البابا شنودة الثالث يكتب ............. امام الله
بقلم: البابا شنودة الثالث أنت يااخي امام الله باستمرار, ليس فقط في وقت الصلاة او في دور العبادة, بل انت امامه في كل مكان وفي كل حين, في مكتبك ووقت العمل, وفي الشارع, وفي البيت, وحتي في حجرتك المغلقة, نعم انت امام الله الذي يري ويسمع ويلاحظ.
>> من الملاحظ عمليا في اخطاء الناس, ان اي شخص يخطيء قد يستحي ان يخطيء امام الناس, اوامام احد من محبيه لئلا تتغير ثقته عنه, او حتي امام اعدائه حتي لايعيروه بذلك الخطأ,اولذلك يفضل الخطاة ان يرتكبوا اخطاءهم في الخفاء, أو في الظلمة حتي لايراهم احد ولذلك قيل أمام الله عنهم انهم احبوا الظلمة اكثر من النور لان اعمالهم شريرة فإن كان الخطأة يخجلون ان يخطئوا امام البشر امثالهم, افلا يخجلون من ارتكاب الخطية امام اللله الذي يراهم؟؟؟! يقينا انهم لو شعروا ـ اثناء خطيئتهم ـ انهم يفعلون ذلك امام الله, لخجلوا وخافوا, الا لو كانت درجة محبتهم للخطية, او درجة استهتارهم, اقوي بكثير من الشعور بالوجود امام الله. او ان الخطاة ينسون انهم امام الله, او يحاولون ان ينسوا ذلك, او انهم يبعدون عن ذهنهم اثناء الخطية كل فكر يختص بالله وبوصاياه لذلك فأن الشيطان وهو يقود انسانا الي الخطية, ينسيه اسم الله بالكلية, وينسيه وصاياه, وكما قال احد الادباء: ان الخطية تسبقها الشهوة او الغفلة او النسيان.
لذلك نقول للخاطيء:إن كانت خطيئتك بالعمل, اخجل من الله الذي يراك. وان كانت خطية لسان فاخجل من الله الذي يسمعك وان كانت الخطية بالفكر او بمشاعر القلب, اخجل من الله فاحص القلوب وقاريء الافكار, نعم اخجل من الله الذي يقول لك في اعماقك: انا عارف اعمالك
عليك ان تخجل ايضا من الملائكة التي تراك وتسمعك والتي تحيط بنا باستمرار, وفي كثير من الخطايا البشعة التي لايحتمل الملائكة رؤيتها او سماعها, وقد يحدث انهم يتركونك, فتلتف حولك الشياطين وتتعبك.
عليك ان تخجل ايضا من ارواح القديسين وهم يرونك, اخجل من ارواح اقربائك; واصحابك وزملائك الذين انتقلوا من عالمنا, و هم يرون ماتفعله وماتقوله, وبعضهم كان يثق بك جدا, وماكان يتصور انك تخطيء هكذا! وكل اولئك مندهشون جدا مما يحدث منك!
والي جوار عنصر الخجل يوجد عنصر النسيان: ففي وقت ارتكاب الخطية تنسي انك امام الله, وتنسي انك بالخطية تكون في حالة انفصال عن الله بالفكر والقلب, وأنك في حالة عدم شعور بوجود الله, وعدم شعور بقدسيته, وبنسيان كامل وصاياه. وتكون أيضا في حالة نسيان للأبدية ولدينونة الله العادلة, وفي الواقع أنت أمام الله الديان العادل, ليس في السماء فقط, وإنما أيضا هنا علي الأرض.
>> وفي غير موضوع الخطية, فإن الذي يدرك أنه أمام الله, لاشك أنه يشعر بخشوع أمامه, فنخشع أمام قوة الله, وأمام لاهوته, وأمام قدسيته. ومن هنا يكون الشخص في حالة تواضع. فإن الذي يحيط نفسه بالعظمة, ويمشي في الأرض مرحا, ويتكبر في علاقته مع الآخرين.. لاشك أنه لا يشعر أبدا أنه أمام الله الذي يرفض هذا التعاظم وهذه الكبرياء. وذلك مهما حصل الانسان علي مناصب أو درجات. وأذكر أنني قلت مرة في بعض أبيات الشعر.
قل لمن يعتز بالألقاب إن...... صاح في فخره من أعظم مني
أنت في الأصل تراب تافه.... هل سأنسي أصله من قال إني
ولذلك يا أخي لا تجلس بكبرياء ولا تمشي بكبرياء, ولا تكلم أحدا بكبرياء. لأنك في كل ذلك أمام الله الذي لا يسر بتعظمك. بل عليك أن تقول في صلاتك: أنا أخجل أمامك يارب من أن أعامل الناس بكبرياء أو بعظمة أو بسلطان, ناسيا أنني تراب ورماد, وأنهم خليقتك ورعيتك.
وبنفس الوضع يكون الانسان الحكيم متواضعا أمام الله في صلاته. فيقول له: من أنا يارب حتي أقف أمامك, أو أتحدث إليك؟؟! أنت الذي تقف أمامك الملائكة ورؤساء الملائكة وكل الأجناد السمائية... هذا بعكس الذين في صلواتهم قد يشعرون بالبر لأنهم أتقياء ويصلون! بل إن الذي يشعر في الصلاة أنه أمام الله القدوس البار, الذي لا حدود لقدسيته ولبره, إنما يشعر بهذا المصلي بخجل شديد في أنه يقف أمام الله ناسيا خطاياه الكثيرة التي نجس القلب بها, لذلك فإنه يعترف بأنه أخطأ أمام الله ولم يخجل! وأنه أخطأ كثيرا ثم تجرأ أن يقف أمام الله ويكلمه ناسيا ما فعله من أخطاء!
إن الذي يشعر أنه أمام الله, لابد أن يكون حريصا جدا في معاملاته مع الناس. وهو يشعر أنه أمام الله الذي ستر عليه ولم يكشفه في كل ما ارتكب من خطايا. لذلك يحرص أنه يستر علي باقي الناس, ولا يشهر بنقائصهم أو بخطاياهم, لأنه بادراكه أنه أمام الله, يقول له: كما سترت علي يارب ينبغي أن أستر علي غيري. وكما غفرت لي, ينبغي أن أغفر لغيري إساءتهم. ولا أحكم علي أفعال الناس, لأنني انسان محكوم علي منك, الذي يعرف كل أعمالي في العلن وفي الخفاء.
وفي الضيقة أيضا ينبغي أن يدرك كل متضايق انه أمام الله الذي يهتم به, والذي هو قادر علي أن ينقذه وينجيه. إن مشكلتنا في الضيقات أننا لا نري إلا الضيقة, ولا نري الله الذي يحمينا منها! والواقع أن الله كما يري خطايانا, يري أيضا متاعبنا. ولذلك في الضيقة ينبغي أن تدرك أنك أمام الله الحافظ والراعي والمعين والمنقذ. وبهذا تطمئن ويملك السلام علي قلبك مهما حدث.
إن شعورنا أننا باستمرار أمام الله الذي يضبط حياتنا كضابط للكل, ويراقبها, هذا يجعلنا أكثر احتراصا في حياتنا, لا نتسيب في شيء ولانخطيء. مؤمنين أن الله يري كل ما نفعل, ويسمع كل ما نقول, ويطلع علي أفكارنا ومشاعرنا, وكل تفاصيل حياتنا مكشوفة أمامه... وفي نفس الوقت هو ليس فقط يراقبنا, وإنما أيضا يعيننا.
بهذا الإيمان نحيا, واضعين أمامنا في كل حين وفي كل مكان أننا أمام الله.