المكياج المقدس والأم تيريزا
أليس فون هيلدابراند تهيمن النساء الحقيقيات على العالم – ليس بمعنى القوة والنفوذ بل بقدرتهن على التأثير في نفوس الآخرين. فخذ السيدة الطوباوية مريم العذراء القديسة والدة يسوع المسيح على سبيل المثال. فلم تكن الأقرب إلى السيد المسيح فحسب بل هي أيضا التي لاحظت عدم وجود ما يكفي من الخمر للحاضرين في عرس قانا الجليل. وهذه خصلة نسائية بحتة، لأن الرجل يشرب خمره ولا يرى عادة ما إذا كان هناك خمر متبقي للشخص الذي يليه. فقد رأت السيدة مريم العذراء أن الخمر نفدت، وكانت نفسها حساسة للوضع هناك. إلا أن يسوع المسيح على ما يبدو اِنتهرها قائلا لها: "ما لي ولَكِ، يا امرأةُ، ما جاءَت ساعَتي بَعدُ." (يوحنا 2: 4) ولكن ماذا فعلت بعد ذلك؟ لقد قالت للخدم: "إعمَلوا ما يأمُرُكُم بِه." (يوحنا 2: 5) وكان هذا كل ما أوصت به. لذلك فعل الخدم كما أمرهم يسوع المسيح بالتمام.
لم تكن السيدة مريم العذراء مثيرة للإعجاب وفقا لتفكير العالم. لأن جمالها كان جمال روحي. فهي أجمل نساء العالم تماما مثلما كان السيد المسيح أجمل بني البشر (كما تشهد عنه المزامير). فجسمها كمرأة كان مركبا من الجمال الجسدي والروحي. أما في يومنا هذا فقد جعلنا من جسم الإنسان ومن الجمال الخارجي ديانة بحد ذاتها. وقد جاءني مؤخرا في صندوق البريد نشرة إعلانية من الصيدلية المحلية طولها 14 صفحة، معلنين فيها عن ثماني مستحضرات تجميل جديدة! فلو استعملتها لجدّدت شبابك، وهذا لعينيك، وبلون جديد لهذه المنطقة ولتلك. ومما لاشك فيه أن المكياج كله يكلف مبالغا طائلة، ولكن غدا قد تكون أنت أو أنا في عداد الموتى.
غير أننا لو كنا نهتم بأرواحنا بالقدر نفسه الذي نهتم بأجسادنا لتعقّل كثيرا عالمنا المجنون. لكن ليس لدى الناس وقتا لما هو مهم. فتأمّل مثلا طول الوقت الذي تستغرقه المرأة لوضع مساحيق التجميل عليها، أعني هناك نساء يقضين ساعة كاملة يوميا أمام المرآة لمجرد تجميل أنفسهن. حسنا، لن أقول ما هو رأيي بالمكياج، ولكني أقول لكم شيئا واحدا فقط وهو أنه لا يحسّن أي شيء. أما عندما يخلق الله سبحانه وتعالى فهو أدرى بما هو حسن. والموضة اليوم هي أضافر ملونة. إن ديانة الجسد هي جنون مطلق. فماذا عن الروح؟ وماذا عن المكياج المقدس؟ فنحن في أمس الحاجة لنصرف وقتا كبيرا على تجميل أرواحنا.
وفي أيامنا هذه، فقد خانت المرأة رسالتها الحقيقية. فهي تريد أن تظهر بمظهر جيد، بالإضافة إلى أنها تريد أن تصبح رئيسة جمهورية. وأشعر دائما بعدم الارتياح عندما لا تسعى النساء إلا ليتشبَّهن بالرجال، لأنهن يقُمْن بذلك على نحو رديء جدا. واليوم، نخلط كل شيء، ولهذا السبب يوجد الكثير من الرجال المتخنِّثين، والكثير من النساء المسترجلات. ولن أعلّق شيئا على الرجال، لكن يقمن النساء بذلك على نحو رديء جدا، بحيث أصبح شكلهن مسخرة!
قبل عدة سنوات عندما كنتُ في جامعة أوكسفورد، كانت هناك امرأة تدخن سيجارا. وكانت تعتقد بأنها من خلال تدخينها للسيجار فأنها ستبيّن للرجال بأنها مساوية لهم، وبأن في مقدورها أن تصبح مسترجلة. وأنا لا أمزح. حسنا، أنا لا أدري ما هو رأيك، ولكن بالتأكيد لا يحسِّن السيجار مظهرك، صدقيني! ولا أعتقد أن ذلك قادر على تحقيق أي شيء. والحال اليوم ليس أفضل من السابق – فتحاول الكثير من النساء أن يبذلن قصارى جهدهن ليسبُقن الآخرين في العالم ولكنهن لا يكسبن أي شيء، ويعِشن حياة فارغة أكثر من السابق.
أما الآن فاسمحوا لي أن أخبركم عن امرأة عرفتْ كيف تعيش. لقد قابلتُ الأم تيريزا مرتين. فقد كانت في الولايات المتحدة الأمريكية وكنت أقدم محاضرة وكانت هي من المتكلمات الرئيسيات وأنا من المتكلمات الصغيرات في الأخير. وكانت ابنة أخي شانتال Chantal مصابة آنذاك بمرض مميت في بلجيكا. فقد تم تشخيص مرض حساسية غير معروف نوعه من مادة الغلوتين الموجودة في الحبوب، لذلك سألتُ الأم تيريزا لتصلي من أجلها. فقد كانت شانتال تزن 125 رطلا عندما كانت متعافية، لكنها أخذت تفقد 5 أرطال أسبوعيا لأنها كانت قد تعرضت للتسمم الغذائي، وتنتهي القصة بموتها، عندما صار وزنها 45 رطلا.
والمرة الثانية التي التقيت فيها مع الأم تيريزا كانت قبل أربعة أشهر من وفاة الأم تيريزا نفسها. فقد كانت مرة أخرى في الولايات المتحدة الأمريكية وعندما وصلتْ أتصلتْ بي هاتفيا على الفور لتسألني عن حال وصحة ابنة أخي. لا تنسى – هذه المرأة قد قابلت وعرفت الآلاف من الناس. وهي لم تقابلني إلا بالمصادفة في مؤتمر ما. ولكنها ومع ذلك فقد اتصلت بي بعد عدة أشهر لتسأل عن حال البنت. فهذه هي محبة مسيحية حقا. وهو ما تتميز به أيضا القداسة. وهذا يعطيك فكرة أيضا عن شخصية الأم تيريزا. فهي لم تكن إلا كائن صغير ضئيل. فلم يكن عندها شخصية مثيرة للإعجاب ولا حتى بارعة في إلقاء الكلمات. ولكن دعوني أقول لكم أنها لم تخشَ من أي شيء. فهي مستعدة للتكلم أمام بيل كلينتون وزوجته هيلاري عن بشاعة الإجهاض، وسيصفق لها الناس، وكل ما ستفعله عائلة كلينتون هو البقاء في مقاعدها. فلم تخشَ من أي شيء. لأنها تود إطاعة الله ليس غير.
وعندما سافرتْ الأم تيريزا مرة إلى روما رافقها قسيس كسائق لها. وكان الدخول إلى الفاتيكان يتطلب رخصة خاصة. فأخذها هذا القسيس إلى الفاتيكان كما كان يترتب عليه. وبينما كان يهمّ القسيس بتركها طلبت منه المجيء معها. وبالطبع احتج القسيس على ذلك لأنه لم يكن لديه رخصة دخول. لكنها قالت له ألا يقلق وعليه أن يلازمها ويبقى قريب منها. فوصلا إلى الحارس الأول الذي بطبيعة الحال سأل عن رخصة القسيس، لكنها أجابته بأنه ليس عنده رخصة لكنها سمحت له أن يرافقها. فلم يكن للحارس أي شيء يقوله، فاستمرا في دخولهما. وعندما توجها نحو الممر السفلي فإذا بحارس آخر، وجرت القصة نفسها وعبرا، وأخيرا تمكن السائق أن يسير الطريق كله وصولا إلى البابا!
فعندما تعمل المرأة في سبيل الله لن تُقهر. وأنا أقصدها بكل ما تعني الكلمات من معنى! فلما تعمل حقا في سبيل الله ستكون أقوى قوة في العالم. وقد لا تكون لديها سلطة ونفوذ، لكن لديها شيء لا حدّ له من الأهمية: أنه تأثيرها في النفوس. فالسلطة تصدر الأوامر لاتخاذ الاجراءات. في حين التأثير قادر على تغيير كيانك. فهذه هي رسالة المرأة! فلنسعَ لكي لا نخونها.