سيرة شهداء أهل الكهف
عندما ملك الملك داكيوس الأثيم على المملكة الرومانية ( من 249 م الى 251 م ) وزار مدينة أفسس أصدر أمره الى نبلائها بتقديم الذبائح للأصنام وأمر بقتل المسيحيين الذين لم يخضعوا لأمره وألقيت جثثهم للغربان والنسور وسائر الجوارح ، وحاول بالوعد والوعيد إقناع سبعة شبان من النبلاء ، أن ينكروا دينهم المسيحى الذى تمسكوا به ويقدموا الذبائح للأوثان فرفضوا ، فنزع عنهم الرتب الجندية وأخرجهم من أمامه . واستمهلهم أياماً علّهم يعدلون عن رأيهم ويخضعون لأمره وانطلق الملك داكيوس الى زيارة مدن أخرى مجاورة الى افسس .
وكانت الفرصة سانحة للفتيان السبعة ليقرنوا إيمانهم بأعمال الرحمة ، فاخذوا من دور آبائهم ذهبـــاً ومالاً ، وتصــدقوا به على الفقـــراء والتجأوا الى كهف كبير فـى ( جبل أنكليوس ) مواظبين على الصلاة .
وكان ( يمليخا ) أحدهم يتشح متخفياً ويدخل المدينة ليبتاع لهم الطعام ، ويتعرف على الأخبار ، ويعود الى رفاقه فيخبرهم عمّا فى المدينة وما يقع من أحداث . وذات يوم عاد الملك داكيوس الى أفسس ، وطلب الفتيان السبعة فلم يجدهم وكان يمليخا إذ ذاك فى المدينة فخرج منها هلعاً ناجياً ، ومعه قليل من الطعام ، وصعد الى الكهف حيث رفاقه وأخبرهم عن دخول الملك الى المدينة ، وبحثه عنهم فتملكهم الخوف وركعوا على الأرض ممرغين وجوههم بالتراب متضرعين الى الله بحزن وكآبه ، ثم أكلوا ما جلبه لهم يمليخا من الطعام ، وبينما كانوا يتجاذبون أطراف الحديث أستولى عليهم النعاس وغشاهم سبات هنئ فرقدوا بهدوء رقاد الموت ولم يشعروا بموتهم . ولما لم يعثر عليهم الملك فى المدينة اخبروه بأن الفتية قد هربوا الى كهف فى جبل ( أنكيلوس ) فأمر الملك بسد باب الكهف بالحجارة ليموتوا فيصير الكهف قبراً لهم غير عالم أن الله فصل أرواحهم عن أجسادهم لقصد الهى أعلن بعد سنين بأعجوبة باهرة .
وكان " انتودورس " و " اريوس " خادما الملك مسيحيين وقد أخفيا عقيدتهما خوفاً منه فتشاوروا معاً وكتبا سيرة هؤلاء المعترفين بصحائف من رصاص وضعت داخل صندوق من النحاس وختمت ودست فى البنيان عند مدخل الكهف .
وهلك الملك داكيوس وخلفه على العرش الرومانى ملوك كثيرون الى أن جلس على العرش الملك المؤمن ثيؤدوسيوس الصغير ( 408 الى 450 م ) وظهرت فى عهده بدع عديدة حتى أن بعضهم أنكر قيامة الموتى ، وتبلبلت أفكار الملك وشقه الحزن فاتشح بالمسوح ، وأفترش الرماد وطلب من الرب أن يضئ أمامه سبيل الإيمان .
والقى الله فى نفس " أدوليس " صاحب المرعى الذى يقع فيه الكهف أن يشيد هناك حظيرة للماشية فنزع العمال الحجارة عن باب الكهف لبناء الحظيرة ولما انفتح أمر اللـه أن يبعث الفتية الراقدين أحياء فعادت أرواحهم الى أجسادهم واستيقظوا وسلم بعضهم على بعض كعادتهم ولم تظهر عليهم علامات الموت ولم تتغير هيئتهم ولا لباسهم التى كانوا متشحين بها فظنوا وكأنما قد ناموا مساء واستيقظوا صباحاً ، ونهض يمليخا كعادته صباح كل يوم وأخذ فضة وخرج من الكهف متجها نحو المدينة ليشترى طعاماً وعندما أقترب من بابها دهش حين رأى علامة الصليب منحوتة أعلاه ، فدخل المدينة فلم يعرفها إذ شاهد فيها أبنية جديدة ، وسمع الناس تقسم باسم السيد المسيح ، فسأل أحد المارين عن أسم المدينة فأجابه أسمها أفسس فأزداد يمليخا حيرة وتسائل آلعلى فقدت عقلى وغاب عنى صوابى؟! الأفضل أن أسرع بالخروج من هذه المدينة قبل أن يمسنى الجنون فأهلك .
وأثناء خروجه تقدم الى أحد الخبازين وأخرج دراهم من جيبه وأعطاه إياها فأخذ يتأملها فراها كبيرة الحجم ، ويختلف طابعها عن الدراهم المتداولة فى عصرهم ، وناولها لزملائه فتطلعوا الى يمليخا وقالوا أنه قد عثر على كنز من زمن طويل ، فالقوا القبض عليه وجاءوا به الى اسقف المدينة وكان يزوره وقتئذ والي أفسس فقد شاءت العناية ألالهيه أن يجمعهما معاً ليظهر على أيديهما للشعوب كلها كنز بعث الموتى ، فأصر يمليخا أمامهما بأنه رجل من أهل أفسس وانه لم يعثر على كنز وقد اشترى بمثلها قبل يوم واحد فقط خبزاً ، فقال له الوالى أن صورة الدرهم تشير الى إنها ضربت قبل عهد داكيوس الملك بسنين . فهل وجدت يا هذا قبل أجيال عديدة وأنت مازلت شاباً ؟ فعندما سمع يمليخا ذلك سجد أمامهم وقال ، أجيبونى أيها السادة عن الملك داكيوس الذى كان عشية أمس فى هذه المدينة ، أين هو الأن ؟ أجابه الأسقف قائلاً أنه مات قبل أجيال ، فقال يمليخا ان خبرى أصعب من أن يصدقه أحد هلم معى الى الكهف فى جبل ( انكليوس ) لأريكم أصحابى وسنعرف منهم الأمر الأكيد . أما أنا فاعرف أمراً واحداً هو أننا هربنا منذ أيام من الملك داكيوس ، وعشية أمس رأيت داكيوس يدخل مدينة أفسس ولا أعلم الأن إذا كانت هذه المدينة أفسس أم لا . حينئذ قال الأسقف انها لرؤيا يظهرها الله لنا اليوم على يد هذا الشاب ، قال هذا و انطلقوا جميعاً الى الكهف ، وعندما بلغوا الكهف عثروا فى الجهه اليمنى من بابه على صندوق من نحاس عليه ختمان من فضة ، فتناوله الأسقف و فتح الصندوق فوجد لوحين من رصاص و قرأ ما كتب عليهما : " لقد هرب الى هذا الكهف من أمام وجه داكيوس الملك المعترفون مكسيمليانوس ابن الوالى ، يمليخا ، ومرتينيانوس ، يونيسيوس ، و يوانس ، و سرافيوس ، وقسطنطنوس ، و انطونيوس وقد سد عليهم الكهف بالحجارة وكتب عليه ايضاً صورة إيمان المعترفين . ودخلوا الكهف فشاهدوا المعترفين جالسين بجلال وجوههم وسمعوا منهم أخبار الحوادث التى جرت فى عهد داقيوس .
فارسل الأسقف الى الملك ثيؤدوسيوس قائلاً : لتسرع جلالتك وتأت فترى ما أظهره الله العلى على عهدك من العجائب ، فقد اشرق من التراب نور موعد الحياة وسطعت من ظلمات القبور أشعة قيامة الموتى بانبعاث أجساد القديسين الطاهرة . ولما بلغ هذا الأمر الى الملك وهو فى القسطنطينية أسرع الى أفسس ومعه الأساقفة و جاءوا الى الكهف فرأوهم وحدثوهم .
ثم ودع المعترفون الملك والأساقفة والشعب ، و أسلموا أرواحهم بيد الله ، فأمر الملك أن يصنع لهم توابيت من ذهب ، ولكن الفتية ظهروا له فى حلم وقالوا له أن أجسادنا انبعثت من التراب لا من ذهب فاتركنا فى كهفنا على التراب ، وأقر مجمع الأساقفة عيداً لهؤلاء المعترفين ،
وتعيد لهم الكنيسة القبطية يوم 20 مسرى.
((هذه القصة نقلاً من المصادر السريانية من كتاب سيرة أهل الكهف للقس يوسف تادرس الحومى))