مثل الفريسي والعشار.....لنيافة الانبا مكاريوس
هذا المثل ربما لا يكون مستمداً من الطبيعة ولكنه يقدم فكرة الصلاة بشكل غير مقبول، وكانت الصلاة تقدم في الهيكل ثلاث مرات (الساعة التاسعة والثانية عشر والثالثة عصراً).
والفريسي ينتمي إلى شيعة الفريسيين: (الفريسي perisha ) وهي لفظة تعني مفرز، كما سمي الفريسي qaddisha أي قديس. إذا فقد كان يعد ذاته منفصلاً عن عالم الأشرار لأنهم خطاة أمّا هو فقديس.
وقف الفريسي يصلي كمن يعرض تقرير لرئيسه في العمل وليس كعبد أمام سيده (ان فعلتم كل البر فقولوا أننا عبيد بطالون) ونسى أن يشكر الله أنه خلق عبداً ممتازاً مثله!!
ويصف أعماله والخير الذي يتدفق من بين يديه نحو الله!، يصوم مرتان (الأثنين والخميس) وويقدم العشور (كان الفريسي يقدمها حتي عن ما يشتري لعل المنتج لم يعشرها، وبالتالي فهي فلا تصلح للأاستخدام. كما كانوا يعشرون الشبث والكمون - متي 23).
هكذا قدم بيانات عن فضائله وكأنه أوشك أن يعطي الغفران لنفسه. "إن قلنا أنه ليس لنا خطية نضل أنفسنا وليس الحق فينا" (1يو 1: . وقد حاول إخفاء كبرياؤه بعبارة "أشكرك يارب" حتي وأن لم يكن أخطأ فخطيئة الكبرياء (وهي أبشع) ولم يكتفِ بإدانة العشار، إذ نظر إليه ياشمئزاز: كيف يدخل الهيكل وينجّسه !.
لم يشفق الفريسي علي العشار ولم يصلي لأجله، ولكنه أدانه ووصفه بالجشع والظلم والفسق والخطف !!،
كان الفريسي يصلي فائلاً: " أشكرك يا إلهي لأنك جعلت لي مكاناً وسط أهل العلم وليس بين الذين يمكثون في الأزقة. أنا أستيقظ مبكراً لألهج في نواميسك وأما هم فيبكرون إلي الباطل.
أنا أعمل وهم لا عمل لهم، وأنا أنال أجراً لعملي ولا أجر لعملهم .أنا أجري وهم يجرون. أنا أجري لأجل الحياة وأما هم فيجرون إلي الهلاك"
!! تلك كانت صلاة الفريسي.
أمّا الرابي شمعون فقد صرّح قائلاً " إن وجد رجلان باران في الدنيا، فأكون أنا وابني، وإن كان بار واحد في الدنيا كلها أكون أنا".
ولذلك يحذّر الآباء من التظاهر بالصلاة .. يقول بعض الآباء: "علمني يارب أن احاسب نفسي كما أحاسب الآخرين وأن أحب الآخرين كما أحب نفسي".
صلاة العشّار:
كان العشارون من الطبقات المكروهة في المجتمع اليهودي، وكانوا ُيصنفون في مستوى واحد مع الزناة فيقال: "العشارون والزناة" "
وبينما هو متكئ في البيت اذا عشارون و خطاة كثيرون قد جاءوا واتكاوا مع يسوع وتلاميذه" (متى 9 : 10) لأن يوحنا جاءكم في طريق الحق فلم تؤمنوا به وأما العشارون والزواني فامنوا به وأنتم اذ رأيتم لم تندموا أخيرا لتؤمنوا به (متى 21 : 32).
وقد وقف العشار بعيداً كمن لا يستحق بل وكمن يستحي أن يظهر أمام الناس ! وقف وهو منكسر ملقياً رأسه علي صدره، قائلاً "اللهم ارحمني أنا الخاطيء" (وهو الوضع الذي تتخذه الكنيسة كلها في القداس عندما ينادي الشماس طاس كيفالاس: احنوا رؤوسكم للرب)
بدا وكأنّه الخاطي الوحيد .. وكمن يقول لله: كن لطيفاً معي .. رحيما .. ارفع غضبك (وهو قول مقتبس من الكتاب لا سيما سفر المزامير 51 "مزمور التوبة" ). ارحمني كعظيم رحمتك وليس بحسب عظم خطيتي!!،
فنحن لا نتكل علي أنفسنا بل علي الله الذي يقيم الأموات (2كو 9:1). والعبارة "يارب إرحم" نقولها كثيراً ... باتضاع العشار لنستدر بها رحمة الله.
وقد التقطت الكنيسة هذه الصلاة منذ البداية لتكون الصلوات السهمية التي ترسلها لتبعد عنّا قوات الظلمة، والتي لا يسحقها سوي الاتضاع ... لم يجد العشار ما يقوله ... بل قال بمرارة نفس: ارحمني " اللهم ارحمني انا الخاطيء (لوقا 18: 13).
بين الفريسي والعشار:
كان الفريسي محترما من الناس، بينما كان العشار محتقراً منهم، كانت صلاة الفريسي طويلة، بينما كانت صلاة العشّار عميقة، كان الفريسي متكبّرا في حين كان العشّار متضعاً، لقد خرج الفريسي شاعراً بالراحة (ولا يعلم أنه قد دين) بينما خرج العشار منكسراً (ولا يعلم أنه قد تبرر !!)
ويقولون أن مراتب الناس أربعة:
خاطيء متكبّر وخاطيء متضع، وبار متكبّر وبار متضع.
إن تقييم كل من المرتبة الأولى والأخيرة واضح، ولكن إذا فاضلنا ما بين المرتبتين الثانية والثالثة فسوف نفضّل الخاطيء المتّضع على البار المتكبّر،
والسبب أن الأول يخلص باتضاعه بينما يهلك الثاني بكبريائه.
كما أن الاعتذار أثمن من الوصية التي كسرت، فالانسحاق والدموع يحننان قلب الله.
يقول القديس اغسطينوس "تشبه بالعشار لئلا تدان مع الفريسي" ويقول أيضاً "لا تيأس أحد اللصين خلص، ولا تغترّ فاللص الآخر هلك".
"اللهم ارحمني أنا الخاطيء" خبرة تركها لنا ذلك العشار المبارك.