"ومن قال لاخيه رقا يكون مستوجب المجمع.
ومن قال يا احمق يكون مستوجب نار جهنم." (مت 5)
يا إخوتي، إنَّ "راقا" ليست كلمة أو لفظة، بل هي تهكُّم وتعبير (بالاشارة) عن السخرية والإهانة. يتم القيام بها عادة من خلال غمس العيون وشدّ الأنف والنَّحنحة في الصوت، بطريقة ما بحيث تلفَّق الإهانة، بينما يكون مضمون الإهانة مجهولاً.
لكن الله الناظر إلى نوايانا، يرى رغباتنا، ويحكم على تعبيراتنا، ويأتي بالشخص الذي يسخر من أخيه لمواجهة الحكم أمام مجمع القديسين، نظراً لأن السُخرية الموجَّهة ضد شخص واحد تجلب الإهانة للجميع، وتمتَّد حالة عضو واحد إلى الجسد كله، وألم الجسم ينتقل إلى الرأس. وما سبَّبه المُستهزئ من تهكُّم إلى فرد واحد ـ أي إلى أخيه ـ سوف يدركه ويندم عليه لكونه قد وصل إلى المجمع السماوي، وإلى الله.
"ومن قال يا أحمق يكون مستوجب نار جهنم".
ما يخفيه الغاضب في قلبه، وما يستره المستهزئ في حنجرته، يضعه بذيء اللسان في صوته. ونظراً لأن الإهانة قد نطق بها في العلن يُحاسب بنار جهنم. فدينونة الخطايا الخفية تتوقَّف على قرار المخلص، فيصدر الحكم العادل بموجب دراسة الظروف، أمّا الخطية في العلن تكون لها عقوبة واضحة وثابتة.
لكن قد يقول شخص ما: كيف يكون لمجرد كلمة منطوقة مثل هذه القوة الكبيرة، بحيث أن كل ما قال لأخيه "يا أحمق" يلاقي عقوبة صارمة؟
يا إخوتي، إن لها مثل هذه القوة العظيمة، عظيمة جداً، لأن المسيح هو في أخيك، والمسيح هو حكمة الله.
لذلك من قال لأخيه "يا أحمق"، فقد نسب لحكمة الله الحماقة ...
لهذا الكلام، قد يرد المستمع: فمن يستطيع أن يخلص؟ من أيها الأخوة؟
بالطبع، الشخص الذي لا يخطئ بقلبه أو بلسانه.
لنسمع ما يقوله داود النبي: "يارب، من يسكن في مسكنك؟ أو من يحلُّ في جبل قدسك؟"، وتأتي الإجابة هكذا: ".. المتكلم بالحق في قلبه. الذي لا يغشُّ بلسانه" (مز 14).
إن الإساءة التي تتدفَّق من اللسان ليست بأي حال من الأحوال غير هامة. يا إخوتي، إن اللسان هو الذي يصنع الشهداء، اللسان هو الذي يوفّر إكليل الشهادة، بل واللسان أيضاً هو الذي يصنع المُجدِّف، واللسان هو الذي يلقي بالمرء إلى الهلاك من خلال الإنكار.