الاتضاع هو السور الذي يحمي الفضائل ويحمي المواهب، وكل فضيلة خالية من الاتضاع عرضة أن يختطفها شيطان المجد الباطل، ويبددها الزهو والفخر والإعجاب بالنفس.
لذلك إذا أعطاك الله موهبة من مواهبه، ابتهل إليه أن يعطيك معها اتضاعاً، أو أن يأخذها منك، لئلا تقع بسببها في الكبرياء وتهلك.
الاتضاع إذن هو الاساس الذي نبني عليه جميع الفضائل.
ليس هو فضيلة قائمة بذاتها،وانما هو متداخل في جميع الفضائل.
والله يعطي مواهب للمتواضعين، لأنه يعرف انها لا تؤديهم. ويقول الكتاب المقدس: إن الله يكشف أسراره للمتضعين... هؤلاء الذين كلما زادهم الله مجداً، زادهم انسحاقاً قدامه.
من أجل كل هذا دعانا الله جميعاً أن نكون متضعين. وقد كان الاتضاع والوداعة، إحدى سمات السيد المسيح البارزة التي حببته إلى الكل. وقد وصفه الإنجيل المقدس بأنه كان «وديعاً ومتواضع القلب».
ليس التواضع أن تشعر بأنك كبير أو عظيم وتحاول أن تتصاغر أو تخفي عظمتك. فشعورك بأنك كبير فيه نوع من الكبرياء. وشعورك بأنك تخفي عظمتك فيه إحساس بعظمة تخفيها عن الناس، ولكنها واضحة أمام نفسك.
أما التواضع الحقيقي فهو تواضع أمام نفسك أولاً. شعور حقيقي غير زائف، في داخل نفسك، أنك ضعيف وخاطئ حتى في عمق قوتك تشعر أن القوة ليست منك، إنما هي منحة سماوية من الله لك، أما أنت فبطبيعتك غير ذلك.
اعرف يا أخي من أنت. فهذه المعرفة تقودك إلى الاتضاع. أنك تراب من الأرض. بل أن التراب أقدم منك، وجد قبل أن تكون، خلقه الله أولاً، ثم خلقك من تراب.
إذا فكرت في الأمر باتضاع، تجد أن هذا التراب لم يعضب الله كما أعضبته أنت بخطاياك. لذلك أقول لك حقيقة هامة وهي: أن المتواضع الوحيد هو الله. الله هو الكبير الذي يتنازل ويكلمنا نحن الصغار، وهو القدوس الذي يتنازل ويعاملنا نحن الخطاة.
أما نحن فالتواضع بالنسبة إلينا ليس تنازلاً، وإنما هو مجرد معرفة للذات. إن عرفت هذا، فعامل نفسك إذن بما تستوجبه هذه المعرفة، ولا تطلب من الناس كرامة ولا مجداً. وإن حوربت بهذا الأمر ، رد على نفسك وقل: «أنا لا أستحق شيئاً بسبب خطاياي».. وإن كان الله من فرط رحمته قد ستر خطاياي عن الناس، ولكنني أعرفها جيداً لئلا أتكبر باطلاً».
احذر من أن تنسى أنك خاطئ لئلا تنتفخ وتظن في نفسك الظنون. وتذكر قول مار إسحق: «من سعى وراء الكرامة، هربت منه، ومن هرب منها بمعرفة، سعت وراءه».
ولا يكون تواضعك مظهرياً أو باللسان فقط، إنما ليكن تواضعاً حقيقياً من عمق القلب وبيقين داخلي. ليكن تواضعاً بالروح.
وإن عشت بالتواضع، ستحيا باستمرار في حياة الشكر. ستشكر الله على كل شيء وفي كل حال شاعراً على الدوام أن الله يعطيك فوق ما تستحق.
أما غير المتواضع، فإنه يكون في كثير من الأحيان متذمراً ومتضجراً، شاعراً أنه لم ينل بعد ما يستحقه، وأنه يستحق الكثير، وأنه مظلوم من الناس ومن الله.
والشخص المتواضع يعيش في سلام، مع الكل، ولا يغضب من أحد، لأنه باستمرار يلوم نفسه ولا يلوم الناس ولا يغضب أحداً.
فلنكن جميعاً متضعين لكي نكون أهلاً لعمل الله الذي لا يحد، الذي تنازل واهتم بنا، له المجد الدائم، إلى الأبد،
آمين.