان قلبه الرقيق الحساس، علي الرغم من كلامه معهم بجفاء..

كان بكاؤه حبًا وتأثيراً.. إنه لم يبك حينما ألقي في البئر وحينما بيع عبدًا. ولم يبك حينما أتهم ظلمًا، وألقي في السجن بدون تحقيق، وطالت مدته في السجن.. لكنه بكي حينما رأي أخوته مذلولين قدامه..! حقًا إنه هو الذي أذلهم. ولكنه في الداخل كان عطوفًا عليهم ويقودهم إلي التوبة.

أخوته لم يتمكن أبوهم من تربيتهم كما من تربيتهم كما ينبغي، فتولي يوسف تربيتهم. ونجح في ذلك.

كان يسويهم علي نار هادئة، وهادفة.. ولمعرفته بطباعهم وخبرته بهم، وكان يري أنه لو سلك معهم باللين علي طول الخط، لن يصل إلي نتجه معهم، وقد لا يري أخاه بنيامين، ولا يري أباه أيضًا.. ولكنه في حكمة استطاع أن يذكرهم بصورة ما فعلوه من قبل.. أولئك الذين بكل استهانة ألقوه في البئر، وجلسوا يأكلون ويتكلمون..! (تك 37: 24، 25).

وهكذا أخذ شمعون، وقيده أمام أعينهم (تك 42: 24). ولكن لماذا شمعون بالذات؟

ربما لأنه كان أعنفهم. هذا الذي اشترك من قبل مع أخيه لآوي، في قتل أهل شكيم ظلمًا، بعد أن اختنوا جميعًا طبقًا للاتفاق (تك 34: 25- 29). وهكذا أن أباه يعقوب في بركته الخيرة لأولاده قبل وفاته، قال شمعون ولاوي أخوان. آلات ظلم سيوفهما. في مجلسهما لا تدخل نفسي. بمجمعهما لا تتحد كرامتي.. ملعون غضبهما فإنه شديد، وسخطهما فإنه قاس" (تك 49: 5-7)..

لذلك أمر يوسف بتقييد شمعون أمام أخوته، ليريهم أن العنف الذي فيهم، هوذا ضعيف وذليل أمامه. لكي يخفض كبرياءهم، ولكي يخيفهم فلا يتمردون عليه.. كان قلبه يذوب اشتياقًا لرؤية شقيقه بنيامين. ولذلك قال لهم:

ليتحقق أن كلامكم صدق، اذهبوا واحضروا أخاكم الصغير (تك 42: 15، 16).

في الأول أمر بحسبهم جميعًا، وواحد منهم يذهب لإحضار الأخ الصغير. ثم تحنن عليهم وقال: "فليجس واحد منكم. وانطلقوا أنتم وخذوا قمحًا لمجاعة بيوتكم. واحضروا أخاكم الصغير إلي. فيتحقق كلامكم ولا تمتوا" (تك 42: 19، 20). بهذا أعرف أنكم أمناء، ولستم جواسيس (تك 42: 34). ففعلوا هكذا وأخبروا أباهم بكل ما حدث "وإذ كانوا يفرغون عدالهم، إذا صرة كل واحد في عدله" (تك 42: 35).. هذا ما كان قد فعله يوسف.. فخافوا.

ما كانوا يعرفون الحب، لذلك قادهم يوسف بواسطة الخوف.

ورفض أبوهم أن يرسل بنيامين معهم. وقال لهم: أعدمتموني الأولاد. يوسف مفقود وشمعون مفقود. وبنيامين تريدون أن تأخذوه!! وتعهد رأوبين بإعادته إليه، وقال لأبيه: اقتل أبني، إن لم أجي به إليك. ورفض يعقوب. ولكن لما اشتد الجوع في الأرض، عاد أبوهم يرسلهم إلي أرض مصر. وأصروا علي أخذ بنيامين معهم. وقال يهوذا "أنا أضمنه. من يدي تطلبه. إن لم أجي به إليك.. أصر مذنبًا لك كل الأيام.. ورضخ يعقوب أخيرًا. وسلم بنيامين مع هدية ثمينة يقدمونها للرجل. وقال لهم خذوا فضة أخري في أياديكم. والفضة المردودة في أفواه عِدالكم، ردوها. لعله كان سهوا" (تك 43: 12).

عادوا إلي يوسف. وسلموه الهدية. وسجدوا إلي الأرض. سألهم عن أبيهم "أسالم أبوكم الشيخ الذي قلتم عنه؟ أحي هو بعد". وسجدوا (تك 43: 26- 28).

كانوا قد أعادوا الفضة، ولما أروه بنيامين، كان اللقاء طيبًا، وأجلسهم ليأكلوا علي مائدته. أجلسهم علي المائدة بترتيب أعمارهم. فاندهشوا لذلك.

يوسف، لما رأي أخاه بنيامين، استعجل لأن أحشاءه حنت إلي أخيه. فطلب مكانًا ليبكي. ودخل مخدعه وبكي هناك (تك 43: 30).

في الواقع لا نجد في سفر التكوين كله إنسانًا كثير البكاء والتأثر، مثل يوسف الصديق.. علي أنه بعد أن بكي، غسل وجهه، وتجلد وجلس معهم وأكل. وكان قد أعطي بنيامين من حصص الطعام أضعاف ما أعطاهم وأمر لهم يوسف بقمح أخذوه في عدالهم، وصرفهم وبنيامين معهم.

ولكن القصة لم تكن قد تمت فصولا. بقي التأديب الخير لهم، والاعتراف منهم. والإذلال، وشرح القصة كلها..

حيله أخري دبرها يوسف. قبل أن يصرفهم، كان قد وضع كأسه في أمتعه بنيامين. وبعد انصرافهم أرسل وراءهم من يفتشهم. فتعجبوا من اتهامهم بسرقة شيء أن أعادوا الفضة من قبل.. وقالوا: من يوجد معه شيء يموت، ونحن نصير عبيدًا لسيدي. ولما وجد كأس يوسف في أمتعة بنيامين، مزقوا ثيابهم.. واقتيدوا إلي بيت يوسف. ووقعوا أمام علي الأرض، فوبخهم علي (سرقتهم!ّ).
 
التوبة والمذلة

فقال له يهوذا: ماذا نقول لسيدي؟ وبماذا نتبرر؟! الله قد وجد إثم عبيدك..طلبوا أن يكونوا كلهم عبيدًا ليوسف، ولكنه قال: الذي وجد الطاس عنده هو يصير لي عبدا. وأما أنتم فارجعوا إلي أبيكم.. وهنا وقف يهوذا متذللًا بكل أنواع التذلل، يكلم يوسف بكلام مؤثر جدًا "استمع يا سيدي. ليتكلم عبدك كلمه في أذني سيدي، ولا يحم غضبك علي عبدك.." ثم شرح ما حدث لهم مع أبيهم. "قال لنا عبدك أبي: أنتم تعلمون أن امرأتي ولدت لي إثنين، فخرج الواحد من عندي، وقلت إنما هو قد أفترس افتراسًا، ولم أنظره إلي الآن. فاذا أخذتم هذا أيضًا من أمام وجهي وأصابته أذية، تنزلون شيبتي بشر إلي الهاوية" (تك 44: 27- 29).

وشدد يهوذا علي هذه النبرة المؤثرة، وهي موت أبيهم في حزن أن لم يرجع بنيامين..

قال: أننا لا نقدر أن ننظر وجه الرجل، واخونا الصغير ليس معنا.. فالآن متي جئت إلي عبدك أبي، والغلام ليس معنا، ونفسه، يكون متي رأي أن الغلام مفقود، أنه يموت، فينزل عبيدك أبينا بحزن إلي الهاوية. لأن عبدك ضمن الغلام"، "فالآن ليمكث عبدك عبدًا لسيدي، وليصعد الغلام مع أخوته. لأني كيف أصعد إلي أبي والغلام ليس معي، لئلا أنظر الشر الذي يصيب أبي" (تك 44: 30- 34).

كلام مؤثر، ومن القلب، وفيه وفاء للأب، وحزن علي ما يحث لهذا الأب الذي يحبه يوسف، لأنه أبوه. حينئذ لم يستطيع أن يضبط نفسه، فأطلق صوته بالبكاء وعرف أخوته بنفسه.
 
يوسف يظهر ذاته

كان أقدم أوصلهم إلي التوبة والمذلة. ولم يعد هناك مجال آخر للمعاملة الجافة. كما أنه تأثر جدًا من خوفهم علي أبيه. وحسنًا أن الله أوصلهم إلي هذا الوضع المنسحق الذليل. مع أنهم كانوا في هذا الموقف أبرياء، وقد وقعوا تحت ما شعروا به ظلمًا فتذكروا كيف كان يوسف بريئًا، وقد وقع تحت ظلم منهم. وحسنًا قالوا ليوسف "الله قد وجد إثم عبيدك".. ومتى وجده؟ بعد حوالي عشرين سنة..

إن الخطية لا تمحي بالمدة، وإنما تمحي بالتوبة.

فلما وصلوا إلي هذه المذلة، واعترفوا بخطيتهم واستحقاقهم للعقوبة، انفتح أمامهم باب المغفرة. حينئذ بكي أخوهم الذي أساءوا إليه. وصرخ وقال لهم أنا يوسف. احي أبي بعد؟ فخافوا منه. فقال لهم: لا تتأسفوا إذ بعتموني إلي هنا. لأنه لاستبقاء حياة أرسلني الله قدامكم لستم أنتم أرسلتموني إلي هنا، بل الله.

وهو قد جعلني أبًا لفرعون، وسيدًا لكل بيته، ومتسلطًا علي كل أرض مصر أسرعوا واصعدوا إلي أبي.." (تك 45: 1-9). "ثم وقع يوسف علي عنق أخيه بنيامين وبكي. وبكي بنيامين علي عنقه". ويبدو أن هذا أمر طبيعي، لأنه شقيقه ويحبه. ولم يكن قد اشترك معهم في إساءتهم إليه.. لكن العجيب هو أن الكتاب يقول عن يوسف "وقبل جميع أخوته وبكي عليهم" (تك 45: 15).

أن وصيه "أحبوا أعدائكم.. أحسنوا إلي مبغضيكم" التي قالهما السيد المسيح علي الجبل، نفذها يوسف قبل أن يقولها الرب بحوالي ألفي عام.

وأيضًا نفذ وصية العفة، قبل أن يكتب الله الوصية في اللوح من لوحي الشريعة السابعة (لا تزن) في أيام موسى النبي. كان ضميره حيًا، ينفذ وصايا الله بطبيعته النقية، قبل الشريعة المكتوبة.

كان مستواه الروحي أعلي من عصره.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
النهيسى
عضو مميز



كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف  M3ane5
المساهمات : 412
نقاط : 620
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 08/06/2014

كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف  Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف    كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف  Puce-pالأحد يونيو 15, 2014 4:31 am

 يوسف الصديق مع يعقوب أبيه

 

محتويات

    شوقه إلى أبيه

    كان قد تَغيَّر

    وفاء يوسف لأبيه

    الله يطمئن يعقوب

    أيام يعقوب الأخيرة

    بركة ونبوءة

    موت يعقوب

    موت يوسف

شوقه إلى أبيه

انتهت فترة التأديب الذي أدب بها يوسف أخوته. وأوصلهم إلي تذكرهم خطاياهم. والشعور بأنهم يستحقون كل ما صدر، لا عن خطية حالية، أنما عن خطايا سابقة (تك 37).

ولم يكن يوسف يريد أن يعاقبهم. إنما كانت حيله منه يصل بها رؤية أخيه وشقيقه بنيامين، وأيضًا لكي يري أباه يعقوب.

فلما رأي أخاه بنيامين، وأشبع عاطفته من هذه الناحية، وأكرمه أكثر من جميعهم، بقي أن يحقق الرغبة الأخرى، وهي أن يري أباه.. فلما عرفهم بنفيه، كانت أول عبارة قالها لهم "أحيّ أبي بعد؟".. سألهم هذا السؤال علي الرغم من أنهم قالوا له قبلًا إن لهم أبًا شيخًا، وأنهم يخافون عليه من الموت إن لم يرجع إليه إبنه الصغير بنيامين" (تك 44: 30، 31)..

ولكنها اللهفة في أن يري أباه، جعلته يسأل: أحي أبي بعد؟ وأيضًا لمزيد من التأكد.

ولا شك أنه حينما تحدث يوسف مع أخوته، وكشف لهم ذاته قائلًا "أنا أخوكم يوسف الذي بعتموه" (تك 45: 3)، إنما كلمهم حينذاك بلغتهم العبرانية، لكي يتأكدوا من كلامه. وواضح ذلك لأنه لم يكن بينه وبينهم مترجم وقتذاك. لأنه قبل أن يكشف نفسه لهم، صرخ قائلًا: أخرجوا كل إنسان عني. "فلم يقف أحد عنده، حين عرف يوسف أخوته بنفسه" (تك 45: 1).
كان قد تَغيَّر

كان يوسف قد تغير في الشكل والسن واللغة والمَلْبس.

لذلك في كل لقاءاته معهم لم يعرفوه. حينما باعوه كان عمره 17 سنة (تك 37: 1، 13،18). وحينما تقابل مع فرعون كان عمره 30 سنه (تك 41: 47). وبعد سنوات الشبع، أتت سنوات الجوع، في السنة الثانية منها جاء أخوته إليه يطلبون قمحًا. بدليل أنه قال لهم لما عرفهم بنفسه "يكون أيضًا خمس سنين جوعًا" (تك 45: 11).

إذن كان عمره يوسف وقتذاك 39 سنه. وقد مضت 22 سنه منذ ألقوه في البئر.

ملابسه كانت أيضًا ملابس فرعونية. شكله تبدو عليه الهيبة. الناس يركعون أمامه ويسجدون عند قدميه. لغته هيروغليفية، وهناك من يترجم بينه وبينهم. كلامه معهم كلام بسلطان. لذلك لم يعرفوه حتى كشف نفسه لهم. ولم يفعل ذلك إلا بعد أن تأكد من معلوماتهم التي قالوها له إنهم أخوته. كما فهم نفس الحقيقة من أحاديثهم بعضهم مع بعض. وما كانوا يدركون أنه يفهم ما يقولون.

فلما قال لهم: أنا يوسف.." أخوكم الذي بعتموه.. ارتاعوا.

ظنوا ان وقت انتقامه قد اتي. وبخاصة لأنه لم يقل لهم فقط "وأنا يوسف.." وإنما قال أيضًا "يوسف أخوكم الذي بعتموه..". وها هم في يديه يفعل بهم ما يشاء.. ولكن يوسف كان في خلقه أنبل من أن ينتقم.. كان يدرك أنهم في حاله ضعف وذعر، وليس لديهم ما يجيبونه به. كما قال الكتاب "فلم يستطع أخوته أن يجيبوه، لأنهم ارتاعوا منه" (تك 45: 3).. نعم ارتاعوا من هذا الصغير الذي كانوا يهزأون به من قبل..!

ولكن يوسف -في نبل خلقه- طمأنهم. وأراهم مشيئة الله في كل ما حدث..

نعم، الله الذي يحول الشر إلي خير." ومن الجافي يخرج حلاوة" (قض 14: 14).. هو الله الذي وضع يوسف حياته في يديه. ورأي أن كل ما يصيبه، هو بسماح من الله لخيره ولذلك طمأن أخوته قائلًا لهم "والآن لستم أنتم أرسلتموني إلي هنا، بل الله"، "لا تتأسفوا ولا تغتاظوا لأنكم بعتموني إلي هنا. لأنه لاستبقاء حياة أرسلني الله قدامكم. لأن للجوع في الأرض سنتين. وخمس سنين أيضًا لا تكون فيها فلاحة ولا حصاد. فقد أرسلني الله قدامكم، ليجعل لكم بقية في الأرض" (تك 45: 5-Cool.

وهكذا ثلاث مرات كرر عبارة "أرسلني الله".
يوسف لم يذكر ما في تجربته من ألم، أنما ذكر ما فيها من تدبير إلهي، وما فيها من خير له ولهم وللناس. فإنها "لاستبقاء حياة".. بالحكمة التي وهبها له الله لإنقاذ حياة الناس خلال سني المجاعة، سواء في مصر أو أهله في كنعان.. أما من جهته هو، فقال: الله جعلني أبًا لفرعون، وسيدًا لكل بيته، ومتسلطًا علي كل مصر" (تك 45: Cool. وبعد أن طمأنهم، ونزع الخوف من قلوبهم، كلمهم من جهة أبيه وإحضاره إليه في مصر..؟ فقال لهم:

" أسرعوا واصعدوا إلي أبي.. وتستعجلون وتنزلون بأبي إلي هنا" (تك 45: 9، 13).
وفاء يوسف لأبيه

حمل يوسف أخوته رسالة إلي أبيه قائلًا له: أنزل إلي لا تقف".

" تسكن في أرض جاسان، وتكون قريبًا مني أنت وبنوك وبنو بنيك". "أعولك هناك، لأنه يكون أيضًا خمس سنين جوعًا"، "لئلا تفتقر أنت وبيتك" (تك 45: 9-11).

إذن لم يأت بأبيه لمجرد اشتياقه إليه فقط، إنما أيضًا لكي يعوله وكل بيته.

ويعول أيضًا أخوته الذين باعوه، وكل بينهم.. ولم يجعل ذلك مجرد قرار فردي منه، عنه للدسائس والتغيير، وإنما أخبر فرعون بكل شيء وأخذ أمرًا من فرعون أن يذهب أخوته لإحضار أبيهم، فيعطيهم خيرات أرض مصر ويأكلون من دسم الأرض.. بل أيضًا أمر آخر لهم "خذوا لكم من أرض مصر عجلات لأولادكم ونسائكم، وأحملوا اباكم وتعالوا.." (تك 45: 17- 19).

وكان يوسف كريمًا جدًا مع أخوته وأبيه:

أرسل معهم مركبات تحملهم. وأعطاهم زادًا للطريق، وحلل ثياب حتى يكون مظهرهم لائقًا، وأرسل دوابًا تحمل لأبيه تحمل لأبيه حنطة وخبزًا، وتحمل من خيرات مصر وقال لأخوته "لا تتغاضبوا في الطريق (تك 45: 21- 24).. كان يعرف هذا الطبع فيهم فلقدم لهم نصيحة روحية إلي جوار ما قدمه لهم من خيرات مادية.

لم يكن يوسف مثل الذين يتجاهلون أهلهم الفقراء، إذ صار لهم منصب كبير.

 في كل ما وصل إليه من عظمة، لم ينس أباه الراعي، الذي كان شبه ضرير وقد ثقلت عيناه من الشيخوخة (تك 48: 10). أراد أن يفرح أباه في شيخوخته، ويعوضه عن سني التعب والألم التي مر بها... وما كان أبهج الخبر الذي نقله إليه أولاده، حينما رجعوا بالمركبات من مصر، قائلين له:

"يوسف حي بعد، وهو متسلط علي كل أرض مصر" (تك 45: 26).

يوسف الذي رأي يعقوب قميصه الملون ملطخًا بالدم، وبكي عليه، ورفض أن يتعزي. وقال: أني أنزل إلي أبني نائحًا إلي الهاوية (تك 37: 33- 35). ثم يأتيه الخبر أنه لا يزال حيًا، بعد 22 عامًا من الحزن عليه. فكان تأثير هذا الخبر عليه لأول وهله، انه "جمد قلبه ولم يصدقهم" (تك 45: 26). ثم عاد وتقبل الخبر، لما رأي العجلات الفرعونية التي أرسلها يوسف إليه. فردت روحه إليه وقال "يوسف أبني حي. كفي أذهب وأراه قبل أن أموت"..
 

في نزول أبينا يعقوب إلي مصر أثناء المجاعة، اختلف عن جده إبراهيم الذي قال الكتاب عنه "وحدث جوع في ارض. فأنحدر إبرآم إلي مصر ليتغرب هناك، لأن الجوع في الأرض كان شديدًا" (تك 12: 10). إنها نفس الظروف التي دعت يعقوب أيضًا للنزول إلي مصر. ولكن وجه الخلاف أن جده إبرآم نزل بمشيئته الخاصة ليس بمشيئة الله الذي سبق أن قال له "أذهب من أرضك.. إلي الأرض التي أريك" (تك 12: 1).. لذلك وجد متاعب كثيرة في مصر نجاه الله منها (تك 12: 14- 19)..

أما يعقوب فظهر له الله في رؤيا. وقال له لا تخف من النزول إلي مصر.. أنا أنزل معك إلي مصر.." (تك 46: 2).

يعقوب لم ينزل، دون الإتصال بالله أولًا. "فلما أتي إلي بئر سبع، ذبح ذبائح لإله أبيه إسحق" (تك 46: 1).. إنه لا يريد أن يتلقي الدعوة إلي السفر من يوسف فقط. وإنما من المذبح أيضًا. فأتاه الرد إذ "كلمه الله في رؤى الليل "وقال له "أنا الله إله أبيك. لا تخف من النزول إلي مصر، لأني أجعلك أمة عظيمة هناك. أنا انزل معك إلي مصر".

عجيبة هي علاقة الله بيعقوب..

يعقوب الذي خدعه من قبل خاله لابان. بل خدعه أبناؤه من جهة قميص يوسف الذي غمسوه في الدم. وما كان يحتمل أن يقع في خديعة أخري منهم. فطمأنه الله أن يوسف سيضع يده علي عينيك (تك 46: 4).

حسنًا قيل أن "الله أحب يعقوب" (رو 9: 13).

نعم، أحب هذا الضعيف الذي لم تكن له القوة أن يقاوم الشر.. الذي لم يستطيع أن يقاوم عيسو، بل هرب منه. في رجوعه إلي بيت أبيه صلي إلي الله قائلًا للرب "نجني من يد أخي، من يد عيسو، لأني خائف منه أن يأتي ليضربني الأم مع البنين" (تك 32: 11). نعم يعقوب هذا الضعيف الذي لم يستطع أن يقاوم خاله لابان لما خدعه وزوجه ليئة بدلًا من راحيل (تك 29: 5)..كذلك لم يستطع أن يقاوم أولاده في موقفهم مع يوسف أخيهم (تك 37). ولا استطاع أن يقاومهم في غدرهم بشكيم وكل قبيلته، فقتلوهم جميعًا بسبب دينة أختهم (تك 34). كما لم استطع ان يقاوم ابنه البكر رأوبين، لما صعد علي فراشه وزني مع بلهة سرية أبية (تك 35: 22). وسمع يعقوب ولم يفعل شيئًا!!

لذلك كان ملاك الرب مع هذا الضعيف باستمرار.

هذا قال عنه في مباركة افرايم "الملاك الذي خلصني من كل شر، يبارك الغلامين" (تك 48: 16). وقال في عرفانه بعمل الله معه "الله الذي يرعاني منذ وجودي إلي هذا اليوم" (تك 48: 15). الله أيضًا طمأنه في رؤيا الليل. لينزل إلي مصر محاطًا برعاية الله له. فنزل إلي هناك مع كل أسرته. وكانت جميع نفوس بيت يعقوب التي جاءت إلي مصر سبعين نفسًا (تك 46: 27).

ووصل يعقوب إلي مصر في موكب كمواكب الملوك.

وصل راكبًا في عجلات فرعون التي أرسلها إليه إبنه يوسف.. إنها أول مرة في حياته مثل هذه العجلات الملكية، كأب لمن قيل عنه إن الله جعله أبًا لفرعون.. وربما أول مرة في حياته وحياة أولاده يلبسون الحلل الفخمة التي أرسلها معهم يوسف.

وكان من إكرام يوسف لأبيه، أنه ذهب لاستقباله في الطريق.

شد يوسف مركبته، وصعد لاستقبال أبيه إلي جاسان (تك (46: 29). ولو عرفنا أن أرض جاسان في مكان محافظة الشرقية، نعرف مقدار المسافة التي قطعها يوسف من العاصمة، حتى

وصل بمركبته إلي جاسان لاستقبال أبيه.. هذا الثاني في المملكة، لم ينتظر حتى يصل أبوه ويستقبله في مجيئه. إنما هو الذي يذهب إليه، ويقابله في الطريق. لكي يعرف الجميع عظمة هذا الراعي الذي يذهب إليه المتسلط علي أرض مصر.

 ولما ظهر له وقع علي عنقه، وبكي علي عنقه زمانًا" (تك 46: 29).

إنها العاطفة المخزونة مدي 22 عامًا، تنفجر الآن في عناق وفي دموع.. هنا اللسان يعجز عن الكلام. إنما الحب هو الذي يعبر عما في القلب من مشاعر. حب الابن لأبيه الذي قضي كل فترة شبابه محرومًا من حنان أبيه الذي أحبه وفضله علي كل أخوته. وحب الأب لأبنه الذي ظن أنه مات. وناح عليه أكثر من عشرين سنة. وأخبر يوسف فرعون بمجيء أبيه وأخوته، وقدمهم إليه يوسف نائب فرعون، لم يخجل من أن أباه وأخوته رعاة.

لم يستح منهم ولا من غنمهم وبقرهم..هناك أشخاص من فقر أقربائهم. أما يوسف فلم يكن هكذا. قد يحدث أن بوابأ بالإنفاق علي إبنه في التعليم حتى يصير طبيبًا. وإذا بهذا الابن الطبيب يستحي من الانتساب إلي أب بواب.. محبته لنفسه ولسمعته تطغي علي محبته لأبيه..

أما يوسف فأدخل أباه الراعي إلي فرعون، وأوقفه أمامه.

فاحترمه فرعون، لآجل إبنه، ولاجل سنه ونعمه الله عليه. وسأله عن سني حياته فأجاب يعقوب "أيام سني غربتي مائه وثلاثون سنه، قليلة وردية، ولم تبلغ إلي أيام سني حياة آبائي في أيام غربتهم" (تك 47: 9). قال هذا لأن أبًا الآباء إبراهيم مات وعمره 175 سنه (تك 25: 28).

وحسنًا ان يعقوب اعتبر حياته أيام غربة.

كذلك قال عن حياة آبائه "أيام غربتهم". ولعل ذلك كان درسًا لفرعون. وفي هذا اللقاء بين يعقوب وفرعون قال الكتاب مرتين "وبارك يعقوب فرعون" (تك 47: 7،10). هنا القداسة أعلي من الملك. فيمكن أن رجل الله يبارك رجل الله يبرك رجل العرش والحكم والدولة كما بارك يعقوب فرعون..

إن إخلاص يوسف لفرعون، جعله يكرم أباه وأخوته.

حكمة يوسف وأمانته في عمله، وإنقاذه لمصر في أيام المجاعة.. كل ذلك جعل فرعون يحترمه، ويحترم أباه، ويستقل أخوته، ويكرم هذه الأسرة كلها.. ويقول ليوسف "أرض مصر قدامك، في أفضل الأرض اسكن أباك وأخوتك. ليسكنوا في أرض جاسان. وإن علمت أنه يوجد بينهم ذوو قدرة، فإجعلهم رؤساء مواش علي التي لي" (تك 47: 5، 6).

وعال سوف أباه وأخوته وكل بيت أبيه.

"وسكنوا في أرض جاسان، وتملكوا فيها، وأثمروا وكثروا" (تك 47: 27) وهناك ملاحظة نقولها عن حياة يعقوب. لما رأي يعقوب إبنه يوسف بعد طول نواحه عليه. قال له -بعد أن بكي علي عنقه- "أموت الآن بعد أن رأيت وجهك أنك حي". ولكنه لم يمت بعد أن رآه، بل عاش 17 سنة مع يوسف في أرض مصر (تك 47: 28). حينما رأي يوسف وفرعون كان عمره 130 سنة (تك 47: 9). إذن كانت كل أيام عمره 147 عامًا.
 
أيام يعقوب الأخيرة
 
لما أحس أن أيامه قد قربت، أخذ عهدًا من يوسف أن يدفنه في مغارة المكفيلة.

هناك حيث دفن إبراهيم جده (تك 25: 9). وكانت قد دفنت هناك جدته سارة (تك 23: 19) "وفي مغارة المكلفية أمام ممرا التي هي حبرون في أر كنعان". وهناك أيضًا دفن أبوه إسحق (تك 35: 27-29). وأمه رفقة وزوجته ليئة (تك 49: 31).

إنه أمر مؤثر أن يطلب إنسان أن ترقد عظامه إلي جوار عظام آبائه.

وهكذا استدعي يعقوب إبنه يوسف، إبنه الذي يأتمنه علي وصيته. وقال له: "اصنع معي معروفًا وأمانه. فلا تدفني في مصر. بل اضطجع مع آبائي. فتحملني من مصر. وتدفني في مقبرتهم "فحلف له يوسف، وسجد يعقوب علي رأس عصاه" (تك 47: 26-31).. لعل في ذلك درسًا للذين يسألون عن شريعة حرق جثث آبائهم وأقربائهم. ليست فقط الأرواح تتجاور، وأنما العظام أيضًا. وهكذا فعل أبنه يوسف أيضًا فيما بعد فأوصي من جهة عظامه (عب 11: 22).
 
بركة ونبوءة

علي أن يعقوب قبل أن يموت بارك أولاده، وابني يوسف (افرايم ومنسي).

افرايم ومنسي: أحضرهما يوسف أمام أبيه لكي يباركهما. ففرح بهما يعقوب واحتضنهما وقال ليوسف "لم أكن أظن أني أري وجهك. وهوذا الله قد اراني نسلك أيضًا" (تك 48: 11). ومنحهما يعقوب نصيبًا كابنين من أبنائه، كرأوبين وشمعون. أي صار ليوسف بإبنيه سبطان من الأسباط الإثني عشر، أي نصيب البكر وسط أولاد يعقوب. لذلك حينما نذكر أسماء الأسباط، نذكر بينهما سبطي افرايم وسبط منسي، بدلًا من قولنا سبط يوسف..

أتي يوسف بإبينه إلي أبيه "وسجد بوجهه إلي الأرض"، "ووضع يعقوب يديه بفطنة "علي رأسيهما. يده اليمني علي الصغير افرايم، واليسري علي الكبير منسي وباركهما. واستاء يوسف. "وأمسك بيد أبيه اليمني، لينقلها من رأس افرايم إلي رأس منسي "قائلًا ليس هكذا يا أبي. لأن هذا هو البكر، ضع يمينك عليه" (تك 48: 17، 18). لا. ليس هكذا يا يوسف. أبوك بروح النبوة تصرف بفطنة.

إن يعقوب في شيخوخته كان قد استعاد شبابه الروحي.

كانت له أخطاء وهو صغير. ولكن عندما حنكته التجارب وصقلته الآلام. كانت صلته بالله قد تعمقت أكثر فأكثر. وكانت شيخوخته فيها بركة ونبوة. بروح النبوة رفض أن يغير وضع يديه علي رأس افرايم ومنسي. وقال ليوسف "علمت يا أبني علمت. هو أيضًا يكون شعبًا وهو أيضًا يصير كبيرًا. ولكن أخاه الصغير يكون أكبر منه.." وقدم افرايم علي منسي" (تك 48: 19، 20). وكانت هذه نبوءة منه وتحققت فعلًا. وهناك نبوءة أخري ذكرهما يعقوب. فقال ليوسف "ها أنا أموت. ولكن الله سيكون معكم، ويردكم إلي أرض آباكم" (تك 48: 21). وتحققت هذه النبوءة، حينما عبروا البحر الأحمر واجتازوا من سيناء إلي أرض كنعان.

وغير هاتين النبوءتين، قال نبوءات أخري عن مستقبل أبنائه (تك 49).

دعاهم وقال لهم "اجتمعوا لأبنئكم بما يصيبكم في آخر الأيام" (تك 49: 1). وحسبما قال لكل واحد هكذا كان. قال لرأوبين بكرة".. لا تتفضل، لنك صعدت علي مضجع أبيك، دنسته". ووبخ شمعون ولاوي لقتلهما أهل شكيم. فقال عنهما "آلات ظلم سيوفهما.. ملعون غضبهما فإنه شديد وسخطهما لأنه قاس". ومدح يهوذا سبط الملك الذي جاء منه المسيح". وقال له "إياك يحمد أخوتك.. يسجد لك بنو أمك "وقال "لا يزول قضيب من يهوذا ولا مشترع من بين رجليه، حتى يأتي شيلون، وله يكون خضوع شعوب".. وكلم الباقين أيضًا بما سيكون. يقول الكتاب "هذا ما كلمهم به أبوهم وباركهم. كل واحد بحسب بركته باركهم" (تك 49: 28). وقد كان.

نلاحظ هنا أن البركة لم تمنع العقوبة والتوبيخ. كما حدث بالنسبة إلي رأوبين وبالنسبة إلي شمعون..
موت يعقوب

ولما فرغ يعقوب من توصية بنيه.. أسلم الروح، وأنضم إلي قومه يوسف علي وجه أبيه وبكي عليه وقبله" (تك 50: 1).

إن يوسف هو أكثر إنسان قيل عنه التكوين إنه بكي.
 
بكي لما كشف شخصيته لأخوت (تك 45: 2). وبكي علي عنق بنيامين شقيقه (تك 45: 14)" وقبل جميع أخوته وبكي عليهم" (تك 45: 15). ولما رأي أباه "وقع علي عنقه، وبكي علي عنقة زمانًا" (46: 29). وبكي لوفاة أبيه.

وكان جناز يعقوب مهيبًا جدًا (تك 50)

أمر بكائه استأذن يوسف من فرعون أن يذهب ويدفن أباه في أرض كنعان حسبما أوصاه." وصعد معه جميع عبيد فرعون وشيوخ مصر"، ومركبات وفرسان." فكان الجيش كثيرًا جدًا" (تك 50: 1-9). ولما عبروا الأردن "ناحوا هناك عظيمًا وشديدًا جدًا. وصنع لأبيه مناحة سبعه أيام (تك 50: 10). وحمله بنوه إلي أرض كنعان، ودفنوه في مغارة المكلفية (تك 50: 13). وعاد يوسف وأخوته إلي مصر مع جميع الذين صعدوا معهم.

وخاف أخوة يوسف، لئلا يضطهدهم يوسف بعد موت أبيهم، ولكنه طمأنهم.

طلبوا منه الصفح.. وقالوا له "أبوك أوصي قبل موته قائلًا: هكذا ليوسف: اصفح عن ذنب أخوتك وخطيتهم. فأنهم صنعوا بك شرًا.. فالآن اصفح عن ذنب عبيد إله أبيك" (تك 50: 15-17). ووقعوا أمامه وقالوا له ها نحن عبيدك. فبكي يوسف حين كلموه. وقال لهم: لا تخافوا.. انتم قصدتم بي شرًا، أما الله فقصد به خيرًا.. فالآن لا تخافوا. أنا أعولكم وأولادكم.. فعزاهم وطيب قلوبهم (تك 50: 17- 21) كانوا يظنون في يوسف ما ليس فيه من انتقام. ما كانوا يعرفون معدن يوسف بعد ونوع نفسيته. أما هو فكان أسمي بكثير مما جال في أفكارهم. كان نبله أقوي من شرهم وكان صفحه أسمي من خطيئتهم ضده..
موت يوسف

عاش يوسف مائه وعشر سنين، أي أربعة وأربعين سنة بعد موت أبيه. ورأي الجيل الثالث لأفرايم. استحلف أخوته عظامه من مصر (تك 50: 32- 36). وتنبأ يوسف عن خروج أخوته من أرض مصر (تك 50: 24). وفي ذلك قيل في الرسالة إلي العبرانيين "بالإيمان عند موته، ذكر خروج بني إسرائيل وأوصي من جهة عظامه" (عب 11: 22).

وهكذا تنبأ، وكان أيضًا من رجال الإيمان.

وفي خروج بني إسرائيل من مصر، قيل في سفر الخروج "وأخذ موسى عظام يوسف معه. لأنه كان قد استحلف بني إسرائيل بحلف قائلًا: إن الله سيفتقدكم، فتصعدون عظامي من هنا معكم" (خر 13: 19). بركة يعقوب أبي الآباء، وأبنه يوسف الصديق فلتكن معنا جميعًا.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
النهيسى
عضو مميز



كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف  M3ane5
المساهمات : 412
نقاط : 620
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 08/06/2014

كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف  Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف    كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف  Puce-pالأحد يونيو 15, 2014 4:33 am

منقول من الانبا تكلا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
Coptic girl
Admin
Coptic girl


كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف  Azm20213
المساهمات : 3464
نقاط : 8143
السٌّمعَة : 3
تاريخ التسجيل : 06/08/2012
انثى

كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف  Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف    كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف  Puce-pالأحد يونيو 15, 2014 8:01 am

رائع ياابى بجد
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://jesus.forumpalestine.com
 
كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  اقوال عن التوبه (كتاب حياة التوبه والنقاوه )
»  تأملات وحكم
» تأملات في الغطاس
» تأملات فى الثلاث تقديسات
» الشهيد يعقوب

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
يسوع فى قلبى :: ساحة الاعضاء :: منتدى الكتب المسيحية-
انتقل الى: